600 يوما من حرب غزة: بين نيران القصف وجحيم الجوع..والموت لا يتوقف

600 يوم مرّت على اندلاع الحرب في غزة، لكنها لا تُقاس بالزمن بقدر ما تُقاس بالدمار والمعاناة. ففي القطاع المحاصر، تتزايد قسوة الحياة مع استمرار القصف، بينما يتصاعد خطر المجاعة ليشكّل وجهًا آخر للموت الجماعي، وسط نظام مساعدات مثير للجدل ورفض دولي متصاعد.
فوضى توزيع المساعدات والاتهامات تحاصر إسرائيل

وفي مشهد يعكس عمق الأزمة، شهدت مدينة خان يونس حادثة دامية خلال توزيع مساعدات غذائية يوم الثلاثاء، حيث أصيب 47 فلسطينيًا، بينهم حالات ناتجة عن إطلاق نار، وفق ما أعلنته الأمم المتحدة. المنظمة الدولية أدانت نظام توزيع المساعدات الجديد الذي فرضته إسرائيل، واعتبرته وسيلة لـ"صرف الانتباه عن الفظائع".
ويُتهم النظام الجديد، الذي تديره "مؤسسة غزة الإنسانية" – وهي جهة غير معروفة دوليًا – بتجاوز آليات الأمم المتحدة التي اعتُمدت لسنوات.
وقد نتج عن هذا التغيير فوضى، إذ تدافع آلاف المدنيين اليائسين على المساعدات في مشهد مؤلم، ما أسفر عن مقتل شخص واحد على الأقل، حسب مصادر طبية في مستشفى ناصر بجنوب غزة.
الأمم المتحدة تحذر من كارثة مجاعة
في تصريح حاد من طوكيو، قال فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة "الأونروا"، إن "الوقت يداهمنا لتفادي المجاعة"، مشددًا على ضرورة تمكين العاملين الإنسانيين من أداء مهامهم دون عراقيل.
وأكد أن إحالة توزيع المساعدات إلى شركة خاصة بدعم من إسرائيل والولايات المتحدة يشكّل "إهدارًا للموارد" وتشتيتًا للانتباه عن الانتهاكات الميدانية.
الأمم المتحدة شددت أيضًا على أن تحديد عدد محدود من مراكز التوزيع يُجبر المدنيين على التنقل من مناطق نزوحهم، ما يتعارض مع المبادئ الإنسانية.
الجيش الإسرائيلي ينفي.. لكن الشهادات تؤكد
بينما أكد الكولونيل أوليفييه رافوفيتش، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أن الجنود "أطلقوا طلقات تحذيرية فقط في الهواء"، تتناقض هذه الرواية مع شهادات طبية وصحفية من مستشفى ناصر، حيث وصل أكثر من 40 مصابًا، بعضهم أصيب برصاص حي، وآخرون بكدمات بسبب التدافع.
النازحون: الجوع أذلّ من القصف
ومن مخيمات النزوح المتهالكة في منطقة المواصي جنوب القطاع، عبّرت النازحة هبة جبر عن مأساة إنسانية مركّبة، قائلة: "الموت بالقصف أهون من الموت جوعًا.. لا طعام ولا ماء لأطفالي، كرامة الإنسان تُهان في غزة يوميًا".
كذلك قال بسام دلول، أحد النازحين في مخيم النصيرات: "نزحنا أكثر من عشرين مرة، لا نعرف إن كنا سننجو اليوم.. القصف لا يتوقف، والخوف والجوع يحيطان بنا، لا كهرباء ولا مأوى".
إسرائيل ترى في ما حدث نجاحًا.. ونتنياهو يتحدث عن فقدان مؤقت للسيطرة
ورغم ما حدث، اعتبرت جهات عسكرية إسرائيلية أن عملية توزيع المساعدات كانت ناجحة، ووصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ما جرى بأنه "فقدان مؤقت للسيطرة".
الغارات مستمرة وارتفاع في أعداد القتلى
في ظل هذه الظروف، لم تهدأ آلة الحرب. فقد أعلن الدفاع المدني في غزة أن الغارات الجوية الإسرائيلية منذ فجر الأربعاء أسفرت عن مقتل 16 شخصًا، معظمهم من المدنيين، ليرتفع إجمالي الضحايا الفلسطينيين منذ بدء الحرب إلى أكثر من 54,056 شهيدًا، بحسب وزارة الصحة في غزة.
في إسرائيل.. احتجاجات تطالب بالهدنة والإفراج عن الرهائن
بالتزامن مع ذكرى مرور 600 يوم على بدء الحرب، تظاهر مئات الإسرائيليين في تل أبيب، مطالبين بإقرار هدنة تسمح بالإفراج عن الرهائن المحتجزين في غزة، وعددهم 57 شخصًا، بينهم 34 تؤكد إسرائيل وفاتهم.
المتظاهرون نظموا وقفتهم عند الساعة 6:29 صباحًا، في التوقيت نفسه لهجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، ورفعوا لافتات ضخمة تحمل الرقم 600، في إشارة إلى طول أمد الحرب.
حصيلة الحرب: أرقام مفزعة
الضحايا في غزة: 54,056 قتيلًا (معظمهم مدنيون).
الضحايا في إسرائيل: 1,218 قتيلًا (غالبيتهم من المدنيين).
المخطوفون من إسرائيل: 251 شخصًا، لا يزال 57 منهم في غزة.
النازحون الفلسطينيون: مئات الآلاف يعيشون في ظروف كارثية.
تصعيد دبلوماسي أوروبي غير مسبوق ضد إسرائيل.. الأزمة الإنسانية في غزة بالصدارة
في خطوة تعبر عن تصاعد التوتر، استدعت دول أوروبية عدة سفراء إسرائيل في عواصمها، من بينها السويد، إسبانيا، وألمانيا، لتسليمهم احتجاجات رسمية ضد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
السويد كانت الأكثر وضوحًا في موقفها، حيث أبلغت السفير الإسرائيلي رفضها التام للعمليات العسكرية التي تستهدف المدنيين، وطالبت بفتح ممرات إنسانية فورية.
إسبانيا عبرت عن استيائها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في غزة، مؤكدة ضرورة وقف القصف الذي يستهدف المرافق المدنية.
في ألمانيا، شهد الموقف خلافات داخل الحكومة بين من يدعم استمرار التعاون العسكري مع إسرائيل، ومن يطالب بمراجعة هذه العلاقة بسبب التصعيد الأخير.
هذه الخطوات تعكس تحولًا في موقف الاتحاد الأوروبي الذي طالما توازن بين دعم إسرائيل والضغط عليها للالتزام بالقانون الدولي.
مطالبات أوروبية بحظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل
وفي ظل تصاعد أعداد الضحايا المدنيين، تصاعدت أصوات داخل الاتحاد الأوروبي تطالب بوقف مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، التي تُستخدم في العمليات العسكرية ضد غزة.
وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، دعا صراحةً إلى فرض حظر شامل على صادرات الأسلحة لإسرائيل، معتبراً أن استمرار الدعم العسكري يشجع على الانتهاكات.
في ألمانيا، رغم استمرار بعض الوزراء في دعم تصدير الأسلحة، تزايدت الضغوط الداخلية لتقييم هذه السياسات، خاصة بعد مقتل مدنيين في الغارات الأخيرة.
السويد تتجه نحو العمل على تشديد الرقابة الأوروبية على مبيعات الأسلحة، ضمن إطار قانوني يضمن عدم استخدامها في انتهاكات حقوق الإنسان.
هذه المطالب تأتي في ظل تقديرات تفيد بأن إسرائيل من أكبر مستوردي الأسلحة الأوروبية، ما يجعل تأثير هذا الحظر محوريًا في النزاع.
الغارات الإسرائيلية على غزة: مآسي مستمرة وأرقام كارثية
منذ بداية التصعيد، شهد قطاع غزة سلسلة غارات مكثفة استهدفت مناطق مدنية، مما أدى إلى خسائر بشرية فادحة.
في غارة أخيرة استهدفت مدرسة تابعة للأمم المتحدة كانت ملجأً للنازحين، قُتل 33 مدنياً، من بينهم نساء وأطفال.
ارتفع عدد القتلى في غزة إلى أكثر من 53 ألف شخص، بينهم أكثر من 12 ألف طفل، في حين تجاوز عدد الجرحى 122 ألفًا.
معظم المستشفيات والمنشآت الطبية في القطاع تعاني من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، في ظل حصار يعيق وصول الإمدادات الإنسانية.
الجانب الإسرائيلي يؤكد أن الهجمات تستهدف مواقع تابعة لحركة حماس، إلا أن الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان تدين استخدام القوة المفرطة واستهداف المدنيين.
الأزمة الإنسانية في غزة: بين الحصار والتدهور الصحي
تشهد غزة أزمة إنسانية متفاقمة، مع استمرار الحصار الإسرائيلي الذي يمنع وصول الغذاء والدواء، مما أدى إلى:
نفاد مخزون الأدوية والمستلزمات الطبية في المستشفيات، ما يهدد حياة آلاف المرضى والجرحى.
تدهور حالة المياه والصرف الصحي، ما يزيد من مخاطر تفشي الأمراض المعدية.
منظمة الصحة العالمية أعلنت أن الإمدادات الطبية تكفي فقط لبضعة أسابيع، مع تعذر إيصال أي مساعدات منذ أكثر من 11 أسبوعًا.
مديرة مكتب منظمة الصحة العالمية في شرق المتوسط، حنان بلخي، أكدت أن الوضع في غزة كارثي، داعية إلى فتح ممرات إنسانية عاجلة لتفادي كارثة صحية وإنسانية.
استقالات في مؤسسات الإغاثة وتعقيدات العمل الإنساني
أعلنت مؤسسة "غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتحدة استقالة رئيسها، جيك وود، مشيراً إلى صعوبات بالغة في عمل المؤسسة نتيجة التضييقات الإسرائيلية وشبهات عن تعاون بعض المؤسسات مع السلطات.
هذه الاستقالة تعكس التحديات المتزايدة أمام المنظمات الدولية في إيصال المساعدات إلى المتضررين، وسط أجواء من التشكيك والرقابة المشددة.
التحليل السياسي والدولي
الموقف الأوروبي المتغير يعكس تصاعد الضغوط على إسرائيل، ويشير إلى تحول في السياسة التقليدية التي تميل إلى دعم تل أبيب، خصوصًا في ظل أرقام الضحايا المروعة.
الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي تظهر تحديًا في تنسيق موقف موحد، خاصة بين الدول التي تربطها علاقات استراتيجية مع إسرائيل وتلك التي تدافع عن حقوق الإنسان بشكل أكثر صرامة.
الدعوات لحظر تصدير الأسلحة تعكس رغبة أوروبية في تقليل العنف، لكنها قد تثير ردود فعل إسرائيلية وأمريكية، كون الولايات المتحدة من أكبر داعمي إسرائيل عسكريًا.
ختامًا.. غزة تنزف بلا أفق
بعد 600 يوم من الحرب، تقف غزة على حافة كارثة إنسانية شاملة، فبين الجوع والقصف، يواجه المدنيون موتًا متعدد الوجوه، في ظل عجز المجتمع الدولي عن فرض حل يضمن كرامة الفلسطينيين وحياتهم.