هل بدأت لحظة الانكسار؟ الجيش الأوكراني بين نار الاستنزاف وبطء الدعم

مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الرابع، بدأت تساؤلات جادة تُطرح في الأوساط السياسية والعسكرية الدولية حول مدى قدرة الجيش الأوكراني على الصمود، في ظل الضغوط المتزايدة على خطوط الجبهة، والأزمات الداخلية المرتبطة بالتجنيد، ونقص المعدات، واهتزاز الروح المعنوية للقوات. فهل يقترب الجيش الأوكراني فعليًا من لحظة الانهيار؟
جبهات مشتعلة وتقدم بطيء
رغم أن القوات الروسية لم تحقق اختراقات استراتيجية كبيرة في الأشهر الأخيرة، فإنها أحرزت تقدمًا تدريجيًا على عدة محاور شرق البلاد، أبرزها في محيط دونيتسك وخاركيف، بحسب تقارير استخباراتية غربية. وبحسب تقييم مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، فإن روسيا نجحت في السيطرة على أكثر من 5 آلاف كيلومتر مربع منذ مطلع عام 2025، وإن كان ذلك بثمن باهظ يتمثل في عشرات آلاف القتلى والجرحى.
في المقابل، يبدو أن قدرة أوكرانيا على الاحتفاظ بخطوطها الدفاعية تتآكل تدريجيًا. فقد أظهرت صور أقمار صناعية حديثة ثغرات واسعة في تحصينات بعض الجبهات، وسط تضارب في الأوامر ونقص واضح في الذخيرة.

أزمة التجنيد: العجز يطارد الجبهات
أحد أبرز مظاهر التراجع العسكري الأوكراني هو العجز البشري. فبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الحرب، تراجعت الموارد البشرية المتاحة للتجنيد من نحو 8.7 مليون رجل في سن الخدمة إلى أقل من 5 ملايين، وفقًا لتقارير محلية، بفعل الهجرة والإصابات والوفيات.
ورغم تعديل قانون الخدمة العسكرية في مايو الماضي لتخفيض سن التجنيد من 27 إلى 25 عامًا، فإن وزارة الدفاع الأوكرانية لم تنجح حتى الآن في سد الفجوة، وسط تقارير عن رفض آلاف الشباب الاستجابة لأوامر الاستدعاء. كما نشرت وسائل إعلام أوكرانية تقارير مصورة تُظهر عمليات هروب علني من مراكز التعبئة، وحالات فساد داخل بعض مكاتب التجنيد.

هروب من الجبهات.. وضعف في التدريب
في حادثة أثارت جدلًا واسعًا، تم تسريح لواء المشاة الميكانيكية رقم 155 الذي تم تجهيزه وتدريبه في فرنسا، بعد أقل من شهرين من نقله إلى الجبهة، إثر موجة واسعة من الفرار، وتدهور في الروح المعنوية. وصرح أحد الجنود السابقين باللواء لقناة "سوسبيلن" الأوكرانية قائلًا: "أرسلونا للجبهة بدون خطة واضحة، لم يكن معنا قادة مؤهلون، وخسرنا نصف العتاد خلال أيام".
هذه الحادثة ليست استثنائية، بل تعكس نمطًا يتكرر في عدة وحدات، بحسب ما أكد المحلل العسكري الأوكراني أوليه زدانوف، الذي قال: "نحن نواجه أزمة تنظيم حقيقية... لدينا جنود، لكننا لا ندربهم بما يكفي، ونرسلهم إلى الجبهة دون غطاء ناري أو دعم لوجستي كافٍ".
آراء متباينة: هل الانهيار وشيك؟
الحديث عن "الانهيار" لا يزال محل جدل بين الخبراء العسكريين. فبينما يرى البعض أن الجيش الأوكراني يعاني من استنزاف خطير في الموارد البشرية والذخيرة، يؤكد آخرون أن الأمر لا يصل إلى حدود الانهيار التام، وأن قدرة الجيش على الدفاع ما تزال قائمة، خاصة في حال وصول مساعدات غربية إضافية.
وفي هذا الشأن قال الخبير العسكري البريطاني مايكل كلارك : "الجيش الأوكراني يواجه لحظة حرجة، لكنه لم ينهَر بعد... المشكلة أن الدعم الغربي يتأخر، بينما الوقت ليس في صالح كييف". فيما أشار المحلل الأمريكي فريدريك كاغان إلى أن "أوكرانيا بحاجة ماسة لإصلاحات سريعة في هيكلية التجنيد والقيادة... ما لم يحدث ذلك، فإن الوضع قد يتجه إلى مزيد من الفوضى".

ضغط غربي واستنزاف روسي
على الجانب الآخر، يواجه الروس أيضًا معضلات كبيرة، رغم التقدم البطيء. فقد تجاوز عدد قتلى الجيش الروسي منذ بداية الحرب عتبة 250 ألفًا، بحسب بيانات وزارة الدفاع البريطانية، وسط تقارير عن نقص حاد في الضباط وصف الضباط، واستمرار الاعتماد على وحدات "فاغنر" التي تعاني من التفكك بعد تمردها العام الماضي.
ورغم ذلك، فإن حجم السكان الروسي، ومتانة الاقتصاد نسبيًا مقارنة بأوكرانيا، يسمح لموسكو بالاستمرار في تعبئة المقاتلين بشكل دوري، ولو كان ذلك مكلفًا.
الدعم الغربي... بطيء ومشروط
في الخلفية، يعاني الجيش الأوكراني من تراجع إمدادات الأسلحة، خاصة الذخائر الثقيلة والطائرات بدون طيار وأنظمة الدفاع الجوي. وبعد أشهر من التلكؤ، بدأ الحلفاء الأوروبيون والولايات المتحدة إرسال شحنات جديدة، لكن على مراحل ووفق شروط معينة.
وأعلنت ألمانيا مطلع يوليو الجاري عن حزمة دعم جديدة تتضمن مدافع متطورة وأنظمة دفاع جوي "إيريس-T"، فيما أرسلت الولايات المتحدة ذخائر دقيقة وعددًا محدودًا من الصواريخ البعيدة المدى. لكن مسؤولًا في الجيش الأوكراني قال لموقع "ديفينس إكسبريس": "ما يصلنا لا يغطي أكثر من 20% من احتياجاتنا الشهرية".
مقاومة مستمرة... في انتظار المجهول
حتى الآن، لا تزال القوات الأوكرانية متمسكة بمواقعها في أغلب الجبهات، وتحاول تنفيذ عمليات نوعية محدودة، كما حصل مؤخرًا في محور خيرسون. إلا أن مؤشرات الإنهاك بدأت تظهر بوضوح، لا سيما في الجبهات الشرقية.
ورغم نفي وزارة الدفاع الأوكرانية وجود خطر "الانهيار"، فإن الحقائق على الأرض تكشف أن الجيش يخوض معركة استنزاف شاقة، تعتمد نتيجتها النهائية على سرعة التجنيد، وفعالية الإصلاحات، واستمرارية الدعم الغربي.