رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

علي أركان يكتب: الحرب النفسية في الحضارة البابلية

نشر
الأمصار

كانت الحرب النفسية وسيلة من وسائل الصراع بين الشعوب القديمة وهي تنتمي إلى النمط الدفاعي الذي تتبناه الحضارة أو الدولة في وجه أعدائها فضلاً عن كونها وسيلة لتعزيز المعنويات والتصدي المحاولات التخريب الداخلي
وهناك الكثير من تكتيكات الحرب النفسية البابلية مثل

*التكتيك الدبلوماسي* :
استخدمت كلمة ( لمس الحنجرة) كدلالة على المعاهدة طرفين وكانت سبيلاً للمناورة السياسية فمثلا حينما عرض زمري – لم ملك ماري أن يتعاهد مع الملك البابلي حمورابي
كان حمورابي يرغب بشدة في الاستيلاء والسيطرة على مدينة هيت التي بحوزة ملك ماري لكي تفتح الطريق أمامه نحو غرب الفرات وقد أشار في مفاوضاته نحو أهمية مدينة هيت في إنتاج القير
لكنه متردد في عقد هذه الاتفاقية أو المعاهدة قبل استشاره اله القمر سين
وحينما تأخر حمورابي سارع ملك ماري زمري لم للتنازل عن مدينة هيت لصالح ملك بابل بلا شروط اضافيه مقابل التحالف المشترك بين بابل وماري

*التكتيك الإعلامي أو الدعائي* :

كانت الدعايات والاشاعات وسيلة مهمة تسبق أي حرب وقد ظهر في الدولة البابلية مثل هذا التكتيك الخطير عند الملك البابلي حمورابي
فقد ذكر في إحدى الكتابات الأثرية
" أن خضوع مملكة ماري والبلدان الواقعة على ضفاف الفرات تحت سلطته انه تعمد ذكر الاله دگان أو داغان من دون التطرق إلى الاله مردوخ ليعطي المسوغات الكافية لحرية الرأي ضد ماري
وهو جزء من سياسة الإعلام وبث الاشاعات التي كانت جزءا مكملا للحروب الفعلية والهدف منها أضعاف مقاومة الاعداء والشد من عزيمة الجيش البابلي وإقناعهم بالنصر 
ولأن السبب الديني كان مهما في التغلغل إلى نفوس سكان بلاد الرافدين والشام لذا فقد تذرع بهذا السبب حين يذكر الدعم لنفسه عندما قضى على تحالفات أعداءه المكونة من العدو الازلي عيلام و سوبارتو واشنونا ومالكيلوم

*التكتيك الاقتصادي* :
استخدم الحصار الاقتصادي قديما كوسيلة للحرب النفسية لخفض المعنويات لدى العدو
وقد زادت خبرة البابليين في اتباع هذا الأسلوب مع الأعداء 
حيث حاصر حمورابي مدينة لارسا ومنع عنها الشراب والطعام عندما وصل الخلاف بين ريم سين ملك لارسا و حمورابي إلى ذروته مما دعا جيوش بابل إلى التحرك باتجاه لارسا وفرض الحصار عليها والهدف منه القضاء على جميع النشاطات الاقتصادية فيها فضلاً عن محاربة الملك وشعبه نفسياً واحداث الشقاق بينهم وإحباط روح المقاومة لدى قوات لارسا واستماله الضعفاء إلى صف بابل
وحين مراجعتنا للالواح الطينية التي تتحدث عن الحدث
يبدو أن حمورابي قد نجح في هذا الأمر وسيطر على لارسا وجاء بملكها ريم سين أسيرا إلى بابل نتيجة لذلك التكتيك النفسي الذي اتبعه

*تكتيك الضغط العسكري* :
وهو التكتيك الذي كان ينم عن طريق ارهاب العدو باستخدام أسلحة فتاكة وبث الرعب في نفوسهم قبل وأثناء وبعد الحرب
وكان قطع أعناق الملوك المهزومين في مدنهم وأمام شعبهم وسيلة لترهيب الشعب المغلوب والسيطرة نفسياً عليه
فقد كانت سياسة الإرهاب عقوبة رادعة لقادة المدن والممالك التي كانت من شأنها أن تعترض أو تقاوم أو تتمرد على سلطان بابل