رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

6 أكتوبر.. الاحتفال باليوبيل الذهبي لانتصارات أكتوبر المجيدة

نشر
الأمصار

من نصف قرن، وبالضبط في يوم السبت في الساعة الثانية ظهر السادس من أكتوبر 1973 ميلاديًا الموافق 10 رمضان 1393 هجريًا، شنت مصر الضربة الاستباقية الأولى بالتعاون مع سوريا على إسرائيل، لتحتدم المعركة لصالح العرب لاستعادة الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل عام 1969 وهي شبه جزيرة سيناء من مصر وهضبة الجولان من سوريا. 

الحرب على العدو المحتل

ولم تكن حرب أكتوبر هي مجرد معركة أو حرب حول أرض أو مصالح اقتصادية أو سياسية، بل كانت نقطة فاصلة حاسمة في تاريخ طويل سبقها بأكثر من ربع قرن من حروب كبرى ترتب عليها تغيرات جوهرية في السياقين الجغرافي والاستراتيجي في الوطن العربي والمنطقة كلها.

شن هجومين مفاجئين على إسرائيل

وكانت خطة مصر وسوريا لشن هجومين مفاجئين ومتزامنين على قوات إسرائيل القابعة في الأراضي المحتلة، فكانت ضربة مصر موجهة إلى جبهة سيناء المحتلة، فيما استهدفت سوريا جبهة هضبة الجولان المحتلة، مما شل جهود إسرائيل في الدفاع.

استمرت الحرب 18 يومًا، كانت الأيام الأولى الأكثر إنجازًا، حيث حطمت القوات المصري خط برليف، وعبرت قناة السويس بنجاح وتوغلت 20 كم شرقًا داخل سيناء، فيما وضعت القوات السورية قبضتها على جزء من هضبة الجولان وصولًا إلى سهل الحولة وبحيرة طبريا.

ورغم الدعم الغربي لإسرائيل، استطاعت مصر وسوريا وفلسطين التفوق على إسرائيل، فقد دعمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سبل دعم لحلفائهما، فزودت الولايات المتحدة إسرائيل بجسر جوي نقل 27895 طنًا من المعونة، وأرسل الاتحاد السوفيتي أيضًا إمدادات جوية إلى مصر وسوريا بلغت 15000 طن، و63،000 طنًا من الأسلحة بحريًا وصلت قبل وقف إطلاق النار ونقل أكثرها إلى سوريا.

وفي نهاية يوم 24 أكتوبر، سرى اتفاق لوقف نهائي للقتال بين الأطراف المتقاتلة، سعت إليه الولايات المتحدة، ولكنه لم يدخل حيز التنفيذ على الجبهة المصرية فعليًّا حتى 28 أكتوبر، حيث استعادت مصر جزء كبير من سيناء، وعادت إليها الأجزاء المحتلة الأخرى 1982 بعد اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل في 26 مارس 1979، ما عدا طابا التي تم تحريرها عن طريق التحكيم الدولي في 1989.

بالرغم من عدم معرفة الدول العربية بالموعد الدقيق لبدء الهجوم على "الجيش" الإسرائيلي، فما إن اندلعت الحرب حتى بدأت الدول العربية في تقديم الدعم والمساندة، نتيجةً لعوامل عديدة، منها: الرغبة المشتركة في استرداد الأراضي العربية المحتلة بين عامي 1967 و1970. وقد أدّت هذه الحرب إلى تأزيم الاقتصاد الإسرائيلي، وزيادة الدعم الشعبي لفكرة استعادة الأراضي العربية المحتلة، وكذلك التقارب بين سوريا ومصر البلدين الحليفين التاريخيين في مواجهة "إسرائيل" لتحقيق نصرٍ عربي.

وكان الرئيس المصري أنور السادات قد سعى من دون جدوى لتحريك عملية سلمية عربية - إسرائيلية قبل الحرب، وطرح مبادرات مختلفة من ضمنها، فتح قناة السويس لمرور السفن المدنية في حال انسحاب القوات الإسرائيلية 50 كيلومتراً شرقاً، وأوفد مستشاره للأمن القومي حافظ إسماعيل لمقابلة هنري كيسنجر سراً في باريس ونيويورك عام 1973، إلا أن الجانبين الإسرائيلي والأميركي لم يأخذا المبادرة بجدية لشكهم في قدرة مصر والعالم العربي على تحريك الأمور، بخاصة بعد أن طلب السادات من الخبراء الروس مغادرة البلاد قبل ذلك بعام، مما خلق توتراً بينه وبين القيادات الروسية المورد الرئيس للسلاح المصري. وتقتضي الأمانة الاعتراف أيضاً بأن الشك في إمكان تحريك الجبهة لم يكن شعوراً بعيداً مني وأنا في السنة النهائية من دراستي الجامعية، أو من غالبية الشعب المصري بمختلف فئاته، الذي كان لا يزال متأثراً بتداعيات شعبية ومعنوية قاصية لحرب 1967، على رغم الجهود الذي بذلت والتضحيات في حرب الاستنزاف، بل إنه كان شعوراً سائداً ومنتشراً إقليمياً ودولياً.

حرب أكتوبر كانت عملاً عسكرياً مبدعاً بغرض بدء عملية سلام تفاوضية، وأول خطوة في عملية السلام كانت أول طلقة نيران عسكرية، وأول قفزة لجندي مصري لعبور قناة السويس، وذلك ليس كلاماً مرسلاً أو عاطفياً، لأن بدء المفاوضات المجدية يتطلب إقناع الطرف الآخر بأن مغبة عدم التفاوض أصعب وأكثر بكثير من الشروع في هذا الجهد، وهو ما نجحت فيه القوات المسلحة المصرية.

وبعد خمسين عاما، وبحلول اليوبيل الذهبي لحرب مصر والعرب المجيدة في 6 أكتوبر 1973، كان انتصار أكتوبر المصري والسوري المدعوم بقوة وإصرار من كل الأشقاء العرب حينها، هو الأول من نوعه في هذا السياق التاريخي العسكري والسياسي الطويل والموجع، وأكد علي قدرة الأمة العربية وقوة جيوشها، وخصوصاً الجيش المصري.

والحقيقة أن مرور تلك الأعوام الخمسين على هذه الحرب المجيدة يمكن النظر إليه أيضاً من زاوية أخرى مهمة تتعلق بالتاريخ المصري الحديث، وتربطها بمفاصل حاسمة فيه، وتجعل هذا الانتصار يكتب في تاريخها ولا ينسهاه العالم .