مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

خارطة طريق جديدة برعاية أممية.. والليبيون يحددون أولوياتهم للخروج من الأزمة

نشر
الأمصار

في خطوة جديدة لدفع العملية السياسية في ليبيا، أطلقت بعثة الأمم المتحدة للدعم استطلاع رأي شارك فيه أكثر من 10 آلاف مواطن ليبي، بهدف رسم ملامح خارطة طريق تقود البلاد نحو انتخابات طال انتظارها. 

الخطوة الأممية تأتي في إطار دعم متزايد من المجتمع الدولي لحل سلمي يقوده الليبيون بأنفسهم ويضع نهاية لحالة الانقسام والصراع.

استطلاع واسع لتحديد الأولويات

الاستطلاع الأممي استهدف قياس نبض الشارع الليبي بشأن أفضل السبل لتحقيق تقدم سياسي حقيقي. وطرحت خلاله أربعة مقترحات رئيسية من اللجنة الاستشارية، تتضمن شروطًا مسبقة لنجاح انتقال السلطة، وضمانات لاستمرارية المسار الانتخابي.

وشجعت البعثة عموم الليبيين على المشاركة، موضحة أن نتائج الاستطلاع ستكون جزءًا من مدخلات إعداد خارطة الطريق السياسية، إلى جانب نتائج مشاورات تُجرى في مختلف مناطق البلاد.

توحيد المؤسسات على رأس المطالب

كشفت النتائج الأولية أن غالبية المشاركين يعتبرون أن توحيد مؤسسات الدولة وإنهاء الانقسام السياسي يمثلان أولوية قصوى، يليهما إصلاح قطاع الأمن. المشاركون أعربوا عن قلقهم من تدهور الأوضاع الأمنية، وغياب سيادة القانون، وانعدام المساءلة، إضافة إلى تدهور الخدمات الأساسية وغلاء المعيشة.

أحد الطلاب من طرابلس كتب في مشاركته:"لا تعليم مضبوط، ولا صحة، والخدمات تتدهور يوميًا، خاصة في المناطق الخارجة عن سيطرة الأطراف الرسمية. الوضع الأمني هش، والأسعار ترتفع باستمرار، والبطالة دفعت الكثيرين للمخاطرة بحياتهم في البحر بحثًا عن مستقبل أفضل."

مقترحات شعبية لخارطة الطريق

إلى جانب التصويت على المقترحات الأربعة، قدّم أكثر من 3,000 مشارك أفكارًا مكتوبة، من أبرزها:

  • تشكيل حكومة انتقالية محايدة تشرف على الانتخابات.
  • وضع جدول زمني واضح وملزم للانتخابات.
  • ضمان مشاركة واسعة وعادلة من الشعب.

أما فيما يخص أولوية خارطة الطريق، فانقسمت الآراء بين ضرورة تجنب إطالة الفترات الانتقالية، وضمان الجدوى السياسية للمسار الجديد، وتوفير بيئة آمنة لإجراء الانتخابات.

تأكيد دولي على دعم العملية السياسية

وخلال لقائها مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبد الحميد الدبيبة، جددت هانا تيتيه، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، تأكيدها على التزام المجتمع الدولي بدعم مسار سياسي ليبي خالص. 

كما رحّبت بالإفراج عن المحتجزين تعسفيًا، وشددت على أهمية تفادي أي تصعيد أو اشتباكات داخل المناطق السكنية في العاصمة طرابلس.

كما أكدت تيتيه على ضرورة تفعيل عمل لجنة المتابعة الدولية، واستئناف اجتماعات مجموعات العمل المتخصصة في المسارات السياسية والأمنية والدستورية.

العاصمة تحت ضغط المليشيات

رغم الجهود السياسية، تبقى العاصمة طرابلس بؤرة للتوتر، في ظل هيمنة المليشيات المسلحة وتدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي. وشهدت المدينة مؤخرًا مظاهرات شعبية تطالب بتفكيك التشكيلات المسلحة، وتحقيق العدالة في توزيع الثروات، وتهيئة الأجواء لانتخابات نزيهة تعيد القرار إلى يد الشعب الليبي.

نظرة إلى المستقبل

خارطة الطريق الجديدة تمثل بصيص أمل لليبيين الذين عانوا لعقد من الاضطرابات والانقسامات. وتبقى آمال المواطنين معلقة على أن تترجم هذه الخطوات إلى واقع ملموس يعيد الاستقرار السياسي والأمني للبلاد، ويضع ليبيا على طريق التعافي والنهوض من جديد.

طبيعة الأوضاع في ليبيا

تشهد ليبيا أوضاعًا معقدة ومتشابكة على المستويين السياسي والأمني، حيث لا تزال البلاد تعاني من انقسام حاد بين مؤسسات الشرق والغرب، وسط صراع على الشرعية بين حكومتين متنافستين، إحداهما في طرابلس والأخرى في بنغازي.

وهذا الانقسام أدى إلى تعطيل المسار السياسي، وتأجيل الانتخابات التي كان يُفترض إجراؤها منذ نهاية عام 2021.

الوضع الأمني لا يقل تعقيدًا، فالعاصمة طرابلس ومناطق عدة تخضع لسيطرة جماعات مسلحة ومليشيات تتقاسم النفوذ، مما يعيق استقرار الدولة، ويحول دون بسط سلطة موحدة على كامل التراب الليبي. 

وقد تسببت هذه الحالة في تكرار الاشتباكات داخل المدن، وخلق بيئة يسودها الخوف وغياب سيادة القانون.

أما من الناحية الاقتصادية، فتواجه ليبيا أزمات خانقة رغم امتلاكها واحدًا من أكبر احتياطات النفط في إفريقيا. إذ تعاني البلاد من ارتفاع أسعار السلع، وتردي الخدمات العامة، وتعطل سحب الأموال من البنوك، في ظل ارتفاع نسب البطالة بشكل خطير.

وهذه الظروف دفعت الآلاف من الشباب نحو الهجرة غير الشرعية، بحثًا عن فرص أفضل خارج البلاد.

الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والكهرباء والمياه تعاني من الإهمال والانهيار، خصوصًا في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، في وقت تطالب فيه قطاعات واسعة من المواطنين بضرورة وضع حد للفوضى، وتشكيل حكومة موحدة تقود البلاد نحو الاستقرار والانتخابات.

وسط هذه التعقيدات، تحاول البعثة الأممية والأطراف الدولية دعم مسار سياسي يقوده الليبيون، لكنه لا يزال يصطدم بتعنت بعض القوى المحلية، وتدخلات إقليمية ودولية تعمّق الانقسام وتعطل الحلول.