مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

د. حسن أبو طالب يكتب: «فلسطين والإقليم... بين الشرعية الدولية وغطرسة القوة»

نشر
د. حسن أبو طالب
د. حسن أبو طالب

سبتمبر (أيلول) أحد الأشهر المليئة بالأحداث الكبرى وثيقة الصلة بالمصير الفلسطيني، ومن ورائه مصير الإقليم ككل، بتحالفاته وتوجهاته التي تخضع راهناً لحالة مراجعة، وإن في صمت قبل أن تُعلن نتائجها على الملأ. في هذا الشهر وُقّعت اتفاقيات أوسلو بواشنطن قبل 32 عاماً، والتي وضعت آلية زمنية لإنشاء سلطة وطنية فلسطينية تمهد لإعلان دولة فلسطينية كاملة السيادة. وفي الثاني عشر من سبتمبر الحالي، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 142 صوتاً مقابل 10 أصوات معارضة وامتناع 12 دولة عن التصويت، تبني «إعلان نيويورك» الخاص بتنفيذ حل الدولتين بين فلسطين وإسرائيل مساراً وحيداً لحل الصراع، والصادر عن مؤتمر «حل الدولتين» الذي عُقد في نيويورك يوليو (تموز) الماضي، برئاسة السعودية وفرنسا؛ ما يمهد لإعلانات رسمية بالاعتراف بدولة فلسطين من قِبل دول عدّة نهاية الشهر الحالي.

وفيه ثالثاً، قبل خمسة أيام، وقّع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على ما يعرَف بخطة «إي1» لتوسيع المستوطنات بمساحة 12 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية والمحيطة بالقدس؛ بهدف عزل القدس عن محيطها الفلسطيني في الضفة، وإعاقة إقامة دولة فلسطينية كما يطمح أهلها. وفيه رابعاً، تأكيد رئيس الوزراء نتنياهو بأنَّ حدود إسرائيل ستكون غور الأردن وليس مستوطنة معاليه أدوميم، ولن يكون فيها أبداً دولة فلسطينية.

الأحداث الأربعة تجسّد الصراع بين مساريْن؛ الأول مسار الشرعية الدولية والتزام الحلول السلمية التفاوضية، والسعي إلى سلام عادل ينهي صراعاً ممتداً يزيد على 77 عاماً، والآخر مسار العدوان الدائم وغطرسة القوة، والاستناد إلى حماية أميركية غير قابلة حتى اللحظة للمراجعة أو التعديل ولو الجزئي.

المساران يتفاعلان بحدة، والمؤسف أن المحصلة ليست لصالح السلام والشرعية الدولية؛ فغطرسة القوة الإسرائيلية لا رادع لها، والسلطة الفلسطينية التي كانت خطوة نحو إقامة دولة مأمولة، تعانى ضعفاً متصاعداً بفعل الضغوط الإسرائيلية العسكرية والسياسية والدعائية والاقتصادية، فضلاً على تضارب المواقف الأميركية بشأن حل الدولتين وغياب أي تحرك أميركي جاد يدعم هذا المسار. وتأتى مشروعات الاستيطان الإسرائيلية القديمة والجديدة لتقلص مساحة الأرض الفلسطينية التي كانت قبل 32 عاماً مؤهلة لإقامة الدولة الفلسطينية الموعودة. صحيح أنَّ الدعم الدولي المتصاعد لمبدأ الدولة الفلسطينية يمثل خطوة إيجابية لا يمكن التقليل منها، لكنَّها تتطلب إجراءات عملية توقف الغطرسة الإسرائيلية، وتدعم الوجود الفلسطيني، وتجسّد الشرعية الدولية، وتحُول دون تهجير أصحاب الأرض، وتنصر أهل غزة الصابرين بوقف العدوان والتجويع والتدمير. إجراءات عملية من دونها تقل الفاعلية السياسية. ولعلَّ اجتماعات الجمعية العامة المقبلة تشهد تحركاً دولياً يثبت أن هناك حدوداً لانتهاكات القانون الدولي أياً كان الطرف المارق.

الأحداث الأربعة تتكامل معانيها الصراعية الممتدة مع حدث العدوان الإسرائيلي الغادر على دولة قطر، والذي استهدف عمداً دورها وسيطاً يجتهد مع القاهرة من جانب، وواشنطن من جانب آخر وإن بلا حماسة، من أجل وضع حد للعدوان الهمجي على قطاع غزة وأهله الصابرين منذ 23 شهراً متواصلة. العدوان على قطر مثّل تطرفاً غير مسبوق في السلوك الإسرائيلي، مشحون بقدر من الغباء الاستراتيجي وغطرسة قوة مفرطة، توهم صاحبها أنَّه قادر على حسم معاركه العسكرية الفاشلة حتى اللحظة في القطاع المنكوب عبر اغتيال قادة «حماس» وهم يبحثون الرد على مقترح أميركي بهدنة وتبادل السجناء، ومزيد من الإغاثة للمنكوبين في القطاع.

فشل العدوان الإسرائيلي في تحقيق أهدافه، جسَّد حجم اللامبالاة التي تسيطر على نتنياهو تجاه أي تداعيات على العلاقات مع دول ترفع راية السلام الإقليمي المتوازن. فرط القوة وتطرف القرار والتمتع بحماية أميركية بلا سقف تحُول دون التعرض لأي عقوبات، تجسّد عوامل قلق للأمن الإقليمي، وتطرح بدورها تحديات على عواصم القرار العربية والإقليمية معاً، وتحفّز البحث عن مسارات عمل جماعي، يضع حداً للعدوان الإسرائيلي، ويردع كل عابث بأمن الإقليم أو أحد أعضائه الأصلاء.

ما يحفز على التفكير في بدائل عملية قابلة للتحقق، تلك المواقف التي أكَّدها وزير الخارجية الأميركي روبيو أثناء زيارته لتل أبيب في أعقاب العدوان الإسرائيلي على قطر، حيث الخلاف حول الاعتداء لن يغير الدعم الأميركي لإسرائيل، مردداً مطالب نتنياهو ووزرائه المتطرفين بأولوية القضاء الكامل على أي مقاومة فلسطينية، والإفراج الفوري عن الأسرى الإسرائيليين، ثم التفكير بعد ذلك في مصير القطاع. والأخطر أنه برَّر لإسرائيل خطط الاستيطان على الأراضي الفلسطينية بصفتها ردّاً على التأييد الدولي المتصاعد لمبدأ الدولة الفلسطينية، وكأنّه يوافق ضمناً على خطط إعلان السيادة الإسرائيلية على الضفة.

خلاصة الأمر، لم يعد بحث بدائل الأمن الإقليمي مسألة ترف فكرى أو نظري؛ فالحقائق على الأرض تفرض نفسها، وضرورة التحسب لسيناريوهات متعددة السياقات الصراعية، أمر يتطلب جهداً والتزاماً يوفران أكبر مساحة ممكنة للأمن الجماعي. هذه البدائل لا تعني أنَّها بداية لصراع مباشر مع الولايات المتحدة، بل بداية لنهج جديد يراعي التحديات، ويردع الغطرسة الإسرائيلية، ويحمي مقدَّرات العرب جميعاً بلا استثناء، ويسعى لتغيير التوجهات الأميركية بدأب ودون كلل.

نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط