مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

مقترح أوروبي مضاد لوقف حرب أوكرانيا.. شروط وضمانات تحدد مصير الصراع

نشر
الأمصار

في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، التي دخلت عامها الرابع، وتداعياتها المتزايدة على الأمن الأوروبي والنظام العالمي، برز مؤخراً مقترح روسي قدمه الرئيس فلاديمير بوتين يتضمن وقف إطلاق نار مشروط مقابل تنازلات جغرافية من جانب أوكرانيا. 

وول ستريت جورنال: هكذا غيرت حرب أوكرانيا التاريخ | أخبار | الجزيرة نت

هذا المقترح قوبل برفض قاطع من القوى الغربية، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي، الذي طرح بدوره مبادرة مضادة تهدف إلى كسر الجمود السياسي وفتح الطريق أمام مفاوضات دولية أكثر توازناً، مع تأكيده على ضرورة وضع شروط وضمانات تضمن العدالة والسيادة لكييف، وتحمي المصالح الأوروبية والأطلسية في المنطقة.

 أزمة ممتدة بين الشرق والغرب

منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022، إثر غزو روسيا الشامل لأوكرانيا، دخلت القارة الأوروبية مرحلة غير مسبوقة من التوتر العسكري والسياسي. ورغم الدعم الغربي الكبير لأوكرانيا، سواء من خلال المساعدات العسكرية أو الاقتصادية، فإن الصراع لا يزال مفتوح النهايات، ولا يلوح في الأفق حل سريع أو حاسم. تعود جذور الأزمة إلى التوترات الجيوسياسية بين موسكو وواشنطن، ورفض روسيا لما تعتبره توسعاً لحلف شمال الأطلسي (الناتو) على حدودها.

وقد حاولت عدة أطراف دولية خلال السنوات الماضية تقديم مبادرات للتهدئة، إلا أن معظمها فشل في تحقيق اختراق حقيقي بسبب تعنت موسكو من جهة، وإصرار كييف على استعادة سيادتها كاملة من جهة أخرى.

 مقايضة إقليمية مقابل الهدنة

في محاولة جديدة لتغيير مسار الحرب سياسياً، اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقفاً مشروطاً لإطلاق النار، يتضمن تبادلاً في الأراضي، لا سيما في منطقة دونيتسك التي تشهد صراعات عنيفة منذ عام 2014. ويقضي المقترح الروسي بتنازل أوكرانيا عن أجزاء من المنطقة لصالح روسيا مقابل التزام موسكو بوقف إطلاق النار وسحب محدود لقواتها من بعض النقاط الساخنة.

لكن المقترح قوبل بتحفظات واسعة من العواصم الأوروبية، التي رأت فيه محاولة روسية لتثبيت مكاسبها الميدانية، وتجميد الصراع بطريقة تخدم استراتيجيتها بعيدة المدى، دون تقديم ضمانات فعلية لسلام دائم أو انسحاب حقيقي.

500 يوم من الحرب.. أبرز مكاسب وخسائر روسيا وأوكرانيا | سكاي نيوز عربية

الرد الأوروبي: رفض الشروط الأحادية وطرح إطار تفاوضي جديد

أعلنت عدة عواصم أوروبية، من بينها برلين وباريس وبروكسل، رفضها للمقترح الروسي، وأكدت أن أي خطة لوقف إطلاق النار يجب أن تبدأ أولاً بانسحاب روسي فعلي، وليس العكس. 

وفي هذا السياق، كشفت مصادر دبلوماسية أوروبية عن مبادرة جديدة تعتبر رداً مضاداً على الطرح الروسي، وتهدف إلى خلق أرضية حقيقية لتفاوض متعدد الأطراف.

يتضمن المقترح الأوروبي سلسلة من الشروط التي تضمن توازن المصالح، وتشترط أن يكون أي تبادل للأراضي متبادلاً وتحت إشراف دولي صارم. كما يشدد على ضرورة توفير ضمانات أمنية قوية لكييف، منها حقها في الانضمام إلى التحالفات العسكرية، وخصوصاً الناتو، بالإضافة إلى استمرار الدعم العسكري واللوجستي.

موقف أوكرانيا: لا تنازلات دون ضمانات

أبدت أوكرانيا رفضاً قاطعاً للمقترح الروسي، وأكدت أن أي تفاوض يجب أن يبدأ بانسحاب كامل وغير مشروط للقوات الروسية من أراضيها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو عام 2014. كما طالبت كييف بضمانات أمنية غربية طويلة الأمد، تشمل نشر قوات أوروبية على أراضيها، وتعزيز قدراتها الدفاعية.

ورغم إصرارها على استعادة كافة أراضيها المحتلة، تعترف القيادة الأوكرانية ضمناً بأن الحل العسكري وحده لن يكون كافياً لتحقيق ذلك، خاصة في ظل استنزاف الموارد وتأخر بعض الدعم الغربي. ولهذا، تدعو كييف إلى تفعيل المسارات الدبلوماسية، ولكن بشروط واضحة ومبنية على احترام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

خسائر تكبدتها روسيا وأوكرانيا خلال 1000 يوم من الحرب

اختلاف الرؤى بين موسكو وكييف.. العقبة الأبرز أمام الحل

يبدو أن التباين الكبير في شروط الطرفين لا يزال يشكل العقبة الرئيسية أمام أي تقدم دبلوماسي. فبينما تصر موسكو على ضرورة وقف تدفق الأسلحة الغربية لأوكرانيا، وتطالب الأخيرة بالتخلي عن طموحاتها للانضمام إلى الناتو، ترفض كييف هذه الشروط بالكامل وتعتبرها تهديداً مباشراً لسيادتها واستقلالها.

كما لا تزال روسيا تروج لفكرة "الحياد الأوكراني" كشرط أساسي لأي تسوية، في حين ترى أوكرانيا والغرب أن هذه الرؤية ما هي إلا محاولة للهيمنة الروسية على القرار السيادي الأوكراني، وضمان إبقائه تحت النفوذ الروسي لعقود قادمة.

تنسيق أوروبي متصاعد: اجتماع حاسم لوزراء الخارجية

ضمن هذا السياق المتوتر، أعلن الاتحاد الأوروبي عن عقد اجتماع افتراضي لوزراء خارجيته بمشاركة نظيرهم الأوكراني، لمناقشة الخطوات المقبلة وتوحيد الرؤية الأوروبية حيال المقترح الروسي والرد المناسب عليه. ويُتوقع أن يكون الاجتماع منصة لصياغة موقف دبلوماسي جماعي يعزز من قوة الموقف الأوكراني في أي مفاوضات مستقبلية، ويؤكد التزام أوروبا بعدم القبول بأي تسوية تُفرض بالقوة أو تكرّس مبدأ "الحدود بالدم".

آفاق التسوية.. هل تلوح بوادر انفراج؟

رغم تزايد المبادرات والضغوط الدولية، لا تزال فرص الوصول إلى تسوية شاملة للأزمة ضئيلة في المدى القريب. فالمواقف لا تزال متصلبة، والهوة بين المطالب الروسية والأوكرانية عميقة. ومع ذلك، يرى بعض المراقبين أن طرح المقترحات – وإن كانت متناقضة – قد يمثل بداية لتحريك المياه الراكدة، إذا ما توفرت الإرادة السياسية من الأطراف الكبرى، خصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وربما الصين لاحقاً.

وفي حال استمرار حالة الجمود، فإن السيناريو المرجّح هو مزيد من التصعيد الميداني، في وقت تتزايد فيه الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على كل من موسكو وكييف، مما يجعل من الحرب عبئاً متزايداً ليس فقط على المتحاربين، بل على العالم بأسره.