رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

الفسفور الأبيض.. هل خرقت إسرائيل القانون الدولي باستخدامه في غزة ولبنان؟

نشر
قصف غزة بالفسفور
قصف غزة بالفسفور الأبيض

على مدى الأشهر الستة الماضية، واصلت إسرائيل إطلاق ذخائر الفسفور الأبيض عبر الحدود على جنوب لبنان، وفي قطاع غزة.

وباعتباره غازاً ساماً يضر العينين والرئتين ويمكن أن يسبب حروقا شديدة، وبالتالي يتم تنظيم استخدامه بشكل صارم بموجب القوانين الدولية.

ولكن مع كل هذا يرى الجيش الإسرائيلي إنّ استخدامه لهذا السلاح المثير للجدل ضد المسلحين في كل من غزة ولبنان أمر قانوني، ومع ذلك، تقول جماعات حقوق الإنسان إنه يجب التحقيق في الأمر باعتباره جريمة حرب، بينما يقول الأمريكيون إنّهم سيحققون في استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض في كلا البلدين.

ما هو الفسفور الأبيض ؟

الفسفور الأبيض مادة كيميائيّة منتشرة في قذائف المدفعيّة والقنابل والصواريخ، تشتعل عند تعرّضها للأكسجين. يُنتج هذا التفاعل الكيميائي حرارة شديدة تصل إلى 815 درجة مئوية، وضوءًا ودخانا كثيفا يُستخدم لأغراض عسكريّة، لكنّه يُسبّب أيضا إصابات مروّعة عندما يُلامس الناس. 

ولا يُعتبر الفسفور الأبيض سلاحا كيميائيا لأنّه يعمل أساسا بالحرارة واللهب، وليس بالسُميّة، ويُمكن إطلاقه في قطع اسفينية الشكل مشبعة بالفسفور، وتنبعث منه رائحة مميّزة تُشبه رائحة "الثوم".

ما هي الأضرار التي يُسبّبها الفسفور الأبيض؟

يُسبّب الفسفور الأبيض حروقا شديدة، غالبا ما تصل إلى العظام، ويكون شفاؤها بطيئا، وقد تتطوّر إلى التهابات. إذا لم تتم إزالة جميع شظايا الفسفور الأبيض، يُمكن أن تؤدّي إلى تفاقم حالة الجروح بعد العلاج، وقد تشتعل مجددا عند تعرّضها للأكسجين. حروق الفسفور الأبيض التي تتجاوز 10% من جسم الإنسان غالبا ما تكون قاتلة قد تتسبب أيضا في تلف للجهاز التنفسي وفشل أعضاء الجسم.

قذائف الفسفور الأبيض على غزة ولبنان

ومنذ بداية الحرب في غزة في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، تصاعد العنف أيضا على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية، ما أدى إلى سقوط ضحايا من الجانبين وتشريد آلاف الأشخاص.

ويعتبر حزب الله، المتحالف بشكل وثيق مع إيران وحليف حماس، أحد أكثر القوات العسكرية غير الحكومية تسليحا في العالم، وقد قوبلت الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار، التي يشنها مقاتلو حزب الله بشكل شبه يومي، بغارات جوية ومدفعية ثقيلة من قبل الجيش الإسرائيلي بما في ذلك استخدام الفسفور الأبيض.

وعندما يُطلَقُ الفوسفور الأبيض من قذيفته، فإنّه يتفاعل مع الأكسجين لتكوين ستارة دخان سميكة، وهذا يوفر غطاءً فوريا تقريبا للقوات الموجودة على الأرض، ما يحجب الرؤية عن الأعداء. إنّه تكتيك عسكري فعال للغاية وقانوني في ظل ظروف معينة، ومع ذلك، فإنّه بموجب القانون الدولي، تقع على عاتق جميع الأطراف مسؤولية حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة.

الدول التي استخدمت الفسفور الأبيض

استُخدمَ الفسفور الأبيض من قبل معظم الجيوش الكبرى في العالم في القرن الماضي، وقد استخدمه الاتحاد السوفييتي على نطاق واسع خلال الحرب العالمية الثانية، وفقا لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. 

واعترفت الولايات المتحدة باستخدامه في العراق عام 2004، ثم مرة أخرى في سوريا والعراق ضد داعش في عام 2017. 

وأفادت إسرائيل أيضًا باستخدام المادة الكيميائية خلال هجوم 2008-2009 على غزة. ولكن بعد أن قالت الأمم المتحدة إن الجيش الإسرائيلي "مستهتر بشكل ممنهج" في هذا الشأن، قال الجيش الإسرائيلي في عام 2013 إنه "سيتم إخراج هذا السلاح من الخدمة الفعلية قريبا".

ومن المعروف أنّ مقاتلي حزب الله يتحركون في وحدات صغيرة، تتألف من شخصين إلى أربعة أشخاص. ويستخدمون الأحراش للاحتماء، وكثيرا ما يطلقون الصواريخ والقذائف عبر الحدود باتجاه الجيش الإسرائيلي المتمركز على الجانب الآخر، وربما يكون غمرهم بالدخان إحدى الطرق التي يستخدمها الإسرائيليون من أجل استهدافهم

ما هو وضع الفسفور الأبيض بموجب القانون الدولي؟

عندما تُستخدم كسلاح، تُعنبر الذخائر التي تحتوي على الفسفور الأبيض أسلحة حارقة، رغم أنّ الأسلحة الحارقة غير محظورة بشكل صريح في القانون الإنساني الدولي، إلاّ أنّ القانون الإنساني العرفي الدولي يفرض على الدول اتخاذ كلّ الاحتياطات الممكنة لتجنّب إلحاق أضرار بالمدنيين بسبب هذه الأسلحة.

وتخضع الأسلحة الحارقة للبروتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليديّة، انضمّت فلسطين ولبنان لهذا البروتوكول، لكن إسرائيل ظلّت خارجه، يحظر البروتوكول الثالث استخدام الأسلحة الحارقة الملقاة جوا على "تجمّعات المدنيين"، لكن فيه ثغرتين كبيرتين.

أوّلا، يقيّد البروتوكول استخدام بعض الأسلحة الحارقة التي تُطلق من الأرض، وليس كلها، ضدّ تجمّعات المدنيين، وهذا يشمل الضربات المدفعيّة بالفسفور الأبيض في غزّة. 

وثانيا، يشمل تعريف البروتوكول للأسلحة الحارقة الأسلحة "المصمّمة أساسا" لإشعال النيران وإحراق الأشخاص، وبالتالي يُمكن القول إنه يستثني الذخائر متعدّدة الأغراض، مثل تلك التي تحتوي على الفسفور الأبيض اذا استُخدِمت كستائر دخانيّة، حتى لو كانت لها نفس الآثار الحارقة.

هل خرقت إسرائيل القانون؟

لم يتم تعريف الفسفور الأبيض كسلاح كيميائي، وحتى مصطلح السلاح الحارق مثير للجدل.

وبموجب اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الأسلحة التقليدية، هناك قيود على الأسلحة المصممة في المقام الأول لإشعال الحرائق أو حرق الناس. ومع ذلك، فإن غالبية الدول، بما في ذلك إسرائيل، تتفق على أنه إذا تم استخدام الفوسفور الأبيض في المقام الأول لخلق ستائر من الدخان، وليس الحرائق (حتى لو حدثت عرضيا)، فإن قانون الأسلحة الحارقة لا يعد ساريا.