مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

د. رائد العزاوي يكتب: «قمة بغداد.. قمة التحديات»

نشر
د. رائد العزاوي
د. رائد العزاوي

خلال الأشهر الماضية، شهدت تحركات حكومة السيد محمد شياع السوداني على المستوى العربي والدولي جهودًا كبيرة في ملف استضافة العراق للقمة العربية الـ34، ونجحت دبلوماسية (التوازن والتقارب) التي انتهجتها الحكومة العراقية في خلق مناخ إيجابي، في إبعاد العراق عن التجاذبات الإقليمية والدولية.

لكن القمة العربية الـ34، المقرر انعقادها في 17 مايو 2025 في بغداد السلام، تمثل فرصة هامة لعودة العراق إلى لعب دوره العربي والإقليمي. غير أن هذا الدور محفوف بالكثير من التحديات. نجاح العراق في استضافة هذا الحدث وتنظيمه بكفاءة هو خطوة أولى ضرورية، أما تحقيق نتائج ملموسة فيتطلب إرادة سياسية حقيقية من جميع الدول العربية لتجاوز خلافاتها وتغليب المصالح المشتركة. إن قدرة القادة العرب على اغتنام هذه الفرصة ستحدد ما إذا كانت بغداد ستشهد بالفعل انطلاقة جديدة للعمل العربي المشترك، ودورًا عراقيًا أكثر فاعلية في تشكيل مستقبل المنطقة.

السياق الجيوسياسي الحساس:

تنعقد القمة في ظل مشهد إقليمي ودولي بالغ التعقيد:

  • استمرار بؤر الصراع: لا تزال الأزمات في سوريا واليمن وليبيا تمثل تحديًا مستمرًا للأمن والاستقرار الإقليمي، وتستنزف موارد الدول العربية وتعيق جهود التنمية.
  • التنافس الإقليمي المتصاعد: يشهد الشرق الأوسط تنافسًا حادًا بين قوى إقليمية تسعى لتعزيز نفوذها، مما يزيد من حالة الاستقطاب ويجعل التوصل إلى توافق عربي أمرًا بالغ الصعوبة.
  • التغيرات في النظام الدولي: تتأثر المنطقة بتغيرات ميزان القوى على المستوى الدولي، وتراجع الدور الأمريكي النسبي، وصعود قوى أخرى تسعى لتوسيع نفوذها، مما يفرض على الدول العربية ضرورة إعادة تقييم تحالفاتها واستراتيجياتها.
  • التحديات الاقتصادية والاجتماعية: تواجه الدول العربية تحديات اقتصادية متزايدة، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة، وتأثيرات التغير المناخي، والضغوط الديموغرافية، مما يستدعي تضافر الجهود لإيجاد حلول مستدامة.

رهانات العراق الاستراتيجية:

تنظر الحكومة العراقية إلى استضافة القمة كفرصة استراتيجية متعددة الأبعاد:

  • تأكيد السيادة والاستقرار: بعد سنوات من عدم الاستقرار والصراعات الداخلية، تسعى بغداد لإرسال رسالة قوية إلى المجتمع الدولي بأنها استعادت عافيتها وأصبحت قادرة على الاضطلاع بدور إقليمي مسؤول.
  • تعزيز الدور الإقليمي: يطمح العراق، الذي كان في يوم من الأيام لاعبًا محوريًا في المنطقة، إلى استعادة هذا الدور من خلال الانخراط الفعّال في حل القضايا الإقليمية وتقديم نفسه كمركز للحوار والتنسيق.
  • جذب الاستثمارات وإعادة الإعمار: تأمل بغداد أن تساهم القمة والقمة الاقتصادية المصاحبة في تحسين صورتها كوجهة استثمارية جاذبة، مما يدعم جهود إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية.
  • تعزيز مكانة رئيس الوزراء السوداني: على الصعيد الداخلي، يمثل نجاح القمة فرصة لرئيس الوزراء لتعزيز شرعيته السياسية وقدرته على القيادة، خاصة في ظل التحديات الداخلية والخارجية.

التحديات الجيوسياسية التي تواجه القمة:

على الرغم من الطموحات العراقية، تواجه القمة تحديات جيوسياسية كبيرة:

  • حساسية الملف السوري: كانت دعوة الرئيس السوري بشار الأسد قضية خلافية، وتعكس تعقيدات العلاقات العربية وتأثير القوى الخارجية على هذه العلاقات. قد يؤثر هذا الملف على وحدة الموقف العربي وقدرة القمة على تحقيق نتائج ملموسة.
  • تأثير القوى الإقليمية غير العربية: تلعب قوى إقليمية غير عربية، مثل إيران وتركيا وإسرائيل، أدوارًا مؤثرة في المنطقة، وقد تؤثر مصالحها المتضاربة على أجندة القمة ومخرجاتها.
  • محدودية سلطة الجامعة العربية: تاريخيًا، واجهت قرارات الجامعة العربية تحديات في التنفيذ بسبب ضعف آليات الإلزام وتضارب المصالح الوطنية للدول الأعضاء.

الأبعاد الرمزية والاستراتيجية لبغداد:

تحمل استضافة القمة في بغداد أبعادًا رمزية واستراتيجية هامة:

  • استعادة الإرث التاريخي: بغداد، كعاصمة لدولة مؤسسة للجامعة العربية، تسعى من خلال هذه القمة إلى استعادة إرثها التاريخي كمركز للثقافة والسياسة العربية.
  • إرسال رسالة استقرار: اختيار بغداد لاستضافة هذا الحدث الرفيع المستوى يهدف إلى إظهار أن العراق تجاوز التحديات الأمنية وأصبح بيئة آمنة للتعاون الإقليمي.
  • تعزيز الدور كوسيط محتمل: يمكن للعراق، بحكم موقعه الجغرافي وعلاقاته المتوازنة نسبيًا مع مختلف الأطراف الإقليمية، أن يلعب دور الوسيط في حل بعض الخلافات العربية.

سيناريوهات محتملة ونتائج متوقعة:

يمكن تصور عدة سيناريوهات لنتائج القمة:

  • سيناريو متفائل: تحقيق تقدم ملموس في بعض القضايا ذات الأولوية، مثل تعزيز التعاون الاقتصادي أو تبنّي مواقف مشتركة بشأن بعض الأزمات الإقليمية الأقل تعقيدًا. قد تشهد القمة أيضًا صدور بيانات قوية تؤكد على وحدة الصف العربي وأهمية العمل المشترك.
  • سيناريو واقعي: التركيز على القضايا ذات التوافق الأكبر وتأجيل الخلافات العميقة. قد تسفر القمة عن قرارات عامة تدعو إلى الحوار والحلول السلمية دون تحقيق اختراقات حقيقية في الملفات الأكثر تعقيدًا.
  • سيناريو متشائم: فشل القمة في تحقيق أي تقدم جوهري بسبب استمرار الانقسامات العربية وتغليب المصالح الوطنية الضيقة. قد تقتصر النتائج على بيانات بروتوكولية لا ترقى إلى مستوى التحديات التي تواجه المنطقة.

توصيات للنجاح:

لتحقيق أقصى استفادة من هذه القمة، يمكن للعراق والدول العربية العمل على:

  • تحديد أولويات واقعية: التركيز على القضايا التي يوجد بشأنها إمكانية لتحقيق توافق حقيقي وتأجيل الملفات الأكثر خلافية.
  • إعطاء الأولوية للمصالح المشتركة: التركيز على المجالات التي يمكن فيها للدول العربية تحقيق مكاسب مشتركة، مثل التعاون الاقتصادي، والأمن الإقليمي، ومواجهة التحديات المشتركة.
  • تبنّي لغة الحوار والتوافق: السعي إلى تجاوز الخلافات من خلال الحوار البنّاء وتقديم تنازلات متبادلة للوصول إلى حلول مقبولة للجميع.
  • تفعيل دور الجامعة العربية: تعزيز دور الجامعة العربية وآلياتها لضمان متابعة تنفيذ القرارات المتخذة في القمة.
  • الانفتاح على مبادرات إقليمية ودولية: التعاون مع القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في المنطقة بما يخدم المصالح العربية ويساهم في تحقيق الاستقرار.

وفي النهاية، لا يعني استضافة العراق للقمة العربية ونجاحه في تنظيمها نهاية المطاف، بل إن أمام حكومة السيد السوداني تحديًا أكبر يتمثل في العمل على تنفيذ قرارات القمة، وبناء منظومة متكاملة للتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والثقافية. وهذا يتطلب من العراق، حكومةً وشعبًا ومؤسسات، العمل بكل جهد ومثابرة على خلق مناخ سياسي قوي وتحصين الجبهة الداخلية الوطنية، وإبعاد الأصوات التي تسعى لإقصاء العراق عن محيطه العربي، مع الحفاظ على التوازن في محيطه الإقليمي، وتغليب مصلحة العراق على باقي المصالح الطائفية والمذهبية والعرقية.

ومن خلال متابعتي للشأن العربي وعلاقاتي العربية الواسعة، وجدت أن جميع قيادات الدول العربية رحبت، وترحب، بالعراق وحكومته وشعبه، ليكون العراق حاضنًا للعمل العربي المشترك، وتكون بغداد السلام بيتًا لكل العرب، وقبلة العرب في قمة الأمل والتحديات.

اقل نعم، نحن العراقيون قادرون على صناعة القرار السياسي العراقي المستقل، الذي يحمي مصالحنا الوطنية ويؤسس لمرحلة جديدة من علاقة العراق العربية والإقليمية والدولية.

*نقلاً عن صحيفة الزمان – طبعة بغداد