فرنسا على خط النار.. استراتيجية شاملة لكبح تمدد الإخوان داخل المؤسسات

في قلب فرنسا، وعلى وقع تقارير استخباراتية تنذر بخطر "تغلغل ناعم"، يُعاد ترتيب أولويات الدولة لمواجهة ما تصفه الرئاسة بـ"اختراق أيديولوجي صامت" يقوده تنظيم الإخوان داخل المجتمع الفرنسي.
فبعد أن انتقل الملف من دوائر وزارة الداخلية إلى طاولة مجلس الدفاع الوطني في فرنسا، تتجه الأنظار إلى ما يمكن اعتباره نقطة تحوّل في تعامل باريس مع ظاهرة الإسلام السياسي.
الإليزيه، الذي بدا غير راضٍ عن المقترحات الأولية، يدفع نحو استجابة أكثر شمولًا، تتجاوز الحلول الأمنية التقليدية، نحو استراتيجية مزدوجة تدمج بين التفكيك القانوني لبُنى النفوذ، ومعالجة التربة الاجتماعية التي تغذي هذا الاختراق، فهل تتجه فرنسا نحو بلورة "عقيدة أمنية جديدة" تحصّن جمهوريتها من تحديات الداخل؟ أم أن الصراع على من يقود دفة المواجهة سيؤجل الحسم في أخطر ملفات الأمن والسيادة الفكرية؟.
فقبل اجتماع ثانٍ- لم يتحدد موعده بعد- لمجلس الدفاع في فرنسا، تتصاعد الدعوات لتكثيف جهود مكافحة خطر الإخوان ضمن رؤية فرنسية لحماية النموذج الجمهوري.
وتتجه الأنظار نحو وزارة الداخلية في فرنسا، التي يُنظر إليها كشريك محوري في التصدي لخطر الإخوان في البلاد، لا سيما من خلال تعزيز الرقابة على الجمعيات والبُنى التي يُشتبه بترويجها لخطابات تتعارض مع مبادئ الجمهورية.
وأمام ما بات يُعرف بـ"الاختراق الأيديولوجي" للإخوان، يجد قصر الإليزيه نفسه أمام أحد أكثر الملفات حساسية على مستوى الأمن الداخلي والسيادة الفكرية.
وبعد انتقادات لاذعة وجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمقترحات وُصفت بأنها "ليست على مستوى التحدي"، يدور جدل حاد حول من يجب أن يتحمل مسؤولية الرد السياسي والأمني، وسط ضغوط متزايدة من جانب زملاء وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو الذين يؤكدون على ضرورة بقاء الوزارة في صدارة المواجهة.
مقاربة مزدوجة في مواجهة خطر الإخوان
وفي هذا السياق، أكد الباحث السياسي الفرنسي المتخصص في شؤون الإسلام السياسي، إيمانويل رزافي، أن "التحدي مع تنظيمات مثل الإخوان لا يكمن في المواجهة العنيفة، بل في تبني استراتيجية طويلة الأمد تسعى إلى إعادة صياغة العلاقة بين الدين والدولة في المجتمع الفرنسي، من داخل المؤسسات ذاتها".
واعتبر الباحث السياسي الفرنسي المتخصص في شؤون الإسلام السياسي، إيمانويل رزافي، أن "هذا النوع من الاختراق الهادئ"، كما وصفه تقرير مجلس الدفاع، "يندرج ضمن ما نسميه الإسلام السياسي القانوني، أي استخدام الأدوات القانونية لبناء نفوذ أيديولوجي متماسك داخل الأحياء، المدارس، وحتى الإدارات".
وأضاف الباحث السياسي الفرنسي المتخصص في شؤون الإسلام السياسي، إيمانويل رزافي، أن فرنسا بحاجة إلى "مقاربة مزدوجة"، تجمع بين الصرامة القانونية في تفكيك البُنى المشتبه بها، وتعزيز البدائل الفكرية والاجتماعية داخل الأحياء التي تعاني من التهميش، والتي غالبًا ما تكون أرضًا خصبة لاختراقات هذه التنظيمات.
استجابة أولى
وكانت تصريحات محافظ شرطة باريس لوران نونييز لمحطة "بي.إف.إم" التلفزيونية الفرنسية أمس الاثنين، قد أشارت إلى تحركات ميدانية جارية لمراقبة الجمعيات والمجموعات ذات التوجهات الأيديولوجية.
فيما شددت الرئاسة الفرنسية على ضرورة تقديم مقترحات جديدة وفعالة لمواجهة هذه الظاهرة المتنامية.
وقال نونييز "نعمل حاليا على تتبع أفراد وبُنى وجمعيات تروّج للإسلام السياسي في فرنسا".
ويأتي كلام نونييز في أعقاب تقرير استخباراتي حول اختراق تنظيم الإخوان للمجتمع الفرنسي من خلال العمل المؤسساتي والجمعياتي.
وهو التقرير الذي دفع الإليزيه إلى الدعوة لعقد مجلس دفاع خاص في يونيو/حزيران لمتابعة التوصيات والقرارات ذات الصلة.
ضغط سياسي وانتظار مؤسساتي
وبمجرد انتهاء الاجتماع الأول لمجلس الدفاع المخصص لملف الإخوان والذي انعقد الشهر الماضي، بدا أن الرئاسة الفرنسية مصمّمة على التحرك السريع، إذ أعلن الإليزيه أن "خطورة الوقائع التي تم توثيقها" تتطلب "اقتراحات جديدة وعاجلة"، في إشارة إلى عدم رضا ماكرون عن الحلول الأولية التي طُرحت من جانب الوزارات المعنية.
في هذا السياق، تتباين وجهات النظر داخل الحكومة وبين الأحزاب، إذ يشدد بعض النواب في صفوف اليمين، وعلى رأسهم المقربون من برونو ريتايو، على أن وزارة الداخلية يجب ألا تتراجع عن قيادة هذا الملف، خصوصًا لما لها من أدوات رقابية وقانونية تتيح التعامل مع الجمعيات المشتبه بارتباطها بأجندات أيديولوجية، بحسب صحيفة "لوبينيون" الفرنسية.
"عقيدة أمنية جديدة"؟
في حين يرى مراقبون فرنسيون أن الطريقة التي ستُدار بها هذه الأزمة ستحدد ما إذا كانت فرنسا تتجه نحو "عقيدة أمنية جديدة" في التعامل مع الإسلام السياسي، خصوصا في ظل تزايد المخاوف من التأثير الهادئ والممنهج لبعض الجمعيات التي تحظى بشرعية قانونية، لكنها تتبنى خطابًا لا يتماشى مع قيم الجمهورية.
وبين النقاشات الحكومية والضغوط السياسية، يبدو أن فرنسا تتجه نحو بلورة استراتيجية شاملة، ربما تشكل نواة لما يعتبره البعض "عقيدة أمنية جديدة" في التعامل مع الإسلام السياسي، تقوم على الحزم المؤسسي مع احترام الإطار الديمقراطي والقانوني.