رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

بهاء خليل يكتب: مهنة الموت في العراق

نشر
الأمصار

لم يكن تقرير منظمة مراسلون بلا حدود عن وضع الصحفيين في العراق صادماً لأحد فقد اصبح الموت للصحفيين في العراق هو النهاية الأقرب لهم خلال مزاولتهم هذه المهنة المميتة ، فالأرقام لا تكذب والعدد الكبير من الصحفيين الذين يقتلون في العراق سنوياً اصبح ينذر بكارثة كونهم دائماً الحلقة الأضعف في حلقات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في غياب القوانين التي تضمن لهم الحماية الكاملة ، وبغياب هذه القوانين اصبح من السهل على الأطراف السياسية او الفاسدين التعامل معهم بلغة الرصاص وهي اللغة الأكثر استخداماً لمن هم في مواقع المسؤولية السياسية او المناصب العليا في الدولة . 

المعاناة تبدأ من الصفر 

سأسرد لكم في هذا المقال جزء مما يتعرض له أي صحفي في بداية مشواره في هذه المهنة المتعبة والخطيرة وأتحدث هنا عن تجربة شخصية امتدت 12 عاماً في هذا المجال قضيت ثلثيها وانا لاجئ في احدى الدول خوفاً على حياتي وحياة اسرتي من بطش النظام والتابعين له . 

أولى العقبات التي تواجه الصحفي هو غياب المؤسسات الإعلامية الرصينة التي يمكن لها ان تتبنى المواهب الصحفية والتي يملك اغلبها اشخاص مرتبطين بأحزاب السلطة او الأحزاب التي تحاول الوصول للسلطة ، مما يدفع الصحفي المبتدأ الى الدخول في دورات صحفية تنظمها مؤسسات إعلامية عربية او اجنبية كبيرة لضمان كسب الخبرة والشهادة التي تخول الصحفي العمل في مؤسسات غير عراقية ، وهذا يتطلب جهداً كبيرة وامكانية مادية لا يملكها اغلب الطامحين الى العمل في هذه المهنة . 

الامر الاخر هو صعوبة الانضمام للنقابة والتي تضع شروط للانضمام اليها قد تكون تعجيزية خصوصاً لمن هم خارج العراق او الذين وجدوا عمل صحفي في مؤسسات إعلامية عربية واجنبية لديها مكاتب في العراق وهذا من أتفه الشروط حيث تفرض النقابة ان يكون الصحفي المتقدم للعضوية عاملا في احدى المؤسسات الإعلامية العراقية حصراً كشرط للحصول على عضوية النقابة ! 

أنا شخصياً لم احصل حتى الان على حقي الطبيعي في الانضمام لنقابة الصحفيين رغم أني صحفي عامل منذ 12 عام في هذه المهنة لكني للأسف غير مطابق للشروط المجحفة التي وضعتها نقابة الصحفيين وهذا الامر يسبب الكثير من الحرج بالنسبة لي في التعامل مع المؤسسات الإعلامية العربية والدولية . 

وبالانتقال الان الى العمل الميداني وهو الأخطر على حياة الصحفيين في العراق ، حيث يتطلب التماس المباشر مع القوات الأمنية او مع حمايات المسؤولين او موظفي الدوائر الذين تتغير سحنة وجوههم لمجرد ان يعلموا أنك صحفي ، طبعاً هذا الكلام لا ينطبق على الصحفيين العاملين في احدى المؤسسات التي يملكها أحد حيتان الفساد او القادة السياسيين والذين أصبحوا أكثر من يمتلك قنوات ومؤسسات إعلامية في العراق . 

الضرب والسباب والشتائم التي يتعرض لها الصحفيين في العراق قد تكون هي ابسط ما يمكن ان يتعرضوا له خلال مزاولة عملهم لأنهم يعلمون جيداً ان الاعتقال واحد من التهديدات التي يمكن ان تواجه أي صحفي دون أوامر قضائية في العراق من قبل بعض العناصر التي غالبا ما تقول عنهم القوات الأمنية انهم غير منضبطين وتكتفي بأطلاق سراح الصحفي دون التفكير حتى بتقديم اعتذار لا للصحفي ولا للمؤسسة الإعلامية التي ينتمي اليها وشاهدنا الكثير من التجاوزات اثناء البث المباشر لبعض المراسلين اثناء تغطيتهم الإخبارية المباشرة . 

المرحلة الأخطر 

اما التهديد الأخطر فيتمثل في محاولة الحصول المعلومة او التعرض لقضايا الفساد المنتشرة في العراق او التطرق الى دور بعض الأشخاص الذين يعتبرون بالنسبة لشريحة معينة خط احمر ! وهذا ما قد يتسبب في إطلاق موجة كراهية ضد الصحفي قد تكلفه حياته ببساطة ، اما إذا تمكن بطريقة ما من كشف الحقيقة للجمهور فهنا عليه ان يضع حياته على كفه اثناء تنقله من مكان الى مكان حيث تكون المسدسات وسواق الدراجات الملثمين جاهزين لقتله كما حصل مع الشهيدين احمد عبد الصمد وصفاء غالي في البصرة .

ان استمرار غياب القوانين التي تحفظ حقوق الصحفيين يعرض حياتهم الى خطر حقيقي وسكوت السلطة التشريعية والقضائية عن الجرائم التي ترتكب بحق الصحفيين في العراق دفع الكثيرين الى التجاوز على حقوقهم وحياتهم دون خوف من العقاب او رادع ممكن ان يثني أي شخص فاسد عن التعرض لحياة الصحفيين وهنا يجب ان لا ننسى الدور السلبي الذي تقوم به نقابة الصحفيين من خلال تقاعسها عن أداء دورها الحقيقي في توفير الحماية الكاملة وحق الحصول على المعلومة للصحفيين وسكوتها المستمر إزاء ما يتعرض له الصحفيين في العراق . 

ما اختصرته هنا في هذه السطور القليلة جزء بسيط مما يمكن ان يواجه الصحفيين ولم اتطرق الى التهديدات التي تطال الصحفيين العاملين خارج العراق وكذلك الى عمليات التغييب المستمر للبعض والتحرش بالصحفيات والذي بلغ مستويات قياسية تعكس حالة الاستهتار بالصحفيين وحقوقهم في العراق . 

وهنا لا بد ان نتساءل : هل ما يحدث للصحفيين في العراق يمت للديمقراطية بصله ؟؟ 

هل يمكن لأي حكومة ان تدعي ان العراق بلد ديمقراطي في ظل هذا العدد الكبير من ضحايا العنف ضد الصحفيين في العراق ؟