مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

"طعام الموت" مجازر المساعدات في غزة تكشف عمق الكارثة الإنسانية

نشر
الأمصار

في مشهد يتكرر بمرارة كل يوم، تتحول مراكز توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، من رموز أمل في ظل حصار خانق إلى مواقع لمجازر دامية. 

 

حرب غزة: بتسلسل زمني تعرف على قصة مؤسسة غزة الإنسانية وأبرز حوادث قتل  الفلسطينيين التي وقعت حولها - BBC News عربي

وخلال الأشهر الأخيرة، سقط المئات من المدنيين بين قتيل وجريح، ليس بسبب المعارك، بل أثناء محاولتهم الحصول على القليل من الطعام والماء من شاحنات الإغاثة التي تصل إلى القطاع المنكوب.

ووفقاً لإحصاءات السلطات الصحية في غزة، فإن 549 شخصاً قُتلوا قُرب مراكز لتوزيع المساعدات- وفي مناطق حيث كان السُكان ينتظرون شاحنات الأمم المتحدة المحمّلة بالغذاء- منذ الـ 27 من مايو/أيار الماضي؛ وإن أكثر من أربعة آلاف شخص أُصيبوا، لكن الجيش الإسرائيلي لم يكشف من جانبه عن عدد هؤلاء القتلى أو المصابين الغزيين.

الحرب على غزة 2014 - ويكيبيديا

حصار خانق وجوع قاتل

ومنذ اندلاع الحرب الأخيرة على غزة في أكتوبر 2023، يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع تحت حصار خانق فرضته إسرائيل، ورافقه دمار واسع طال البنية التحتية، وشلّ كافة مقومات الحياة، بما فيها المستشفيات، وشبكات الكهرباء، ومرافق المياه.

مع تدمير آلاف المنازل، نزح نحو 85% من سكان القطاع، وأصبحوا يعتمدون بشكل كامل على المساعدات الدولية. 

ومع ذلك، فإن دخول تلك المساعدات ظل شحيحًا، وغير كافٍ لتغطية الحد الأدنى من الاحتياجات. وهنا تحوّلت كل شاحنة مساعدات إلى "هدف"، وكل نقطة توزيع إلى "ملحمة دامية".

فصائل المقاومة”: مراكز المساعدات تحوّلت إلى “أفخاخ موت” تستهدف المدنيين في  غزة – موقع قناة المنار – لبنان

 مصائد الموت في غزة 

في مشهد مأساوي، وقعت واحدة من أبشع المجازر في 29 فبراير 2024، حين فتحت قوات الاحتلال النار على آلاف المدنيين الذين تجمعوا عند قافلة مساعدات شمال قطاع غزة. 

حيث قُتل أكثر من 110 أشخاص وأُصيب المئات، معظمهم من الأطفال والنساء، في حادثة وُصفت بأنها "مذبحة خبز".

ولم تكن هذه الحادثة الأولى، بل سبقها واستتبعها سلسلة من المجازر المماثلة، كان أبرزها عند شارع الرشيد، وفي منطقة الكرامة، وفي رفح وخان يونس. تُظهر مقاطع الفيديو والوثائق الميدانية جثثاً متناثرة وصرخات يائسة لمدنيين كانوا يبحثون فقط عن الطحين والماء.

الأمم المتحدة ترفض خطة إسرائيلية للسيطرة على تسليم المساعدات في غزة | أخبار  | الجزيرة نت

إعلام الاحتلال يقر بالمجازر

نقلت هآرتس عن جنود إسرائيليين القول إنهم تلقوا أوامر من قيادات في الجيش بإطلاق النار عمداً على جموع فلسطينيين احتشدوا قُرب مراكز لتوزيع المساعدات الإنسانية، على مدار الشهر الماضي.

وقال الجنود لهآرتس إن إطلاق النار كان بهدف إبعاد هؤلاء الغزيين أو تفريق جموعهم، رغم أنهم- وبشكل واضح- لا يشكّلون تهديداً.

وقالت هآرتس إنها عَلِمتْ أن المدّعي العام العسكري الإسرائيلي أعطى تعليمات للجهة المختصة في الجيش بالتحقيق فيما يشتبه في كونه جرائم حرب وقعت في مراكز توزيع المساعدات الإنسانية.

ولفتت هآرتس إلى أن "منظمة غزة الإنسانية" تشغّل أربعة مراكز لتوزيع الغذاء- ثلاثة في جنوب غزة، ومركزاً واحداً في وسطها، مشيرة إلى أن هذه المراكز يقوم على العمل بها أمريكيون وفلسطينيون، فيما يتولى الجيش الإسرائيلي مهمّة تأمينها من مسافة بضع مئات من الأمتار.

سياسات «التجويع» الإسرائيلية تهدد حياة أكثر من 3500 طفل في غزة

روايات الشهود: "ذهبنا لنأكل فعُدنا بالدم"

أم محمد، نازحة من حي الشجاعية، تحكي وهي تبكي:
"ذهبت مع ابني كي نحصل على كيس طحين، لكن فجأة سمعنا إطلاق نار كثيف. سقط ابني أمامي، ولم أستطع حتى حمله. كانوا يطلقون النار كما لو أننا أعداء، لا جياع."

يقول الشاب رائد (27 عاماً):
"في كل مرة نسمع عن مساعدات نذهب ونخاطر بحياتنا، ليس لأننا طماعين، بل لأننا لم نأكل منذ أيام. لكننا أصبحنا نخاف من المساعدات أكثر من الحرب نفسها."

الجزيرة نت تكشف أهداف الاحتلال من نشر فوضى المساعدات بغزة

إدانة دولية  بلا فِعل

رغم الإدانات الدولية المتكررة لهذه الجرائم، إلا أن المجتمع الدولي عجز عن اتخاذ إجراءات حاسمة لحماية المدنيين أو ضمان دخول آمن للمساعدات. واكتفى بعض المسؤولين الغربيين بالتعبير عن "القلق البالغ"، بينما تواصل إسرائيل نفي مسؤوليتها أو تحميل "الفوضى" في الميدان السبب في سقوط الضحايا.

منظمات دولية كالأمم المتحدة والصليب الأحمر دعت مراراً إلى إقامة ممرات آمنة، لكن جميع المبادرات تم تعطيلها أو خرقها. ومع فشل مجلس الأمن في إصدار قرارات ملزمة، تبدو غزة عالقة بين المأساة والعجز الدولي.

مشهد يتكرر يوميًا في غزة.. الاحتلال يستهدف طالبي المساعدات الإنسانية |  التلفزيون العربي

مساعدات عبر الجو والبحر

في محاولة للالتفاف على الحصار، بدأت بعض الدول بإلقاء المساعدات جواً، كما تم الإعلان عن فتح ممر بحري من قبرص. لكن هذه المبادرات لم تسلم من الانتقادات، إذ غالباً ما تسقط الطرود في مناطق غير آمنة أو في البحر، بينما يُحرم المدنيون منها.

ويتساءل مراقبون: هل صارت المساعدات أداة دعائية أكثر من كونها استجابة فعلية لأزمة إنسانية؟ وهل باتت صور الطائرات التي تُلقي الطعام أهم من حماية الناس على الأرض من الرصاص والموت؟

مجاعة تلوح في الأفق

بحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن غزة باتت "على حافة المجاعة الجماعية". أطفال يموتون بسبب الجوع، وآباء لا يجدون ما يطعمون به أسرهم. في الوقت ذاته، يستمر القصف، ويُحرم الناس من أبسط حقوقهم: الغذاء، والماء، والأمان.

الخبز أصبح رفاهية، وكيس الطحين يُباع في السوق السوداء بمئات الدولارات، بينما يُقتل من يحاول الحصول عليه بالمجان. في غزة اليوم، أصبحت الحياة نفسها عملاً بطولياً.

ما يجري في غزة لا يمكن وصفه إلا بأنه كارثة إنسانية مركبة: حصار، مجاعة، قتل ممنهج، وتواطؤ دولي بالصمت أو التخاذل. ومراكز توزيع المساعدات، التي كان يُفترض أن تكون شريان الحياة، أصبحت قبوراً جماعية مفتوحة على مدار الساعة.

في ظل هذا الواقع، لم تعد الكلمات تكفي، ولم تعد الصور تصدم. وحده الفعل الجاد كفيل بإنقاذ ما تبقى من إنسانية في هذا العالم.