رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

حصاد السودان في 2023.. صراع عسكري ونزوح الملايين

نشر
حرب السودان
حرب السودان

بينما كان ينتظر السودان، أن يكون عام 2023 مفتاحا لأزمة سياسية مستمرة من خلال إقرار اتفاق إطاري، انزلقت البلاد في أتون صراع عسكري أطاح بآمال الاستقرار، وفتح الباب واسعا أمام أزمات متلاحقة، من بينها تضرر الاقتصاد ونزوح الملايين، فيما يخشى من خطر التقسيم إن استعصى التوافق على حل سلمي.

واستقبل السودان عام 2023 وهو مثقل بأزمة سياسية مستمرة منذ أكتوبر 2021 بسبب إجراءات قائد الجيش في السودان الفريق أول عبدالفتاح البرهان بحل مجلسي السيادة والوزراء وإعلان حالة الطوارئ.

وعمق الاتفاق الإطاري الذي توصل إليه تحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) مع المكون العسكري في أواخر 2022، من هوة الخلاف بين الفرقاء السودانيين، وأحدث انقساما كبيرا بين القوتين العسكريتين الرئيسيتين في السودان، وهما الجيش وقوات الدعم السريع.

وكان من المقرر أن يتم التوقيع على الاتفاق الإطاري رسميا في بداية أبريل 2023، على أن يعقب ذلك إقرار دستور انتقالي وتشكيل حكومة مدنية انتقالية تدير البلاد لمدة عامين.

ولكن قوى سياسية في السودان أبرزها تحالف الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية)، ومجموعات مسلحة موقعة على اتفاق للسلام في 2020، رفضت الاتفاق الإطاري، مما أدى إلى تأزيم المشهد السياسي في السودان، كما تمسك الجيش السوداني بعدم التوقيع النهائي على الاتفاق إلا بعد الانتهاء من دمج كل المجموعات المسلحة في الجيش، وعلى رأسها قوات الدعم السريع.

رصاصة الحرب الأولى

استيقظ سكان الخرطوم في 15 أبريل 2023 على أصوات إطلاق نار كثيف بالقرب من القيادة العامة للجيش وسط العاصمة، وفي محيط الموقع الرئيسي لقوات الدعم السريع بمنطقة أرض المعسكرات جنوب الخرطوم.

وتبادل الجيش والدعم السريع الاتهامات بإطلاق الرصاصة الأولى للحرب التي دخلت شهرها التاسع دون أي أفق للحل السياسي.

وقال السياسي السوداني وعضو البرلمان السابق عبود جابر، "لقد ساهمت القوى السياسية في السودان في إشعال هذه الحرب الشاملة التي تواجهها بلادنا".

وأضاف جابر لوكالة أنباء "شينخوا": "2023 هو عام الكابوس في السودان، هذه الحرب هى الأكثر عنفا ودموية في بلادنا، وأدى الانقسام السياسي وتباين المواقف في اندلاعها".

ومع دخول الحرب شهرها التاسع، تتمدد رقعة المواجهات التي اندلعت في الخرطوم لتشمل كل غرب السودان (إقليمي كردفان ودارفور)، ووسط وشرق السودان (الجزيرة، سنار وأطراف ولاية القضارف)، بينما تهدد قوات الدعم السريع بنقل الحرب إلى شمال وشرق السودان (ولايات الشمالية، نهر النيل وإقليم الشرق).

أكبر موجة نزوح داخلي في العالم

وأدت الحرب في السودان،  التي اندلعت في أبريل الماضي إلى نزوح قرابة سبعة ملايين شخص داخل السودان وخارجه، ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة فإن السودان يشهد الآن أكبر موجة نزوح داخلي في العالم.

وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية في السودان (أوتشا)، في تقرير حديث إن نحو 6.9 مليون شخص نزحوا داخل السودان وخارجه منذ اندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023.

ونزح نحو 5.5 مليون شخص نحو ولايات مجاورة للخرطوم، فيما لجأ نحو 1.4 مليون سوداني إلى دول الجوار، ومنها مصر وتشاد وإثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان، بحسب مكتب أوتشا.

وقالت إحصاءات لموقع  ((ACLED))، وهى منظمة غير حكومية متخصصة في جمع بيانات النزاعات المفصلة وتحليلها، إن أكثر من 12190 شخصا قتلوا منذ اندلاع القتال في السودان.

وبسبب تأثيرات الحرب فإن نحو 18 مليون سوداني يتهددهم الجوع، وفقا لأحدث تقرير صادر عن برنامج الغذاء العالمي، بينما حذرت منظمة الصحة العالمية من ازدياد معدلات تفشي أمراض وبائية مثل الكوليرا وحمى الضنك والملاريا.

كما نبهت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إلى أن 19 مليونا من أطفال السودان فقدوا فرصة الالتحاق بالمدارس.

التأثيرات الاقتصادية للحرب

تسببت الحرب المستمرة في السودان بأضرار اقتصادية بالغة، إذ تراجعت الإيرادات العامة، مما أضعف الناتج المحلي الإجمالي، كما تأثرت حركة الصادرات، وفقد الجنيه السوداني (العملة الوطنية) نحو 80 في المائة من قيمته السوقية، بحسب محللين.

وقال المحلل الاقتصادي السوداني عبد الخالق محجوب "أدت خسارة أكثر من 2.7 مليون مواطن لوظائفهم بالقطاع الخاص وتأثير ما نسميه بالبطالة الإجبارية الحادة إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي بحدود 20 في المائة".

وأضاف "كما حدث تراجع في إيرادات الموازنة العامة الضريبية بسبب عجز الحكومة عن التحصيل، وأدى ذلك إلى عجز كبير في الدخل القومي بنحو 25 بالمائة".

واعتبر محجوب، أن فقدان الجنيه لقيمته السوقية بمقدار 80 في المائة سبب رئيسي لتفاقم أرقام التضخم، قائلًا "أسهم انهيار سعر الجنيه في تفاقم أزمة التضخم، والحد من القدرة الشرائية للمواطنين وضعف القدرة الإنتاجية للمؤسسات التي ما تزال تعمل دون أى دعم حكومي".

ووفقا لإحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء في السودان (حكومي) مؤخرا فإن معدل التضخم في السودان يشهد ارتفاعا مستمرا، حيث تخطى 300 في المائة، نتيجة لارتفاع أسعار المواد الأساسية، مثل الخبز والسكر والزيت والدقيق، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل والمواصلات.

وإلى جانب ذلك "تراجعت حركة الصادر بنحو 60 بالمائة بفعل إغلاق المطار الرئيسي بالبلاد وتوقف العمل بمعظم الموانىء الجافة، مما أدى إلى تراجع عائدات الصادر من العملات الصعبة، وتراجع إنتاج السودان من الذهب من 18 طنا إلى طنين فقط خلال أشهر الحرب"، بحسب محجوب.

ويعتبر الذهب أعلى صادرات السودان غير البترولية بنسبة 46.3 في المائة في عام 2022، طبقا لبيانات البنك المركزي، وذلك بقيمة 2.02 مليار دولار من إجمالي 4.357 مليار دولار هي إجمالي صادرات البلاد للعام الماضي.

ويتوقع صندوق النقد الدولي، أن يزداد دين السودان من 127 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 إلى 151 في المائة بنهاية عام 2023.

آمال التسوية السياسية

يأمل السودانيون أن تشهد الأيام الأخيرة لعام 2023 حدوث اختراق إيجابي يقرب من التوصل إلى تسوية سياسية لأزمة الحرب بالبلاد وسط تقارير إعلامية عن لقاء مرتقب بين قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) برعاية من المنظمة الحكومية للتنمية بشرق إفريقيا (إيغاد).

ووفقا لموقع (التغيير) الإخباري المستقل في السودان، فإن قائدي الجيش والدعم السريع سيلتقيان في مدينة عنتيبي الأوغندية في 28 ديسمبر الجاري.

ويرى المحلل السياسي السوداني عبدالرحيم السني، أن لقاء قائدي الجيش والدعم السريع يمكن أن يمثل بارقة أمل حقيقية للوصول إلى اتفاق سلام.

وقال السني لوكالة أنباء (شينخوا)، "هذا لقاء نادر، ومن شأنه تعزيز جهود التسوية السلمية للصراع المسلح في السودان".

وحذر السني من طول أمد الصراع المسلح والفشل في الوصول إلى اتفاق سلام، وقال "ما يحدث في السودان الآن صراع وجودي يهدد وحدة السودان".

وأضاف "هناك مخاوف جدية من أن يؤدي استمرار الصراع وسيطرة قوات الدعم السريع على معظم مناطق غرب السودان إلى تقسيم البلاد في نهاية المطاف".

وتقود منظمة إيغاد جهودا مكثفا لتنشيط المباحثات المتعثرة بين قادة الجيش في السودان وقوات الدعم السريع، بينما تحاول المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية ضخ دماء جديدة في مبادرتهما المشتركة التي انطلقت في مايو 2023 دون أن تفلح في التوصل إلى نتائج إيجابية.