«ترامب» يُعيد عقارب الساعة إلى الوراء بقيود سفر مُثيرة للجدل

في عودة تعكس ملامح ولايته الأولى، أعاد الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب»، طرح قيود صارمة على دخول مواطني عدد من الدول إلى الولايات المتحدة، بدعوى «حماية الأمن القومي». القرار، الذي أعاد إلى الأذهان سياسات الحظر التي أثارت انقسامًا واسعًا في الداخل الأمريكي وواجهت انتقادات دولية في السابق، يأتي في توقيت حساس سياسيًا، ويُثير جدلًا مُتجددًا حول أولويات «ترامب» وخياراته في حال عودته المحتملة إلى البيت الأبيض. وبين من يراه إجراءً ضروريًا لتعزيز الأمن، ومن يعتبره تمييزًا مُقنعًا، تعود قضية حظر السفر لتتصدر المشهد من جديد.
«ترامب» يُحيي سياسة الحظر بقرار يشمل 19 دولة
وفي هذا الصدد، وقّع «دونالد ترامب» إعلانًا رئاسيًا يفرض حظرًا أو قيودًا على السفر إلى «الولايات المتحدة» من (19) دولة، بحجة مخاوف تتعلق بالأمن القومي، بحسب ما أعلن البيت الأبيض. ومن المقرر أن يدخل القرار حيّز التنفيذ اعتبارًا من يوم الإثنين (9) يونيو، ويشمل حظرًا كاملًا على (12) دولة، بينما تُفرض قيود جزئية على (7) دول أخرى.
ويحظر القرار دخول مواطني (12) دولة، بينها (4) عربية، هي: «أفغانستان، وميانمار، وتشاد، وجمهورية الكونغو، وغينيا الاستوائية، وإريتريا، وهايتي، وإيران، وليبيا، والصومال، والسودان، واليمن».
وبحسب ما نقلته صحيفة «ذا هيل» الأمريكية، يفرض الإعلان الرئاسي قيودًا جزئية على (7) دول إضافية هي: بوروندي، وكوبا، ولاوس، وسيراليون، وتوجو، وتركمانستان، وفنزويلا،، ليصل العدد الإجمالي للدول المتأثرة إلى (19) دولة.
ويستثني القرار المُقيمين الدائمين الشرعيين في الولايات المتحدة وحاملي التأشيرات الحاليين والأفراد "الذين تخدم دخولهم المصالح الوطنية الأمريكية"، حسبما أفادت الصحيفة الأمريكية.
مبررات البيت الأبيض
من جهتها، دافعت المتحدثة باسم البيت الأبيض، «أبيجيل جاكسون»، عن هذا القرار في تصريحات لشبكة «CBS»، قائلة: "الرئيس ترامب يفي بوعده لحماية الأمريكيين من الجهات الخارجية الخطيرة التي تُريد القدوم إلى بلدنا وإلحاق الأذى بنا".
وأضافت «جاكسون»: أن "هذه القيود المنطقية خاصة بكل دولة على حدة، وتشمل أماكن تفتقر إلى التدقيق المناسب، أو تظهر مُعدلات عالية لتجاوز مُدة التأشيرة، أو تفشل في مشاركة معلومات الهوية والتهديد".
كما نشرت أبيجيل جاكسون، على منصة «إكس» تأكيدًا لهذا الموقف، مُضيفة أن "ترامب سيتصرف دائمًا لما فيه مصلحة الشعب الأمريكي وسلامته".
ويأتي هذا الإعلان بعد أن وقّع «ترامب» في يومه الأول في المنصب أمرًا تنفيذيًا يدعو إلى تعزيز فحص وتدقيق المهاجرين الداخلين إلى الولايات المتحدة، ضمن سلسلة إجراءات اتخذها في أشهره الأولى لتشديد القيود على تدفق المهاجرين عند الحدود الجنوبية والمسارات القانونية للدخول إلى البلاد.
سياسات الولاية الأولى
يُعيد هذا القرار إلى الأذهان "حظر المسلمين" المُثير للجدل الذي فرضه «ترامب» خلال ولايته الأولى عام (2017).
وبحسب «بي بي سي»، تحدث «ترامب»، في بداية البيان الصادر عن البيت الأبيض حول الحظر الجديد، عن الحظر الذي فرضه خلال فترة رئاسته الأولى، والذي كان يُشار إليه غالبًا باسم "حظر المسلمين".
وبدأت خطة الرئيس الأمريكي لحظر أشخاص من دول مُعينة من دخول الولايات المتحدة بوضع قيود سفر على «إيران، وليبيا، وسوريا، واليمن، والصومال»، ثم امتد ليشمل أشخاصًا من «كوريا الشمالية، وفنزويلا، وتشاد».
وأشارت «بي بي سي» إلى أن هذا الحظر واجه تحديات قانونية مُتعددة وتم تعديله عدة مرات، لكن المحكمة العليا أقرت في النهاية بقرار (5-4) في عام (2018) بدخوله حيز التنفيذ الكامل، مُتجاوزة المحاكم الأدنى التي وجدت أنه غير دستوري.
وحقق «ترامب»، انتصارًا كبيرًا وسُمح للحظر بالدخول في التنفيذ الكامل، ليلغيه سلفه «جو بايدن» في عام (2021)، وفقًا لما ذكرته «ذا هيل».
امتعاض ديمقراطي
في الوقت الذي يُدافع فيه البيت الأبيض عن قراره، سارع عدد من «الديمقراطيين» للتعبير عن امتعاضهم الشديد من حظر السفر الجديد، إذ انتقدته النائبة الديمقراطية «براميلا جايابال» من ولاية واشنطن، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، قائلة: "هذا الحظر، المتوسع من حظر المسلمين في ولاية ترامب الأولى، لن يُؤدي إلا إلى عزلنا أكثر على المسرح العالمي".
وأضافت: "حظر مجموعة كاملة من الناس لأنك تختلف مع هيكل أو وظيفة حكومتهم... يضع اللوم في المكان الخطأ".
من جهته، اتهم النائب الديمقراطي «دون باير» من ولاية كولورادو، ترامب بـ"خيانة" مُثُل مؤسسي الولايات المتحدة، وكتب على وسائل التواصل الاجتماعي: "استخدام ترامب للتحيز والتعصب لمنع الناس من دخول أمريكا لا يجعلنا أكثر أمانًا، بل يقسمنا ويضعف قيادتنا العالمية".
آثار الحظر الأول
تسبب حظر السفر الأول الذي أعلنه «ترامب» في بداية ولايته الأولى في فوضى واسعة النطاق، إذ أعلن حظرًا على السفر من سبع دول ذات أغلبية مسلمة لدخول الولايات المتحدة، وفقًا لـ«بي بي سي».
جاء هذا القرار تنفيذًا لوعد انتخابي قطعه في عام (2015) بـ"إغلاق كامل وتام أمام المسلمين الداخلين إلى الولايات المتحدة حتى يتمكن ممثلو بلدنا من معرفة ما يحدث".
ووُضع آلاف السياح والمهاجرين وزوار الأعمال وحاملي البطاقات الخضراء الأمريكية فورًا في حالة من عدم اليقين في المطارات حول العالم، بينما حاولت شركات الطيران وسلطات الهجرة العالمية فهم التفاصيل، في حين تم منع العديد منهم من السفر في منتصف الرحلة أو من صعود الطائرات المتجهة إلى الولايات المتحدة.
ونوهت «بي بي سي» إلى أن ما يُسمى "حظر السفر" أثار مقاومة فورية تقريبًا، إذ نزل المتظاهرون في مدن مثل نيويورك وواشنطن العاصمة إلى الشوارع، كما تجمع المتظاهرون المؤيدون والمعارضون للحظر في المطارات للاحتجاج، وقامت المحاكم بمنع السياسة مؤقتًا، وقامت الإدارة بمراجعة الأمر عدة مرات، وضيّقت أو وسّعت نطاقه بشكل متنوع.
انقسام داخلي حول قيود السفر
وبينما يرى مُؤيدو القرار أنه يعكس التزام «ترامب» بحماية الأمن القومي وتشديد الرقابة على الحدود، يراه مُعارضوه استمرارًا لنهج إقصائي يُعيد إنتاج سياسات مُثيرة للانقسام من ولايته الأولى. وبين هذا وذاك، يُطرح السؤال الأكبر: هل تُمثّل هذه القيود بداية لعودة أوسع لسياسات ترامب السابقة؟ أم أنها مجرد ورقة انتخابية في مشهد سياسي يشهد توترات مُتزايدة؟ المُؤكد أن القرار أعاد الجدل إلى الساحة الأمريكية والدولية، وأن تبعاته ستظل محل نقاش في الفترة المُقبلة.