قمة ترامب وبوتين في ألاسكا.. مفاوضات الحرب ومخاوف ما بعد اللقاء

انعقدت قمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في الخامس عشر من أغسطس 2025، في قاعدة إلمندورف–ريتشاردسون العسكرية قرب مدينة أنكوريج بولاية ألاسكا، في أول لقاء رسمي مباشر بين الطرفين منذ إعادة انتخاب ترامب، والأول الذي يُعقد على الأراضي الأمريكية منذ عام 2007.
اختيار ألاسكا لعقد القمة لم يكن عشوائيًا، إذ إن هذه الولاية كانت في السابق جزءًا من الإمبراطورية الروسية قبل أن تبيعها موسكو للولايات المتحدة في عام 1867.
هذا البعد التاريخي أضفى على القمة طابعًا رمزيًا يعكس جذور التوترات الجيوسياسية، إلى جانب كون الموقع يوفر بيئة مؤمنة ومعزولة مناسبة لمثل هذه الاجتماعات الحساسة.
تميز اللقاء بطابع ثنائي مباشر، حيث اقتصر الحضور على ترامب وبوتين وعدد محدود من مساعديهما، مع غياب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن الاجتماع الافتتاحي، وهو ما أثار موجة من الجدل السياسي، فيما أعلنت واشنطن لاحقًا احتمال عقد لقاء ثلاثي يضم زيلينسكي.

الأهداف والمناقشات الرئيسية
تركزت القمة بشكل أساسي على الحرب الروسية الأوكرانية، إذ أبدى ترامب رغبته في الدفع باتجاه تسوية سلمية تشمل إمكانية تبادل أراضٍ بين روسيا وأوكرانيا. وأفادت تقارير بأن ترامب حذر بوتين من "عواقب وخيمة" في حال عدم التوصل إلى وقف لإطلاق النار خلال اللقاء.
كما تداولت الأوساط الدبلوماسية تسريبات تفيد بتقديم بوتين اقتراحًا غير رسمي عبر أحد مبعوثي ترامب، يشمل انسحابًا أوكرانيًا من دونيتسك مقابل وقف شامل للهجمات الروسية، إلى جانب اعتراف ضمني بسيطرة موسكو على دونيتسك ولوهانسك وزاباروجيا وخيرسون، فضلًا عن شبه جزيرة القرم.

اللقاء، من ناحية رمزية، عكس مشهدًا استثنائيًا في العلاقات الدولية، حيث استضافت الولايات المتحدة زعيم الكرملين على أرض كانت يومًا ما تحت الحكم الروسي، وهو ما أرسل رسائل سياسية قوية للداخل الروسي وللخصوم الدوليين على حد سواء.
من جهة أخرى، أظهرت القمة طبيعة العلاقات المتذبذبة بين واشنطن وموسكو. فقد بدا أن ترامب يتبنّى أسلوبًا تفاوضيًا براغماتيًا يسعى من خلاله لتحقيق اختراق في مسار الحرب، وإن كان ذلك على حساب الحلفاء الأوروبيين الذين عبّروا عن قلقهم من أي صفقات قد تُعقد دون مشاركتهم أو موافقة أوكرانيا.
ردود الأفعال والمواقف
في كييف، لم يخفِ الرئيس الأوكراني استياءه من استبعاده عن اللقاء، واعتبره انتصارًا دبلوماسيًا لصالح بوتين. وأكد أن أي تسوية لا تشمل مشاركة أوكرانيا المباشرة هي مجرد هدنة مؤقتة تخدم المعتدي أكثر مما تحقق السلام العادل.
بدورهم، شدد القادة الأوروبيون على أن مستقبل أوكرانيا لا يمكن أن يُحسم في صفقات ثنائية، مجددين دعمهم لسيادة ووحدة الأراضي الأوكرانية، ورفضهم لأي تفاهمات تتجاوز قرارات الشرعية الدولية.
أما على صعيد التحليلات السياسية، فقد عبّر عدد من المراقبين عن خشيتهم من أن تُمهّد هذه القمة لهدنة ناقصة قد تكرّس واقعًا مفروضًا بقوة السلاح، وتفتح الباب لتنازلات غير مضمونة العواقب. وذهب بعضهم إلى اعتبار القمة خطوة نحو تقنين الاحتلال الروسي لبعض الأراضي، بدلًا من حل الأزمة من جذورها.
على المستوى الإعلامي، وصف البعض تصريحات ترامب حول بوتين بأنها متناقضة، خاصة حين أشار إلى "خطورة" الرئيس الروسي ووصفه بعبارات حادة، رغم إظهاره استعداده للتفاهم معه. هذا التذبذب في المواقف أعاد إثارة الجدل حول مدى وضوح استراتيجية الإدارة الأمريكية الجديدة في التعامل مع روسيا.
البُعد الرمزي والجيوسياسي
لا يمكن تجاهل رمزية الموقع الجغرافي لألاسكا، التي تمثل تقاطعًا تاريخيًا بين النفوذ الروسي القديم والواقع الأمريكي الحديث. اختيار هذا المكان بالتحديد لعقد القمة أضاف بعدًا معنويًا يعكس محاولة إعادة رسم حدود النفوذ والنفوذ المضاد في العالم.
كما أشار مراقبون إلى أن انعقاد القمة في قاعدة عسكرية أمريكية يحمل في طياته رسائل عسكرية واضحة، تفيد بأن الحوار مع روسيا لا يجري من موقع ضعف، بل في إطار توازن قوى قد يتيح التفاوض ولكن لا يُفرّط بالردع.
قمة ألاسكا .. أسئلة أكثر مما تقدم أجوبة
قمة ترامب وبوتين في ألاسكا تطرح أسئلة أكثر مما تقدم أجوبة. فمن جهة، يمكن اعتبارها خطوة أولى نحو فتح قنوات تفاوض مباشرة لإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، لكنها من جهة أخرى كشفت عن هشاشة المشهد التفاوضي وعمق الانقسامات بين الأطراف المعنية.
رمزية المكان تثير الفضول السياسي، وغياب أوكرانيا يطرح تساؤلات حول مدى جدية المساعي نحو سلام دائم. أما الهدف الحقيقي من اللقاء، فظل محاطًا بالغموض، مع تعدد التفسيرات بين بحث عن تسوية حقيقية وبين محاولة لصنع مشهد دبلوماسي يخدم الطرفين سياسيًا.
الأكيد أن هذه القمة ليست نهاية للحرب، وإنما قد تشكل بداية مرحلة جديدة من المفاوضات المشحونة بالمخاطر، خاصة إذا تم تجاوز الأطراف المتضررة أو تجاهل المبادئ الأساسية للسيادة والاستقلال الوطني. وفي انتظار ما ستكشفه الأيام المقبلة، تبقى القمة علامة فارقة في خريطة الصراع الروسي الأوكراني، وعنوانًا لتحولات قد تغير وجه العلاقات الدولية في المرحلة القادمة.