رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

ليبيا: بدايات توافق على تشكيل الحكومة الرابعة عشر بعد الثورة

نشر
ليبيا 
ليبيا 

يواجه رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، عبدالحميد الدبيبة، أسوأ موجات الاستياء الشعبي والسياسي، إذ ارتفعت الأصوات التي تطالب بإسقاطه، والتي تصف حكومته بحكومة «الفساد والتطبيع» احتجاجًا على ما تعتبره انتشارا للفساد وغياب السيادة والأمن.

قطع أكثر من مئة وعشرين من أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيين، شعرة معاوية مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، عبدالحميد الدبيبة، بعدما انتقلوا من انتقاد تلكئه في الاستقالة، إلى الشروع في مسار سياسي سيؤدي، على الأرجح، إلى الإطاحة بحكومته، وتسمية حكومة وحدة وطنية جديدة. 

ويواجه رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، عبدالحميد الدبيبة، أخطر أزمة سياسية منذ اختيار حكومته لإدارة شؤون البلد، في اجتماع بجنيف، بمشاركة 75 شخصية سياسية، انتقتهم الأمم المتحدة فردا فردا.

كما يواجه رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، عبدالحميد الدبيبة، أسوأ موجات الاستياء الشعبي والسياسي في عموم ليبيا، إذ ارتفعت الأصوات التي تطالب بإسقاطه، والتي تصف حكومته بحكومة «الفساد والتطبيع» احتجاجًا على ما تعتبره انتشارا للفساد وغياب السيادة والأمن، وانهيار مناخ الطمأنينة والأمن الشخصي والجماعي.

لذلك يُشدد عناصر النخب الليبية على البحث عن توافقات تمكن من تشكيل حكومة واحدة، وتوسعة مائدة الحوار، حتى تكون مستوعبة وممثلة لكافة الليبيين، بما يضمن نجاح الانتخابات والقبول بنتائجها.

مطالبات بالاستقالة

لكن الملاحظ في الصيغة الحالية أن الأمم المتحدة ليست طرفا مباشرا فيها، وهناك من اعتبر المبادرة ردًا على الإحاطة الأخيرة للمبعوث الأممي لدى ليبيا عبدالله باتيلي، التي اتهم فيها الأطراف الليبية الحالية برفض الانتخابات، لا بل يمكن أن نرى كُرة الأزمة تتدحرج لتصيب حكومة الأمر الواقع، وتطوي صفحتها، وسط مطالبات ما انفكت تتزايد باستقالة رئيسها الدبيبة.

ويأمل النواب في ليبيا من خلال هذه الاجتماعات التشاورية التي عُقدت الثلاثاء والأربعاء الماضيين في تونس، وضع نهاية للأزمة، على غرار لقاءات الصخيرات في المغرب العام 2015 التي انبثقت منها حكومة وفاق وطني برئاسة فايز السراج.

وغاب عن الاجتماعات رئيسا المجلسين، ما يجعل مخرجاتها غير ملزمة. والسؤال اليوم هو التالي: هل أن رئيسي المجلسين موافقان على هذه المبادرة؟ من المنطقي أن يكونا على علم بها، لكنهما حافظا على مسافة في الفترة الراهنة، على ما يبدو. ويتردد أن الرئاسة الفرنسية تعمل حاليا على استضافة الغريمين الليبيين، محمد تكالة وعقيلة صالح، لإنجاز مصالحة تسمح بحلحلة الأزمة، برعاية الأمم المتحدة، واستطرادا توقيع رئيسي المجلسين على محضر اجتماعات تونس. والأرجح أن يتم الابقاء على وزراء من حكومة الدبيبة، في إطار المحافظة على شيء من الاستقرار الحكومي، وأن تكون غالبية الوزراء من التكنوقراط، الذين تقتصر مهمتهم على الإعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية مؤجلة منذ 2021.

وأفاد أحد المشاركين في الاجتماعات أن المنظمين كانوا يتجهون في البداية إلى عقد اللقاء في المغرب، غير أن السلطات المغربية اعتذرت، مخافة أن يعتبر موقفها مشاركة في الإطاحة بالدبيبة وحكومته.

ويبدو أن التونسيين اتخذوا في البدء هذا الموقف، وترددت في كواليس فندق «رمادا» في الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية، أن هناك ضغوطا على الجهة الداعية للاجتماع، لم تخف وطأتُها إلا بعد تقديمها تطمينات.

جديد هذا الاتفاق، الذي أتى في أعقاب شهور من الانسداد السياسي والعطالة، يتمثل بلا شك، في غياب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة (أو تغييبه) مع حضور موظفين من البعثة في كواليس الاجتماع. والأرجح أن الليبيين أرادوا معاقبة البعثة، بعدما انتقد رئيسها عبدالله باتيلي الزعماء الليبيين متهما إياهم بأنهم لا يريدون التخلي عن كراسيهم.

كما أتت اجتماعات اليومين في تونس، بعد إخفاق باتيلي في تمرير اقتراح «الطاولة الخماسية» وهو عبارة عن لقاء بين المؤثرين الخمسة في الأزمة الليبية، مع استثناء رئيس الحكومة الموازية أسامة حماد، بناء على فيتو من رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، عبدالحميد الدبيبة.

وبتعبير آخر ما تم التوافق عليه بين الـ120 نائبا هو محضر اجتماع، يقضي بتشكيل حكومة جديدة تعمل على إنجاز الاستحقاق الانتخابي، مثلما نصت على ذلك المادتان 86 و90 من القوانين الانتخابية.

وذكرت مصادر متطابقة أن "الدبيبة" سعى إلى تعطيل اجتماع أعضاء مجلسي النواب والدولة، بجميع الوسائل، وتواصل مع مسؤولين تونسيين ليُقنعهم بأن اجتماع تونس غير قانوني، وتزامن عقد الاجتماع، مع تعهد «المؤسسة الوطنية للنفط» بصرف 200 مليون دينار لتونس بعنوان مستحقات ديون صحية، على الرغم من اعتراض مصرف ليبيا المركزي على هذه العملية.

معاقبة البعثة

ويذهب بعض الليبيين إلى الاعتقاد بأن اجتماعات تونس أتت لمعاقبة البعثة الأممية، والتأكيد على ملكية الليبيين للعملية السياسية، وهو قولٌ بعيد عن الواقع، لأن الموفدين الأمميين المتعاقبين على ليبيا، من اللبناني طارق متري إلى التشيكي يان كوبيش ثم عبدالله باتيلي، كانوا يتحكمون في القرار الليبي، بطريقة أو أخرى.

من هنا تم الاتفاق، على عقد لقاء تشاوري جديد بين أعضاء مجلسي النواب والدولة، في غضون شهر، والالتزام بتنفيذ القوانين الانتخابية الرقم 27 و28 لسنة 2023، المُنجزة عبر لجنة «6+6» والصادرة عن مجلس النواب، بالتوافق بين المجلسين.

على هذا الأساس تم الاتفاق على تشكيل حكومة وطنية جديدة برعاية البعثة الأممية، تُجهز وتشرف على إجراء الانتخابات، وعلى اختيار رئيس حكومة «بشكل نزيه وشفاف».

ومما جاء في البيان السياسي الصادر عن المجلسين، بعد الاجتماع، التأكيدُ على «وضع ضوابط وتشريعات مُلزمة للحكومة المقبلة، بما يضمن محاربة المركزية، ودعم الوحدات المحلية ووصول المخصصات مباشرة إلى البلديات والمحافظات».

هذا عن القسم السياسي من المخرجات، أما في القسم الاقتصادي والأمني، فعبر المجتمعون عن «القلق الشديد من تدني الأوضاع المعيشية والأمنية وتزايد الفساد والتعدي على الثروات والموارد السيادية للبلد».

وسيتم التمهيد للحكومة الموحدة بواسطة لجنة متابعة من أعضاء المجلسين، تتولى مهمة التواصل المحلي والدولي، أي الاتصال بالقوى المؤثرة في الداخل، وأيضا بعواصم القرار في الملف الليبي بالخارج، أي أمريكا وروسيا وتركيا والإمارات ومصر، على أن تقدم اللجنة تقريرها بعد شهر.

وهذا معناه أن اجتماعا سيعقد الشهر المقبل بحضور أعضاء المجلسين، للنظر في مدى التقدم في تنفيذ مخرجات جولات الحوار المذكورة، وما يُمكن بناؤه عليها.

ومن ثمار اجتماعات تونس أيضا الاتفاق على دعوة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات إلى الشروع في تنفيذ القوانين الانتخابية، ومطالبتها بالإعلان عن موعد إجراء الانتخابات. وسيكون الإعلان عن ميقات العملية الانتخابية، انعطافا في مسار الحل السياسي للصراع في ليبيا، وتجاوزا للعقبات السابقة.

لكن هناك من لديهم القدرة على التعطيل والتشويش على المسار، وفي مقدمهم رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، عبدالحميد الدبيبة، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي سيعمل على وضع أتباعه في الحكومة الموحدة. لهذا دعا المجتمعون رئاستي الحكومتين والمجتمع الدولي والأمم المتحدة والبعثة الأممية لدعم هذا الاتفاق والبناء عليه.

لكن البيان الصادر عقب الاجتماعات كان ضعيفا، إذ لم يتطرق إلى بيت الداء، الذي تنبعث منه الأزمات، الواحدة تلو الأخرى، والمتمثل في انتشار السلاح بلا قدرة للدولة، أو ما تبقى من أجهزتها، على ضبطه وتحييده.

كما لم يتطرق البيان إلى عناصر الميليشيات، الذين أقاموا إمارات خاصة بهم، تحول دون إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، بالمستوى الذي يتطلع إليه جميع الليبيين.

إعدام خارج القانون

الأخطر من ذلك هو غياب الأمان، خاصة في المنطقة الشرقية، حيث لا يُسمح بالآراء المخالفة، وحيث سجن وقتل وزير الدفاع الأسبق مهدي البرغثي، مع أربعين من حراسه وأقربائه، من دون محاكمة ولا تهمة محددة، ما حمل البعثة الأممية على مطالبة السلطات في المنطقة الشرقية، التي يديرها خليفة حفتر وأولاده، بإجراء «تحقيق مستقل وشفاف» حول مصير هؤلاء القتلى، الذين ما زالوا مسجلين في قائمة «المفقودين».

أما الشق الاقتصادي من مخرجات اجتماعات تونس فركز على الأمراض التي تنخر معظم القطاعات، ومنها ارتفاع حجم التضخم في الإنفاق، والتمويل مجهول المصدر، بناء على ما ورد في تقرير لمصرف ليبيا المركزي، وهذه إشارة واضحة إلى تقصير حكومة الدبيبة، ما حدا بالمجتمعين في تونس إلى التحذير من تزايد النفقات، والمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق في ذلك.

من ضمن التيارات الحاضرة في اجتماعات تونس التيار الداعي لعودة النظام الملكي، بوصفه حلا للأزمة السياسية المستعصية في ليبيا، وكان من ضمن المشاركين في الاجتماعات الأخيرة نوابٌ مدافعون عن هذا الخيار.

وكان الملك محمد ادريس السنوسي (1890-1983) أول ملك صعد على عرش ليبيا، العام 1951 في أعقاب استقلالها عن إيطاليا، قبل أن يُطيح به العقيد معمر القذافي بعد 18 عاما، ويمثل الأسرة السنوسية اليوم ابن ولي العهد محمد الحسن الرضا السنوسي. ومنذ انتفاضة 2011 عادت الراية الملكية ذات الألوان الثلاثة، راية رسمية لليبيا، بدل راية القذافي الخضراء.

كما دعا كثير من المثقفين والسياسيين والخبراء الدستوريين، عندما حمي وطيس الصراع على شروط سن دستور جديد، إلى العودة لدستور الملكية كحل وسط. ويرى الملكيون اليوم أن حل المشكلات السياسية والأمنية التي تواجهها ليبيا، منذ ثلاثة عشر عاما، يكون بالعودة إلى 31 أغسطس 1969 وهو اليوم السابق على انقلاب العسكر بزعامة القذافي، وكان الملك يومها في مدينة بورصة التركية.

واللافت أن ولي العهد دأب على استقبال وفود من مختلف المدن الليبية، في «حوار وطني» مؤكدا ضرورة «استعادة الشرعية الدستورية الملكية، التي من خلالها تستعيد ليبيا إطارها القانوني والدستوري وتحفظ وحدتها» على ما قال لوفد زاره أخيرا.

وفي النهاية سيكون موقف رئيسي المجلسين، ومن خلفهما القوى المؤيدة لهما، في الداخل والخارج، حاسما في إنجاح المبادرة السياسية الحالية، أو إخفاقها، مثل مصير سابقاتها.