ليبيا.. جدل واسع بعد قرار منع لحى الشرطة

أصدرت وزارة الداخلية في الحكومة المكلفة من البرلمان شرق ليبيا، قراراً يقضي بمنع أفراد جهاز الشرطة من إطلاق لحاهم، في خطوة وصفتها بأنها تهدف إلى "الحفاظ على المظهر الموحد والانضباطي" للمؤسسة الأمنية.
القرار، الذي صدر بتوقيع وكيل الوزارة فرج اقعيم، جاء على شكل تعميم موجه إلى رؤساء الأجهزة والمصالح الأمنية ومديري الإدارات العامة، طالب فيه بضرورة الالتزام التام بحظر إطلاق اللحى، مع التلويح باتخاذ إجراءات قانونية ضد كل من يخالف التعليمات.

خلفيات القرار ومبرراته
وفقًا لنص التعميم، فإن الخطوة تأتي في إطار "حرص الوزارة على مظهر الشرطة بما يعكس الجدية والانضباط العسكري"، معتبرة أن توحيد الشكل الخارجي لأفراد الأمن لا يقل أهمية عن التزامهم بالقوانين والتعليمات.
كما شددت الوزارة على أن هذه السياسة تدخل ضمن الإجراءات الرامية إلى تعزيز الانضباط العام وهيبة الشرطة أمام المواطنين.
انقسام في المواقف
إلا أن القرار لم يمر بهدوء، إذ فجّر موجة واسعة من الجدل على منصات التواصل الاجتماعي، بين مؤيدين يرون فيه ضمانًا لصورة مهنية منضبطة، ومعارضين اعتبروه تقييدًا للحريات الشخصية.
فقد اعتبر الناشط صالح الفان أن القرار "ضروري وصحيح"، موضحًا أن الشرطة يجب أن تظهر بصورة موحدة "تعكس هيبة الدولة وتنأى بالمؤسسة الأمنية عن أي انطباعات دينية أو سياسية".
وفي السياق ذاته، كتب المدوّن عبد الله الأجهر أن حلق اللحية "جزء من النظافة الشخصية، ومتطلب أساسي للانضباط في أغلب أجهزة الشرطة حول العالم".
أصوات معارضة
في المقابل، أبدى آخرون اعتراضهم، معتبرين أن القرار يضيق على حرية الأفراد.
وقال المستخدم عبد المنعم أحمودة متسائلًا: "هل اللحية تعيق عمل الشرطي أو تقلل من كفاءته؟"، مؤكدًا أن الأمر يتعلق بحرية شخصية يجب على الدولة احترامها.
ودعا إلى الاهتمام بتطوير قدرات الشرطة وتزويدها بالإمكانات الحديثة بدل الانشغال بـ"قضايا شكلية".
أما المدون أبو مالك فطرح مقترحًا وسطًا، يقضي بالسماح بإطلاق اللحية لكن بشرط أن تكون مهذبة ومقصّرة بحيث لا تضر بالمظهر الرسمي للشرطي.
سياق تاريخي
يذكر أن ليبيا سمحت منذ عام 2011 لعناصر الجيش والشرطة بإطلاق لحاهم، بموجب قرار وزارتي الدفاع والداخلية آنذاك، وجاء ذلك استجابة لطلب من المفتي العام السابق الشيخ الصادق الغرياني، الذي كان قد اعتبر أن اللحية "مظهر ديني ينبغي احترامه".
بين الانضباط والحرية
الجدل الدائر اليوم يعكس التوتر التقليدي بين ضرورات الانضباط العسكري ومتطلبات الحرية الشخصية.
ففي حين ترى السلطات الأمنية أن توحيد المظهر يعزز صورة الدولة وهيبتها، يخشى المعارضون أن يكون هذا القرار مدخلًا لمزيد من التدخل في شؤون شخصية لا علاقة لها بالكفاءة أو الأداء الأمني.
وبين المؤيد والرافض، يبقى القرار مرشحاً لإعادة فتح نقاشات أوسع حول العلاقة بين المؤسسات الأمنية والحريات الفردية في ليبيا، في ظل بيئة سياسية وأمنية ما زالت تعاني من الانقسام والتجاذب منذ أكثر من عقد.