مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

"ترند الصواريخ" يُشعل الجدل في العراق.. "جدلية الشعائر.. السلاح.. والنفوذ الإيراني"

نشر
الأمصار

 أثارت مشاهد مصوّرة تم تداولها على نطاق واسع لزائرين خلال الزيارة الأربعينية وهم يؤدون حركات تحاكي "سقوط الصواريخ"، ويستعرضون مجسمات لصواريخ وهمية وسط الحشود، جدلًا واسعًا في الأوساط العراقية، السياسية والدينية على حد سواء. 

وسرعان ما تحوّل الحدث إلى ما بات يُعرف إعلاميًا وشعبيًا بـ"ترند الصواريخ"، خاصة بعد تكرار هذه الظاهرة في مدينتي النجف وكربلاء، حيث تقام أكبر الفعاليات الدينية الشيعية سنويًا.

ترند الصواريخ 🚀 | ابو الجود وزيوني #اكسبلور #تحشيش #ترند #تفاعلو #لايك  #كوميديات - YouTube

 مظهر "غير معتاد" في الشعائر

المقاطع، التي أظهرت مجموعات من الشبان يؤدون مشاهد تمثيلية لانفجارات وصواريخ تسقط وسط الزائرين، أثارت استياء شريحة من الجمهور العراقي، ممن رأوا أن هذه الأفعال تُخرج المناسبة عن إطارها الروحي وتُحوّلها إلى مساحة استعراضية ذات طابع عسكري.

وبينما برر البعض هذه الممارسات بأنها "تعبير عن مقاومة الاحتلال الأميركي والإسرائيلي" أو "تذكير بتضحيات الحشد الشعبي"، اعتبر آخرون أنها تُشوّه صورة الشعائر وتُكرّس عسكرة المجتمع، في وقتٍ يسعى فيه العراق إلى النأي بنفسه عن مظاهر العنف والميليشيات.

صواريخ "أتاكمز".. نظام باليستي أميركي بعيد المدى

الصدر: لا لـ"عسكرة المراقد"

زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، دخل على خط الجدل برسالة مقتضبة بخط يده، نشرتها وسائل إعلام قريبة من تياره، أعرب فيها عن رفضه القاطع لما وصفه بـ"عسكرة المراقد".

 وقال الصدر إن هذه المظاهر "تُسيء للمقامات الدينية"، وتُحمّل الزيارات أبعادًا سياسية وعسكرية لا تليق بها، في رسالة بدت موجّهة ضمنيًا لبعض الفصائل المسلحة التي ترتبط بمشروع إيراني في العراق.

الصدر يتفاعل مع "ترند الصواريخ": عسكرة المراقد ممنوعة

رسالة الصدر جاءت متناغمة مع مواقف سابقة له، طالب فيها بحصر السلاح بيد الدولة، وفصل النشاط الديني عن العمل السياسي والعسكري. كما أنها تعكس مخاوفه من أن يؤدي استمرار هذه الممارسات إلى فقدان التيار الصدري لصورته "الشعبية والسلمية"، خاصة في المدن المقدسة التي لطالما شكّلت معقله التاريخي.

 تحركات إيرانية مريبة

الجدل حول "ترند الصواريخ" لم يكن معزولًا عن السياق السياسي الأوسع.

 فقد شهدت كربلاء والنجف زيارتين مفاجئتين من مسؤولين إيرانيين بارزين خلال 48 ساعة: الأولى للأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، والثانية لوزير الخارجية عباس عراقجي.

هاتان الزيارتان، اللتان لم تُعلَن عنهما مسبقًا، أثارتا تساؤلات عديدة في الأوساط العراقية. ففي وقت يتحدث فيه مسؤولو بغداد عن جهود لإصلاح العلاقة مع الولايات المتحدة، جاء الحضور الإيراني المكثف في العتبات الدينية ليؤكد أن طهران ما زالت حاضرة بقوة، سواء على مستوى القرار الديني أو الترتيبات السياسية لما بعد الأربعينية.

ويفسر مراقبون هذه التحركات بأنها محاولة من إيران لتثبيت نفوذها في العمق الشيعي العراقي، عبر التأثير على مزاج الجماهير، واستثمار المناسبات الدينية الكبرى للتأكيد على "المشترك العقائدي والميداني" بين الطرفين.

ترند الصواريخ" يدفع للتحذير من "عسكرة المراقد" في العراق (فيديو) | إرم نيوز

خلاف شيعي داخلي

الحدث أعاد أيضًا تسليط الضوء على الانقسام الداخلي بين القوى الشيعية في العراق. ففي حين تبنّت بعض الفصائل المسلحة "ترند الصواريخ" بوصفه عملًا تعبويًا ورمزيًا، عبّر تيار الصدر وأوساط مرجعية النجف عن انزعاج واضح من هذا التوجه.

هذا الانقسام يُعيد إلى الأذهان الخلاف الأيديولوجي بين مدرستي النجف وقم، وبين من يرى في الدين وسيلة للهداية والعبادة، ومن يتعامل معه كأداة سياسية وأمنية مرتبطة بمشاريع إقليمية.

الرأي العام منقسم

على مستوى الشارع، انقسمت ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض. فبينما عبّر بعض الشبان المشاركين عن حماستهم لمثل هذه العروض، واعتبروها تعبيرًا عن فخرهم بـ"المقاومة"، رأى كثير من الناشطين والمدونين العراقيين أن هذه الظواهر تسيء لسمعة الزيارة الأربعينية عالميًا، وتُظهرها وكأنها مناسبة عسكرية لا دينية.

ورأى مراقبون أن هذا الانقسام يعكس فجوة متزايدة بين الجيل الشاب الذي يتأثر بموجات التعبئة والتواصل الاجتماعي، وبين النخب الدينية التي تُحاول ضبط إيقاع الطقوس ضمن الإطار الشرعي التقليدي.

 الحكومة تلتزم الصمت

حتى الآن، لم يصدر موقف رسمي واضح من الحكومة العراقية حول ما جرى، ورغم تداول الموضوع بشكل واسع في وسائل الإعلام، التزمت الجهات الرسمية الصمت، ربما لتجنّب الاصطدام مع فصائل نافذة متهمة بتبنّي مثل هذه المظاهر.

لكنّ مصادر مطلعة أفادت أن بعض دوائر القرار ترى في "ترند الصواريخ" مؤشرًا خطيرًا على تغلغل السلاح غير المنضبط في المجال الشعبي والديني، وتدرس بصمت طرقًا لاحتواء هذه الظواهر مستقبلًا دون افتعال صدام مباشر مع الجهات الداعمة لها.

ترند الصواريخ

يبدو أن "ترند الصواريخ" لم يكن مجرد استعراض عابر ضمن طقوس دينية، بل أصبح مرآة تعكس عمق الخلافات داخل البيت الشيعي العراقي، وتداخل الشعائر بالدعاية السياسية، والضغوط الإقليمية المتزايدة. وبينما يرى البعض أن ما جرى هو "تعبير حر"، يحذر آخرون من أن عسكرة الطقوس الدينية قد تفتح الباب أمام فوضى رمزية وأمنية لا تُحمد عقباها، في بلد يحاول جاهدًا التوازن بين التدين الشعبي، والسيادة السياسية، والاستقلال عن صراعات الخارج.