رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

أدهم إبراهيم يكتب: الأبعاد المحتملة للحرب الإسرائيلية على غزة

نشر
أدهم إبراهيم
أدهم إبراهيم

وسط اجواء الاسترخاء الاسرائيلي في ظل آمال التطبيع مع الدول العربية ، جاء التعرض الفلسطيني على المستوطنات الاسرائيلية في السابع من تشرين اول/ اكتوبر ضربة قاسية لكل استراتيجيات اسرائيل وتوقعاتها واحلامها في انهاء الوجود الفلسطيني. 

فقد خسرت اسرائيل مالايقل عن 1400 قتيلا ، و أكثر من 5000 جريح، اضافة إلى أسر اكثر من 250 شخص. 

هذه المباغته الفلسطينية جاءت اكبر من مفاجأتها في حرب اكتوبر عام 1973 . وسيكون لها ابعادا اكبر بكثير من ابعاد تلك الحرب.

فما بعد 7 اكتوبر 2023 لايشبه ماقبله من الناحية السياسية او الجيوسياسية.

الصراع العربي الاسرائيلي مستمر منذ عقود ، وقد أدى التصعيد الأخير والهجوم الاسرائيلي على غزة إلى استشهاد مالايقل عن 10 الاف فلسطيني ، دمار ربع مليون مبنى ، تدمير واسع للبنية التحتية،  وتهجير الفلسطينيين في قطاع غزة . اضافة الى قتل وجرح مالايقل عن 200 فلسطيني في الضفة الغربية .
ويثير هذا العنف المفرط من الجانب الاسرائيلي بدعوى الدفاع عن النفس مخاوف عديدة بشأن مستقبل قطاع غزة والمنطقة العربية.

لمحة تاريخية عن قطاع غزة

في نهاية الحرب الإسرائيلية العربية الأولى، سمحت اتفاقيات هدنة رودس في عام 1949 بإنشاء قطاع غزة بشكله الحالي، والذي تم وضعه تحت السيطرة المصرية منذ عام 1948 وإلى نكسة حزيران عام 1967.

احتلت اسرائيل قطاع غزة خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 . وانسحبت منها في مارس/آذار 1957. 
وبعد عشر سنوات، خلال حرب الأيام الستة عام 1967 احتلت إسرائيل قطاع غزة عسكرياً مرة أخرى . 
وبينما لا تزال المنطقة خاضعة رسميًا لإدارة منظمة التحرير الفلسطينية، ثم السلطة الفلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو، فإن إسرائيل تشرف على قطاع غزة  .

   يخضع قطاع غزة، الذي يسكنه أكثر من مليوني فلسطيني، للحصار الإسرائيلي منذ عام 2007 بعد سيطرة حماس على القطاع . وقد أدت القيود المفروضة على وصول الموارد الأساسية مثل المياه والكهرباء، وعدم القدرة على مغادرة القطاع إلى انتشار الفقر والظروف الإنسانية السيئة على نطاق واسع وتلاحق الأزمات .  

اعتقدت تل أبيب أن حماس قد شقت وحدة الصف الفلسطيني وهي بذلك تعتبرها اداة توتر مفيدة لها ، وبإمكانها استخدام أسلوب العصا والجزرة لضمان عدم قيامها باتخاذ خطوات من شأنها تعريض الأمن الإسرائيلي للخطر .

وقد نجحت هذه المعادلة، باستثناء حالات تفجر طفيفة لم تحدث إلا كل بضعة أعوام لمدة تزيد على عشر سنوات، وظلت عند مستوى أدنى كثيراً من عتبة الحرب الشاملة .

الا ان التعرض الفلسطيني الاخير كان مفاجأة غير متوقعة ، وهو مع الحرب الإسرائيلية العنيفة على غزة سيكون لهما آثارا كبيرة على اسرائيل وعلى المنطقة العربية .

ويمكن تلخيص بعض ملامح المرحلة اللاحقة كالآتي :
1_ ان الهجوم الفلسطيني غير المتوقع على المستوطنات الاسرائيلية والاعداد الكبيرة نسبيا للقتلى مع اخذ رهائن ، ستؤدي إلى زيادة القلق الوجودي في اسرائيل وستترك صناع القرار في تل أبيب أمام خيارات قليلة .
حيث اثارت مخاوف وشكوك في قدرة المؤسسات العسكرية من حماية المستوطنين ، وستؤثر هذه الحرب نفسيا" على الاسرائيليين لسنوات طويلة ، وبالتالي ستؤدي الى الاطاحة برئيس الوزراء نتانياهو الذي وعدهم بضمان الامن والسلام والرخاء مع الجيران العرب .  

2_ نتيجة العنف المفرط من قبل اسرائيل والاعداد الكبيرة للقتلى في غزة بين المدنيين والاطفال فقد اهتزت صورة إسرائيل كثيرا في الخارج ، وقد اثارت حفيظة الامين العام للامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان في العالم ، واخذ الرأي العام العالمي بالتغير بشأن فلسطين ، وعلى الاخص في الاتحاد الأوروبي،  كما ان كثير من الديمقراطيين الأمريكيين بدأوا بالتعاطف مع الفلسطينيين أكثر من تعاطفهم مع الإسرائيليين . وبدأ الدعم الدبلوماسي لاسرائيل بالتآكل. وهناك دعوات متنامية من أجل إحداث تغييرات ملموسة في السياسة الخارجية للدول الغربية تجاه الدولة العبرية .

3_ هناك ضغوطات دولية متزايدة على إسرائيل لإنهاء حصارها لقطاع غزة والعمل من أجل التوصل إلى حل سلمي للصراع.
وقد عادت اطروحات حل الدولتين كبديل للعنف المستمر الذي يهدد استقرار المنطقة والمصالح الامريكية والغربية .
 ومع ذلك، يظل الوضع الحالي معقدًا وصعب الحل، حيث يتمسك الجانب الاسرائيلي بمواقفه وعدم رغبته في تقديم تنازلات واسعة النطاق .

4_ كما سيقدر للسلطات الفلسطينية بالحفاظ على سيطرتها على غزة ، كبديل عن حماس ، رغم ان القضاء على حماس كما تعلن إسرائيل يعد من الامور المستحيلة ، ولكن حماس ستظهر بوجه آخر يتقبل حل الدولتين ، ولتنفيذ ذلك ربما تكون هناك ادارة محلية موقتة لغزة .  

5_ اثبتت الحرب الاخيرة بما لا يدع مجالا للشك استحالة القضاء على المقاومة الفلسطينية ، لابل انها اخذت بالتنامي اكثر من اي وقت مضى وستبقى حتى تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة .

6_ ان الحرب الاخيرة قد فرضت عمليات نزوح وأزمات انسانية ستؤدي الى ضغوطات كبيرة على الدول المجاورة مثل مصر والأردن ولبنان ، وستؤدي الى عبء اضافي على عاتق هذه البلدان ستزيد من انتشار الفقر، والاضطرابات الاجتماعية وعدم الاستقرار السياسي .

7_ بشكل عام، لا يزال مصير قطاع غزة والمنطقة العربية بعد الصراع بين إسرائيل وحماس غير مؤكد ، رغم ان اسرائيل ستحاول الاحتفاظ بالجزء الشمالي من قطاع غزة بدعوى حماية المستوطنين ، مما سيزيد من معاناة الشعب الفلسطيني في هذه البقعة من القطاع.
ولكن هل ستدرك اسرائيل استحالة استمرار احتلالها لغزة وبقية المناطق ؟ 

واخيرا فان الصراع الاسرائيلي الفلسطيني ليس نزاعا منعزلا عن محيطه بل له اثارا اوسع نطاقا على التحالفات الاقليمية ، ومن المرجح أن يؤدي إلى تغييرات جيوسياسية كبيرة في الشرق الأوسط .