الاتفاقية الإبراهيمية على طاولة ترامب خلال زيارته للخليج

عقب تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فترته الرئاسية الجديدة، تعهد بضم مزيد من الدول إلى الاتفاقات الإبراهيمية.
وقال ترامب للصحفيين في اجتماع لمجلس الوزراء في البيت الأبيض إن مزيدا من الدول تريد الانضمام إلى تلك الاتفاقات.
إنجازات الاتفاقيات الإبراهيمية
وفي وقت سابق أشاد نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، بإنجاز الاتفاقيات الإبراهيمية، التي قال إن إدارة الرئيس السابق جو بايدن "لم تُحسن استخدامها إطلاقًا. لم تُبنِ عليها إطلاقًا. لم تُضِف أي دولة أخرى. بدافع الكراهية السياسية فحسب".
وقال فانس إنه مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فإن مهمتهم هي بناء الاتفاقيات الإبراهيمية، وإضافة دول جديدة إليها"، وعلى الرغم من أن الأمر "ما زال مبكرًا، فقد أحرزنا الكثير من التقدم".

الاتفاقية الإبراهيمية
الاتفاقية الإبراهيمية (Abraham Accords) هي مجموعة من الاتفاقيات السياسية والدبلوماسية التي أُبرمت في عام 2020 بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، برعاية الولايات المتحدة الأمريكية.
تمثل هذه الاتفاقية تحولًا تاريخيًا في طبيعة العلاقات العربية-الإسرائيلية، حيث تم بموجبها تطبيع العلاقات بين إسرائيل من جهة وكل من دولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، ثم لاحقًا السودان والمغرب من جهة أخرى. وقد سميت الاتفاقية بـ"الإبراهيمية" نسبة إلى النبي إبراهيم عليه السلام، الذي يعد شخصية مشتركة ومقدسة في الديانات السماوية الثلاث: الإسلام، والمسيحية، واليهودية، في إشارة إلى إمكانية التعايش الديني والسلام بين شعوب المنطقة.
السياق التاريخي الاتفاقية
ومنذ تأسيس ما يسمى دولة الاحتلال "إسرائيل" عام 1948، دخلت معظم الدول العربية في حالة عداء معها، واندلعت عدة حروب وصراعات أبرزها حروب 1948، و1956، و1967، و1973. وعلى الرغم من توقيع معاهدات سلام منفردة مثل معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979، ووادي عربة بين الأردن وإسرائيل عام 1994، ظلت معظم الدول العربية ترفض التطبيع مع إسرائيل دون حل عادل للقضية الفلسطينية.
غير أن تحولات سياسية وأمنية إقليمية ودولية، خصوصًا تصاعد النفوذ الإيراني، والتغير في الأولويات الجيوسياسية، دفعت بعض الدول الخليجية إلى مراجعة مواقفها التقليدية، خاصة في ظل الرغبة بتعزيز التعاون الاقتصادي والتكنولوجي والأمني مع قوى إقليمية مثل إسرائيل.
تفاصيل الاتفاقية وأطرافها
أُعلن عن الاتفاقية الإبراهيمية لأول مرة في 13 أغسطس 2020، بإعلان مشترك بين الولايات المتحدة، والإمارات العربية المتحدة، وإسرائيل، وتبع ذلك توقيع الاتفاقية رسميًا في البيت الأبيض بتاريخ 15 سبتمبر 2020، بحضور الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزيري خارجية الإمارات والبحرين.

أبرز الدول الموقعة:
1. الإمارات العربية المتحدة: كانت الدولة الأولى التي وقّعت الاتفاق، واعتبرته خطوة نحو وقف ضم إسرائيل لأراضٍ فلسطينية، وتعزيز السلام الإقليمي.
2. البحرين: أعلنت انضمامها للاتفاق في 11 سبتمبر 2020، وسعت من خلال ذلك لتعزيز مكانتها الدولية وتقوية تحالفاتها الأمنية.
3. السودان: انضم في أكتوبر 2020، بعد رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
4. المغرب: أعلن تطبيع العلاقات في ديسمبر 2020 مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
الأهداف المعلنة للاتفاقية
تهدف الاتفاقيات إلى تعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وإقامة علاقات دبلوماسية رسمية تشمل السفارات، الرحلات الجوية، والتعاون الاقتصادي والتجاري.
مواجهة التهديدات المشتركة، وخاصة النفوذ الإيراني في المنطقة.
توسيع فرص التعاون في مجالات التكنولوجيا، الأمن، الطاقة، والتعليم.
البنود الرئيسية للاتفاقيات
رغم أن بعض التفاصيل لم تُنشر بشكل كامل، إلا أن البنود المعلنة ركزت على:
الاعتراف المتبادل بين إسرائيل والدول الموقعة.
تبادل السفراء وفتح سفارات.
التعاون في المجالات الاقتصادية، والسياحية، والتجارية، والعلمية.
الالتزام بعدم استخدام القوة أو التهديد بها.
العمل مع الولايات المتحدة لضمان الأمن الإقليمي.
الآثار السياسية والإقليمية
أحدثت الاتفاقية الإبراهيمية تحولات جذرية في بنية التحالفات في الشرق الأوسط:
1. عزل جزئي للفلسطينيين: رأت السلطة الفلسطينية أن الاتفاقيات تمثل خيانة للقضية الفلسطينية، وخروجًا عن مبادرة السلام العربية لعام 2002، التي تشترط إقامة دولة فلسطينية قبل أي تطبيع.
2. تقارب عربي-إسرائيلي: عزز الاتفاق التعاون بين إسرائيل ودول الخليج، خصوصًا في مواجهة إيران، والتنظيمات المسلحة المدعومة منها مثل حزب الله والحوثيين.
3. تبدل الخطاب الإعلامي: بدأت وسائل إعلام خليجية في تبني خطاب أقل عدائية تجاه إسرائيل، بل وأحيانًا احتفائي بإنجازاتها التكنولوجية.
الآثار الاقتصادية والتكنولوجية
كان الجانب الاقتصادي والتكنولوجي من أبرز مخرجات الاتفاقيات:
تبادل تجاري مباشر: شملت المنتجات الإسرائيلية، خاصة الزراعية والتقنية، وساهمت في تدفق استثمارات إماراتية في قطاعات إسرائيلية.
السياحة: تم افتتاح رحلات مباشرة بين أبوظبي وتل أبيب، ما عزز السياحة المتبادلة.
التكنولوجيا والأمن السيبراني: أبرمت اتفاقيات في مجالات الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، والطاقة المتجددة، والرعاية الصحية.
المشروعات المشتركة: منها صندوق استثمار مشترك بين إسرائيل والإمارات بـ10 مليارات دولار.

ردود الفعل الدولية والإقليمية
تفاوتت ردود الفعل تجاه الاتفاقية:
الدول الغربية: رحبت بها معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة باعتبارها تقدمًا نحو السلام.
السلطة الفلسطينية: رفضت الاتفاق واعتبرته تطبيعًا مجانيًا يخالف التوافق العربي.
إيران وتركيا: أدانتا الاتفاقية بشدة، واعتبرتاها تهديدًا لمحور "المقاومة" وتكريسًا للهيمنة الإسرائيلية.
الشعوب العربية: شهدت مواقف متباينة بين مؤيد ومعارض، حيث عبرت شرائح شعبية عن رفضها للتطبيع رغم تأييد حكوماتها.
الآفاق المستقبلية
رغم مرور بضع سنوات على توقيع الاتفاقيات، ما زالت نتائجها تتطور:
إمكانية انضمام دول جديدة: يُرجح أن دولًا مثل السعودية قد تنضم مستقبلًا، رغم اشتراطها إحراز تقدم في القضية الفلسطينية.
استدامة الاتفاق: ستعتمد على مدى استقرار العلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية، واستمرار الدعم الأمريكي.
الانعكاسات على القضية الفلسطينية: قد تؤدي الاتفاقيات إلى فرض واقع جديد يتجاوز المطالب الفلسطينية، أو إلى إعادة إحياء العملية السياسية بدفع إقليمي جديد.

تشكل الاتفاقية الإبراهيمية نقطة تحول محورية في تاريخ العلاقات العربية-الإسرائيلية، إذ فتحت الباب أمام تحالفات جديدة في منطقة تعاني من نزاعات مزمنة.
وبينما يُنظر إليها من قبل البعض كخطوة نحو السلام والازدهار، يراها آخرون تهديدًا للحقوق الفلسطينية وخرقًا للإجماع العربي.
وستتوقف نتائج هذه الاتفاقية على كيفية إدارتها، ومدى قدرتها على تحقيق توازن بين المصالح الأمنية والاقتصادية للدول الموقعة، وحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.