رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د. عبد الحفيظ محبوب يكتب: هل لإيران حقوقًا تاريخية في حقل الدرة؟

نشر
الأمصار

لم تكن هناك حدود ثابتة في شبه الجزيرة العربية في مطلع القرن العشرين، فيما كانت الحدود مفتوحة، وتسيطر على المنطقة الدولة العثمانية وبريطانيا قبل أن يضم الملك عبد العزيز المنطقة الشرقية من الدولة العثمانية عام 1913، بالطبع لم تتدخل بريطانيا لأنها كانت في صراع مع الدولة العثمانية، لكن هناك اتفاقيتان حدثت في رسم حدود السعودية الناشئة كما في اتفاقيتي المحمرة وبرتوكولات العقير في عام 1922 بين السعودية والكويت والعراق، ولم تكن إيران ممثلة في هاتين الاتفاقيتين، أيضا كانت الكويت والعراق مستعمرتين من بريطانيا، ومثلهما المندوب البريطاني السير بيرسي كوكس، ومثل الملك عبد العزيز في اتفاقية المحمرة أحمد الثنيان، لكن في اتفاقية العقير مثل السعودية الملك عبد العزيز رحمه الله.

يعود الخلاف مع إيران إلى عام 1967 في زمن الشاه بعد اكتشاف الحقل، وعندما اتجهت إيران في 2001 إلى التنقيب في الحقل جعل السعودية والكويت يتجهان إلى إبرام اتفاقية بشأن الحدود البحرية بينهما، وتم الاتفاق بين البلدين أن يضفى على جزيرتي قارة وأم المرادحة نفس المنطقة المقسومة على اليابسة مقسومة من حيث السيادة ومن حيث الثروة لتكون مشتركة بالمناصفة.

يحتوي حقل الدرة الذي تسميه إيران بحقل أرش نحو 220 مليار متر مكعب من الغاز، إضافة إلى نحو أكثر من 300 مليون برميل من النفط الخام، جعل الكويت تعلن رسميا رفضها الادعاءات والإجراءات الإيرانية المزمع إقامتها حول حقل الدرة الغني بالغاز، وتطالب إيران برسم الحدود البحرية، فالكويت والسعودية متفقتان كطرف تفاوضي واحد باعتبار أن حقل الدرة يقع في المياه البحرية الكويتية، حيث وقعت الكويت والسعودية في 21 مارس لتطوير حقل الدرة لإنتاج مليار قدم مكعبة قياسية من الغاز الطبيعي يوميا و84 ألف برميل من المكثفات يتقاسمها البلدان.

وقع الاتفاق وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، ومن الجانب الكويتي محمد الفارس، وفي 13 أبريل 2022 دعتا الدولتان السعودية والكويت إيران إلى التفاوض مع الكويت والسعودية كطرف تفاوضي واحد حول تعين الحد الشرقي من المنطقة المغمورة المقسومة، لكن في 28 مارس 2023 أعلن وزير النفط الإيراني جواد أوجي القيام بعمليات حفر في الحقل المغمور أرش، باعتبار أن هناك أجزاء من الحقل في نطاق المياه غير المحددة بين إيران والكويت.

اعتبر خطيب زادة أن اتفاق الرياض والكويت خطوة غير قانونية ومناقضة للأعراف الجارية، وأعلن عن استعداد بلاده للدخول في مفاوضات مع الكويت والسعودية حول كيفية الاستثمار من هذا الحقل المشترك، وبالتزامن مع ذلك مواصلة المفاوضات الثنائية مع الكويت في إطار نتائج المفاوضات السابقة معها حول تحديد حدود الجرف القاري.

وفي 29 مارس بعد يوم من تصريح وزير النفط الإيراني أكد وزير خارجية الكويت آنذاك أحمد ناصر الصالح أن إيران ليست طرفا في حقل الدرة، وفي 4/7/2023 دعا نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير النفط الكويتي سعد البراك إيران إلى الالتزام أولا بترسيم الحدود الدولية البحرية قبل أن يكون لها أي حق في حقل الدرة، وسبق في 13 أبريل 2022 أن وجهت السعودية والكويت في بيان مشترك صدر عن وزارتي الخارجية في كلا البلدين دعوتهما الحكومة الإيرانية لعقد مفاوضات مع الدولتين الخليجيتين كطرف تفاوضي واحد حول تعيين الحد الشرقي من المنطقة المغمورة المقسومة، وأكد البلدان حقهما في استغلال الثروات الطبيعية في حقل الدرة وفق المذكرة الموقعة بينهما في 24 ديسمبر 2019، وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في استغلال الحقل في 21 مارس 2022.

حيث تبعد الكويت عن إيران 200 كيلو مترا، وعرض البحر الإقليمي الاقتصادي 12 ميلا من خطوط القاعدة في البر الرئيسي والجزر الكويتية، وفق قانون البحار في 1982، والجرف القاري للكويت الذي هو الامتداد للكتلة البرية المغمورة للساحل الكويتي، يمكن أن يمتد حتى عمق 200 مترا وفق المادة 76 من قانون البحار الذي يسمح باستغلال الموارد، كما أن إيران تمتلك ثاني احتياطي من الغاز بنحو 32 تريليون متر مكعب بعد روسيا التي تمتلك نحو 38 تريليون متر مكعب ثم قطر بنحو 24.7، تركمنستان بنحو 19.5، أمريكا بنحو 13، السعودية 9.3، نيجيريا بنحو 5.8، فنزويلا بنحو 5.5 تريليون متر مكعب، فلا يمثل حقل الدرة بالنسبة لاحتياطيات إيران الضخمة وثاني احتياطي دولي لكنها قد تستخدمه ورقة سياسية م نأجل الحصول على تنازلات في ملفات سياسية أخرى وعلى رأسها الملف النووي.
فالسعودية والكويت يريان أن ادعاءات إيران التاريخية باطلة، رغم ذلك تعلن طهران استعدادها للتفاوض بعد توقف المفاوضات لأكثر من عشر سنوات، لكنها مطالبة بترسيم الجرف القاري، حسب المفاهيم والتقاليد، وفي إطار من القوانين الدولية، تحت مظلة الأمم المتحدة، أو بوجود طرف محايد من الدول الكبرى، وبشكل خاص الصين التي رعت اتفاق الصلح بين السعودية وإيران التي هي محل ثقة من قبل الجانبين، وتقيم علاقات استثمارية مع دول المنطقة، وعلاقات تجارية طويلة الأمد مع طهران والسعودية وبقية دول المنطقة.

تتميز السعودية بالحكمة وبعد النظر والتريث، وفي نفس الوقت البراعة في صناعة القرار، خصوصا وأن أمريكا وإسرائيل يراهنان على فشل المصالحة بين الرياض وطهران، خصوصا وأن إيران بدأت تقيم علاقات مع مصر ومع بقية الدول العربية ولن تضحي بها.