رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

علي أركان يكتب: الأصول العراقية في الحضارة الفارسية

نشر
الأمصار

الحضارة الفارسية اسم رنان في التاريخ أو هذا ما صور لنا بفعل الحركة القومية الفارسية التي ظهرت مع تولي رضا شاه بهلوي عرش إيران 
حسنا حديثنا ليس عن بهلوي أو القومية الفارسية لكن عن ما يسمى الحضارة الفارسية هل هي حضارة أصيلة قدمت وانجزت وابدعت أم أنها ليست سوى تقليد من حضارة بلاد الرافدين كما يرى الكثيرون لكن قبل أن أبدأ بالحديث عن هذا الموضوع علينا أول إيضاح أمرين.

أولا
يجب أن أبين مفهوم الحضارات الأصلية والحضارات المكتسبة

ثانياً
علينا أن نعرف متى بدات حضارة الفرس حقا ومتى دخلوا منطقة الشرق

في البداية
الحضارات الأصلية أو الأصلية: هي الحضارات التي خرجت من رحم عصور ما قبل التاريخ والثقافات البشرية غير الكتابية وعددها ستة فقط
بلاد الرافدين – مصر – الهند – الصين – المينوية في كريت – الأمريكية القديمة مثل المايا 
أما الحضارات المكتسبة : فهي الحضارات التي خرجت من رحم حضارات أخرى
وتعتبر الحضارة الفارسية حضارة مكتسبة من حضارة بلاد الرافدين
السؤال متى بدات الحضارات الإيرانية أو الفارسية هل فعلاً من عيلام وهل عيلام فارسية ؟ 

الجواب لا عيلام أو إيلام ليست فارسية ولا تمد للفارسية بصله في تحديد جغرافية بلاد عيلام. تمثل سهول بلاد عيلام  امتداداً طبيعياً للسهل الرسوبي لبلاد الرافدين، وقد تحكم هذا الموقع الجغرافي بالمسار التاريخي للمنطقتين في مختلف العصور. وحسب المصطلحات الحديثة فإن بلاد عيلام تطابق تقريباً إقليم عربستان و لورستان
‏وكما نعلم أن مناطق عربستان ولورستان ليست اراضي إيرانية الأصل بل هي امتداد طبيعي للسهل الرسوبي في العراق وقد تم احتلالها من قبل رضا شاه بهلوي إبان انتهاء الحرب العالمية الأولى بدعم بريطانيا حيث تم اسقاط الدولة الكعبية وسجن أميرها خزعل الكعبي حتى مقتله عام 1936
كما أنه يكتنف الغموض أصل العيلاميين، ومن الصعوبة إيجاد صلة لهم بالأقوام الإيرانية التي قدمت إلى المنطقة في مطلع الألف الأولى قبل الميلاد، ومنهم الميديون والفرس، ذلك أنهم قد سبقوا تلك الأقوام بما يقرب الألفي عام. ومما يمكن قوله في ضوء الدليل الكتابي الذي تقدمه النصوص المسمارية القديمة، إن العيلاميين كانوا يؤلفون الغالبية الواضحة من سكان الإقليم منذ نحو2600 ق.م وهناك باحثون يذهبون إلى وجود صلة مع بالأقوام الجبلية القديمة ومن تلك الأقوام اللولوبيون والكوتيون والكاشيونأما من ناحية لغة الكتابة والثقافة والعمران والدين كانت عيلام نسخه من امتدادها الثقافي في بلاد الرافدين حيث أنها كتبت ودونت بالخط المسماري السومري حتى ان معابد بلاد عيلام والهتها يشبه معابد الزقورة في العراق
أما الفرس
ظهر الفرس في منطقة صغيرة في إيران الحالية على شكل قبائل رحل ويحتمل أن اسم «الفرس» مشتق من اسم احدى قبائلهم ولم يعرفوا الكتابة يومها وقد سميت مناطقهم بـ «بارسوا» ونظرا لظهور هذه الأسماء في مرحلة متأخرة فأن هذا يعطي الأنطباع بأنهم قد سكنوها حديثا بعد قدومهم من مناطق في الشرق.  كانت بدايتهم كالإمبراطورية عندما 
بدأ كورش الكبير زعيم إحدى هذه القبائل- بهزيمة الممالك المجاورة، وكان بينها ممالك ميديا وليديا وبابل، ثم ضمهم جميعًا تحت حكم واحد، فأسس الإمبراطورية الفارسية الأولى والمعروفة بالإمبراطورية الأخمينية عام 550 قبل الميلاد 
من هنا بدانا نلحظ تاريخاً فارسيا حقيقياً لكن أي تاريخ نسخة طبق الأصل من بابل واشور بكل جوانبه

حيث يقول العلامة الراحل طه باقر في الصفحة 585 من كتابة مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة

"بعد سقوط الامبراطورية الاشورية في العراق انتهت تسمية الآشوريين إلى الأبد بعد ان تفرقوا واختلطوا بالشعوب المجاورة، فاستخدم الفرس الآخمينيين الكثير من الحرف والمهن والفنانين الآشوريين في تشييد مدنهم وتجميل قصورهم، وأخذت عنهم الأقوام الأخرى عناصر مهمة من النظم العسكرية والإدارية والسياسية ولعل أبرز من اخذ عنهم الدولة البابلية الأخيرة ، اي سلالة نبوبلاصر وابنه نبوخذنصر واقتبست الإمبراطورية الفارسية الأخمينية الشيء الكثير من التنظيمات الإدارية والعسكرية"

الجانب الكتابي
على الجانب الكتابي فلم تكن للفرس أي خط لغوي مستقل كما المسمارية العراقية أو الهيروغليفية المصرية
بالأساس لم يهتم الفرس إلى القراءة والكتابة على اعتبارهم شعوب رعوية بدائية في أصولهم وقد يكون هذا السبب لاعتماد كورش الكبير على الكتبة من بابل ليكونوا لسان فارس أمام العالم والأجيال االقادمة ولذلك نرى أن الفارسية اعتمدت على الخط المسماري العراقي في كتابة تاريخها وتعد اسطوانه كورش الكبير من القرن السادس قبل الميلاد خير مثال هذا الاقتباس الواضح من بابل واشور

الجانب الحربي

لم يعرف الفرس من فنون القتال سوى الفروسية التي كانت مفيدة فقط كوسيلة للغارات ضد القرى والقوافل وهذا اسلوب بدائي جدا تشاركهم فيه الكثير من القبائل البدائية في آسيا وأشهرها القبائل التركية التي استمرت في هذا حتى العصور الوسطى. وكان الحل الذي لجأوا إليه هو توضيف ما تبقى من الجيش الآشوري ليكون القوة الضاربة لجيشهم وبشكل خاص المشاة كما قاموا بتقليد بقية التنظيمات العسكرية الآشورية وبهذا الجيش غزا الفرس بقية

الجانب الفني
أهم رمز فني في الحضارة الفارسية هو الثور المجنح والذي كان تقليدا للثور المجنح الآشوري الشهير والموجود حاليا في المتحف البريطاني

الجانب العمراني
وكان الحال نفسه بالنسبة للمدن، فقد بنى الفرس مدنهم على النمط الآشوري حتى أنهم قلدوهم في حبهم للحدائق إلا انهم لم يتمكنوا أبدا من بناء أي شيء مشابه للجنائن المعلقة التي بناها الملك البابلي نبوخذنصر الثاني ( حسب ادعاء مؤرخي اليونان)

السجاد
اقدم دليل على صناعة السجاد كأن من الحضارة الاشورية و نرى ذلك بوضوح في المتحف البريطاني الذي يحتوي على نقوش آشورية تظهر السجاد فعليه أن الفرس قد اقتبسوا أو أخذوها طريقة صناعة السجاد من الآشوريين

المكتبة الفارسية 
أدعى بعض المؤرخين بامتلاك الفرس لمكتبات لم يتم العثور عليها ابدا وحسب وصفهم فأنها شبيهة جدا بمكتبة الملك الآشوري آشور بانيبال لكن لم يتم العثور على أي مكتبة فارسية أو كتابات أدبية تعود إلى عصور الفارسية الاولى ولذلك يبقى مجرد ادعاء

البروتوكولات الملكية
اقتبس الفرس أساليب وتقاليد الأسلوب الملكي من ملوك آشور في العراق فإذا ما شاهدنا ملوك فارس لا نرى أمامنا إلا ملك فارسي يطبق ما تعلمه من الجداريات الآشورية
فتارى نرى ملك فارس يصارع الاسود كملوك آشور
أو يجلس كما يجلس سنحاريب الملك الآشوري في جداريته المعروفة عند احتلال لجيش
أول يظهر ملك فارس وهو يمسك عصا طويلة متشبها بجدارية الملك الآشوري شلمنصر الخامس وسرجون الثاني من القرن السابع قبل الميلاد

شعار الديانة الزرداشتية
كان الرمز الديني الذي تبناه الفرس لهذه الديانة آشوريا فقد اقتبس من القوس المجنح الآشوري الذي يظهر الاله آشور رجلا مجنحا

سلطة الملك الفارسي

لم يكن الملك الفارسي إلها أو كاهنا الا انه كان ممثل الآلهة على الأرض وبذلك فإن رجال الدين خاضعين لسلطة الملك وليس العكس 
وهي نفس الفكرة التي كانت سائدة في الحضارة العراقية بالقول إن الملك ليس إلها بل هو وكيل الآلهة على الشعب والدولة

وفي الختام اتمنى ان اكون قد وفقت في إعطاء نبذه مختصره عن مدى تأثير الحضارة العراقية القديمة على الفرس