رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

هل يواجه عام 2024 موجة قادمة من التخلف عن سداد الديون؟

نشر
الأمصار

في مستهل عام 2023، ارتعب العالم بشكل خطير من التوقعات المؤكدة للركود الاقتصادي الذي قد يحمله عام 2023، وبالفعل فقد واجه هذا العام عدة أزمات فرضت على الاقتصاد العالمي.

ولم يسلم العام الجديد من توقعات قد تكون أشد صعوبة، وذلك بطبيعة كونه حصاد للعام الذي يسبقه. 

والغريب في عام 2024، أنه يشهد - بحسب تحذيرات عديد من التقارير الاقتصادية- "موجة قادمة من التخلف عن سداد الديون" من قبل البلدان الكبيرة ذات السيادة الاقتصادية القوية قبل الدول النامية التي تواجه ضغوطات اقتصادية واسعة.

وصحيح أن الاحتياطي الفيدرالي وغيره من البنوك رفعت أسعار الفائدة منذ أكثر من عام، لكن العالم لم يكمل بعد التحول من وقت كانت فيه الأموال مجانية إلى فترة لم تعد فيها كذلك. ومن المرجح أن يكون عام 2024 هو العام الحصاد الذي تتضح فيه آثار هذا التحول أكثر.

وبحسب تقرير الديون الدولية كأحدث عدد صادر عن البنك الدولي فإن البلدان النامية أنفقت مستوى قياسيًا بلغ 443.5 مليار دولار لخدمة ديونها العامة الخارجية والمضمونة من الحكومة في عام 2022، وذلك في خضم أكبر قفزة تشهدها أسعار الفائدة العالمية على مدى أربعة عقود. 

وأضاف أن ارتفاع تكاليف هذه الديون أدى إلى تحويل الموارد الشحيحة بعيدًا عن الاحتياجات الحيوية مثل الصحة والتعليم والبيئة.

أشار التقرير إلى أن مدفوعات خدمة الدين – التي تشمل أصل الدين والفائدة – زادت بنسبة 5% عن العام الماضي بالنسبة لجميع البلدان النامية، وأن البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي - التي تساند أشد البلدان فقرا - وعددها 75 بلدًا دفعت مستوى قياسيًا بلغ 88.9 مليار دولار من تكاليف خدمة الدين في عام 2022. 

وعلى مدى العقد الماضي، تضاعفت مدفوعات الفائدة التي تسددها هذه البلدان أربع مرات، لتصل إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 23.6 مليار دولار في عام 2022. وخَلُص التقريرُ إلى أنه من المتوقع أن تتضخم التكاليف الإجمالية لخدمة الدين في أفقر 24 بلدًا في عامي 2023 و2024 - بنسبة تصل إلى 39%.

وقد أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى تفاقم المخاطر المتعلقة بالدين في جميع البلدان النامية، ففي السنوات الثلاث الماضية وحدها، تخلف 18 بلدًا ناميًا عن سداد ديونه السيادية - وهو عدد أكبر من العدد المسجل في العقدين الماضيين معًا. 

واليوم، فإن نحو 60% من البلدان منخفضة الدخل في خطر كبير يهدد ببلوغها مرحلة المديونية الحرجة أو أنها بلغت هذه المرحلة بالفعل.

أشار التقرير إلى أن مدفوعات الفائدة تستهلك نسبة كبيرة ومتزايدة من صادرات البلدان منخفضة الدخل، كما أن أكثر من ثلث ديونها الخارجية لها أسعار فائدة متغيرة يمكن أن ترتفع فجأة. وتواجه العديد من هذه البلدان عبئًا إضافيًا يتمثل في تراكم أصل الدين والفائدة والرسوم التي تكبدتها نظير حصولها على امتياز تعليق مدفوعات خدمة الدين بموجب مبادرة مجموعة العشرين لتعليق مدفوعات خدمة الدين. 

وقد سبب ارتفاع قيمة الدولار مزيد من الصعوبات التي تواجه تلك البلدان، وهو ما يزيد من تكلفة سداد المدفوعات بالنسبة لها. وفي ظل هذه الظروف، يمكن أن يدفعها المزيد من الارتفاع في أسعار الفائدة أو الانخفاض الحاد في إيرادات التصدير إلى حافة الهاوية.

ومع ارتفاع تكاليف خدمة الدين، تضاءلت خيارات التمويل الجديدة المتاحة للبلدان النامية. ففي عام 2022 انخفضت ارتباطات القروض الخارجية الجديدة للهيئات والمؤسسات العامة وتلك المضمونة من الحكومة في هذه البلدان بنسبة 23% لتصل إلى 371 مليار دولار، وهو أدنى مستوى منذ عشر سنوات. وأحجم الدائنون من القطاع الخاص إلى حد كبير عن المشاركة في إقراض البلدان النامية، حيث حصلوا على 185 مليار دولار من أقساط سداد أصل القروض أكثر مما صرفوه من قروض.

وكانت هذه هي المرة الأولى منذ عام 2015 التي يتلقى فيها دائنون من القطاع الخاص أموالاً تزيد عما يقومون بضخه في البلدان النامية. وانخفضت السندات الجديدة التي أصدرتها جميع البلدان النامية في الأسواق الدولية بأكثر من النصف في الفترة من 2021 إلى 2022، بينما سجلت إصداراتها في البلدان منخفضة الدخل انخفاضًا بنسبةٍ تتجاوز ثلاثة أرباع. وانخفضت إصدارات السندات الجديدة من جهة البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية بأكثر من ثلاثة أرباع لتصل إلى 3.1 مليارات دولار.

ومع الانخفاض الحاد في التمويل المقدم من الدائنين من القطاع الخاص، تدخل البنك الدولي وبنوك التنمية متعددة الأطراف الأخرى للمساعدة في سد هذه الفجوة. وقدم الدائنون متعددو الأطراف 115 مليار دولار من التمويل الجديد منخفض التكلفة للبلدان النامية في عام 2022، جاء نصفها تقريبًا من البنك الدولي. ومن خلال المؤسسة الدولية للتنمية، قدم البنك الدولي لهذه البلدان 16.9 مليار دولار من التمويل الجديد أكثر مما تلقاه من أقساط سداد أصل القروض - أي ما يقرب من ثلاثة أمثال الرقم المماثل قبل عشر سنوات. وبالإضافة إلى ذلك، قدم البنك الدولي 6.1 مليارات دولار من المنح لهذه البلدان، أي ثلاثة أضعاف مبلغ المنح التي قدمها في عام 2012.

وكشف تقرير الديون أن البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية أمضت العقد الماضي في زيادة ديونها بوتيرة تفوق معدلات نموها الاقتصادي، وهو ما يمثل مؤشرًا تحذيريًا لآفاقها الاقتصادية في السنوات القادمة. ففي عام 2022، سجل مجموع رصيد الديون الخارجية للبلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية رقمًا قياسيًا بلغ 1.1 تريليون دولار - أي أكثر من ضعف مستواها في عام 2012. وفي الفترة من عام 2012 حتى عام 2022، ارتفعت الديون الخارجية للبلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية بنسبة 134%، متجاوزة ما حققته من ارتفاع في إجمالي دخلها القومي بنسبة 53%.

للمرة الأولى.. الديون الأميركية تتخطى 34 تريليون دولار 

وقد بلغ إجمالي الدين العام للحكومة الفيدرالية الأميركية 34 تريليون دولار للمرة الأولى، حيث يستعد أعضاء الكونغرس لسلسلة أخرى من معارك إقرار التمويل الفيدرالي في الأسابيع المقبلة، لتجنب إغلاق الحكومة.

وارتفع إجمالي الدين العام إلى 34.001 تريليون دولار الجمعة الماضي، من 33.911 دولار قبلها بيوم واحد، وذلك بحسب بيان وزارة الخزانة الأميركية.

وارتفع الدين الذي يتم احتسابه ضمن سقف الدين الفيدرالي إلى 33.89 تريليون دولار الجمعة من 33.794 تريليون دولار الخميس. تستثني فئات معينة من الديون التي لا تحتسب ضمن السقف الدين الفعلي.

ويأتي هذا التفاقم في الديون بعد فترة وجيزة من تجاوز الدين الفيدرالي 33 تريليون دولار في سبتمبر وسط ارتفاع العجز الفيدرالي الناجم عن انخفاض عائدات الضرائب وارتفاع النفقات الفيدرالية.

يعود الكونغرس إلى واشنطن الأسبوع المقبل للتعامل مع المواعيد النهائية في 19 يناير و2 فبراير لتسوية الإنفاق الحكومي حتى سبتمبر، وسط مطالبات الجمهوريين بخفض الإنفاق التقديري للعام المالي 2024 إلى ما دون الحدود القصوى المتفق عليها في يونيو، ويأمل المشرعون أيضًا في تمرير مساعدات طارئة لأوكرانيا وإسرائيل.

الدول الإفريقية هي الأكثر مديونية

تكابد العديد من دول العالم خاصة الإفريقية منها أزمة تفاقم الديون الخارجية والعجز عن سدادها في ظل الأزمة العالمية التي خلفتها جائحة كورونا.

ووفق صندوق النقد الدولي فقد وصل الدين العالمي إلى 226 تريليون دولار عندما ضربت العالم جائحة كورونا وحالة من الركود العميق عام 2020، وارتفع بمقدار 28 نقطة مئوية إلى 256% من إجمالي الناتج المحلي.

وبالنسبة لإفريقيا، فقد تجاوز إجمالي الديون المستحقة على القطاعين العام والخاص وعلى المقرضين الأجانب في دول أفريقيا نحو تريليون دولار، في عام 2021.

ومن إجمالي الدين الخارجي للقارة تمتلك دولة جنوب أفريقيا 15%، ومصر 13%، ونيجيريا 7%، وأنجولا 7%، والمغرب 6%، والسودان 6%، وتونس 4%، وكينيا 4%، وزامبيا 4%.

وتشير الإحصائيات إلى وجود 10 دول إفريقية يتجاوز حجم ديونها نحو 75% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي جيبوتي وأنجولا وموزمبيق ورواندا والسودان وتونس وزامبيا وسيشل والرأس الأخضر وموريشيوس.