رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د.عبدالحفيظ محبوب يكتب: ماذا بعد استئناف السعودية وإيران للعلاقات الدبلوماسية

نشر
الأمصار

( السعودية تقود تشكيل نظام إقليمي جديد) وفق بيان مشترك بين السعودية وإيران والصين في 10/3/2023 استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين التي استمرت بين 6 – 10 مارس 2023 في بكين مباحثات بين الجانبين بعد خمس جولات استكشافية أجريت في بغداد وسلطنة عمان خلال عامي 2021 و2022، باعتبار الصين الضامن لهذا الاتفاق خصوصا بعدما تم انتخاب الرئيس الصيني شي جين بينغ لولاية ثالثة بأغلبية كاسحة للمرة الأولى في الصين في مجلس النواب في ظل معترك دولي وإقليمي خطير في خطوة من شانها طي صفحة التوتر بين الجانبين بضمان أمن الخليج مع احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتفعيل اتفاقية التعاون والأمن الموقعة بينهما عام 2001، بجانب تفعيل اتفاقية التعاون في مجالا الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والرياضة وغيرها الموقعة عام 1998 من أجل بذل الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي.

رفضت السعودية بشدة منذ مجئ بايدن إلى البيت الأبيض إعادة تطبيق نموذج أوباما، ولم تكن السعودية كما كانت في زمن أوباما، بل أصبحت تمتلك العديد من الأوراق، فاستثمرت السعودية محاولة عزل البيت البيض في عهد بايدن السعودية، والانسحاب الجزئي من الشرق الأوسط، وسحب الباتريوت من السعودية، ورفع الحوثي من قائمة الإرهاب، وترك المنطقة عرضة لهجمات من مليشيات الحوثي المدعوم من الحرس الثوري الإيراني.

جعل السعودية تتجه نحو استدعاء الصين التي كانت تنتظر حصول مثل هذه الفرصة بفارغ الصبر، ولكن أيضا السعودية تودها هذه المرة الحضور كقوة موازنة لقوة الولايات المتحدة في المنطقة، وليس فقط شريك تجاري، خصوصا وأن الصين تستثمر في أفريقيا 254 مليار دولار، والسعودية طريق بين الشرق وأفريقيا وأوروبا لتحقيق أكبر مشروع تاريخي لتحقيق الصين عالم متعدد الأقطاب، فيما استثمارات الولايات المتحدة لا تتجاوز في 45 دولة في أفريقيا بقيمة تقدر ب50 مليار دولار ل800 صفقة تجارية واستثمارات ثنائية الاتجاه. 
العلاقة مع الصين ليست عاطفية، كذلك ليست هي بديلا عن أمريكا، لكن الصين بحاجة إلى النفط والغاز الخليجي، تضطر إلى حماية طريق تجارتها ومناطق البترول كما فعل من قبل البرتغاليون لحماية طرق التجارة ومن بعدهم الإنجليز ثم الأمريكان، وهذا لا يعني أن العلاقة مع الصين هي مرحلة بديلة عن العلاقة مع الولايات المتحدة، بل بالعكس السعودية هي ودول الخليج في أمس الحاجة إلى تنويع شراكاتها وبشكل خاص مع الولايات المتحدة التي لا تزال تظل القوة العالمية المهيمنة حتى الآن ولعقود قادمة.
منذ عهد أوباما الذي استخف بالعلاقات مع السعودية والمنطقة، إلى ترمب الذي حاول إعادة ترميم العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة التي تأثرت في عهد أوباما، لكن تلك العلاقة لم تستمر بمجئ بايدن الذي أراد أن يمزج بين نموذج أوباما ونموذج ترمب لتأطير العلاقات مع السعودية، لكن وجد السعودية قد تغيرت وأصبحت تصنع لنفسها دورا جيوسياسيا حيويا، وهي قائد عربي وإسلامي وقائد نفطي بلا منازع، وهي لا تود أن تستمر أن تقوم فقط بدور إطفاء حرائق أمريكا التي أشعلتها في المنطقة، حولت المنطقة إلى منطقة مضطربة ومشتعلة، من أجل مواصلة بيع السلاح لذلك لن تلجأ إلى القبول بحسم أي أزمة كما يحدث في اليمن، عندما رفعت الحوثي من قائمة الإرهاب، ومنعت دول التحالف من تحرير الحديدة.
بل ليس فقط الصين هي بحاجة إلى نفط الخليج، بل أيضا الولايات المتحدة بعدما كان إنتاجها من النفط نحو 15.3 مليون برميل يوميا عام 2018 انخفض في عهد بايدن الذي من المتوقع أن يرتفع إنتاج النفط 400 ألف برميل يوميا ليصل إلى 12.81 مليون برميل يوميا في 2024، ومن المتوقع أن يرتفع استهلاك الوقود بواقع 170 ألف برميل يوميا في 2023 وأن يزيد 190 ألف برميل يوميا إلى 20.63 مليون برميل يوميا في 2024، فهناك عجز يصل إلى نحو 8 ملايين برميل يوميا، وسيزداد مع الزمن حينما تنقص احتياطيات النفط وفي نفس الوقت عدم تحقق الوصول إلى مستهدفات الطاقة المتجددة.

ولمدة عقد من الزمان سيظل الطلب على نفط دول الخليج قائما، ليس فقط الولايات المتحدة والصين الذين هم بحاجة إلى نفط الخليج، بل كذلك أوروبا بعد الحرب الروسية في أوكرانيا وبشكل خاص بعدما توقفت واردات الغاز إلى ألمانيا 50 في المائة ثم توقف 20 في المائة إضافية، جعل ألمانيا تلجأ إلى دول الخليج والعراق لاستثمار حقوله البالغة احتياطياتها نحو 131 تريليون قدم مكعبة، وهي ثاني أكبر دولة في حرق الغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا، وبخسائر تقدر سنويا تقدرها الحكومة بنحو 6 مليارات دولار سنويا وفقا للبنك الدولي، وتضم 6 حقول في محافظات ديالي شرقا وميسان والبصرة.

فيما يعتمد العراق على ما يزيد من عقد ونصف على إيران كمورد للغاز الذي تبيعه بأسعار باهظة تفوق متسوط السعر العالمي أي يكلف نحو ملياري دولار سنويا، لتشغيل محطات الكهرباء، لذلك لجأ العراق إلى السعودية ودول الخليج ومصر للحصول على الكهرباء ريثما ينتج العراق الغاز بعد عقد جولة من التراخيص الخامسة التي وقعها العراق في 6 مارس 2023 الخاصة بالرقع والحقول الحدودية، فحرب أوكرانيا توجه بوصلة الطاقة العالمية إلى منطقة الخليج والشرق الأوسط، حتى أصبح غاز أوروبا يأتي حاليا من أمريكا وقطر ومصر، ريثما تنتج بقية الدول الأخرى مثل العراق ونيجيريا.
فيما ترسي أوبك بقيادة السعودية عوامل استقرار النفط في العالم، بل الحرب العالمية التجارية مؤجلة، فمعارك روسيا في أوكرانيا أجبرت الجميع على الصمت، فأمريكا تطيح بأبرز حلفائها الأوربيين بعدما أصبحت الولايات المتحدة سباقة في التنظيم في الآونة الأخيرة، خاصة في الصناعات القوية سياسيا مثل التكنولوجيا والأدوية والتمويل، رغم ذلك تطالب الولايات المتحدة أوروبا إلى قيادة حملة لتطويق وقمع الصين لوقف صعود الصين، في المقابل عززت الصين ميزانيتها الدفاعية وهي الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة بنحو 1555.7 مليار دولار، والقادة في الولايات المتحدة بحاجة إلى تجنب الوقوع في حرب مع الصين مباشرة لأنها لو وقعت لن تشبه أي شيء واجهته أميركا من قبل على الإطلاق، لأن الذاكرة الجمعية في الولايات المتحدة لا تزال حرب فيتنام ماثلة في الذاكرة الجماعية الأميركية، لأن الحروب الكبرى تغير تركيبة النظام العالمي، كما موازين القوى في العالم، لأن الإمبراطوريات تقوم على بعدي القوة والثروة، والثروة لتصرف على القوة، لكن مع الوقت تتآكل الثروة كما القوة وتسقط الإمبراطوريات، وتحل محلها إمبراطوريات أخرى. 

لذلك كانت من أهم نقاط بايدن عندما زار السعودية طالب بخفض التعاون مع الصين ورفع إنتاج النفط لمواجهة حرب روسيا في أوكرانيا، بالطبع السعودية تغيرت فهي ليست دولة وظيفية لأمريكا، فلم تستجب لمثل تلك الأوامر التي تتعارض مع مصالحها وكعادتها تقف على الحياد في الصراعات الدولية. 

تود السعودية تحويل الشرق الأوسط إلى أوروبا الجديدة، ولا يمكن أن تنهار العملة الإيرانية أكثر من 600 في المائة منذ عام 2018 أي وصل أكثر من 600 ألف تومان مقابل الدولار، وكذلك العملة التركية التي وصلت 20 ليرة تركية مقابل الدولار، وهو ما يفسر رفض السعودية ناتو عربي تشترك فيه مع إسرائيل لضرب إيران، لكن فضلت السعودية على تلك الحروب المباشرة التي تتسبب في فوضى إضافية تهدد النمو الاقتصادي وشراء أسلحة من الولايات المتحدة، استبدلتها باستخدام القوة الناعمة والدبلوماسية السعودية عبر رعاية التهدئة، لكنها لم تكن دبلوماسية مهرولة أو عبثية، بل اكتفت بمحادثات أمنية في بغداد وسلطنة عمان لمدة عامين، وعندما وجدت ضامن لعقد اتفاق بين الجانبين ووجدت في الصين القادرة على ضمان هذا الاتفاق لأن لديها مصلحة في استقرار المنطقة لتحقيق الحزام والطريق، وأيضا لدول المنطقة مصلحة مشتركة في المشاركة في هذا الطريق بما فيها إيران.

لذلك كان هناك ترحيب دولي حذر باستئناف السعودية وإيران للعلاقات الدبلوماسية، وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي أن السعودية أبقت واشنطن على اطلاع بشأن المحادثات التي عقد بعضها في بغداد وسلطنة عمان، موضحا أن الولايات المتحدة أيدت هذه العملية باعتبار انها تسعى لإنهاء الحرب في اليمن وما وصفه بالعدوان الإيراني، وأضاف السعوديون أبقونا بالفعل على الاطلاع بشأن هذه المحادثات التي كانوا يجرونها تماما مثلما نبلغهم بأنشطتنا، لكننا لم نشارك بصورة مباشرة، كما صرح كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية السيناتور جيم ريش عقب عودة العلاقات بين السعودية وإيران بقوله سياسات بايدن دفعت بشركائنا بعيدا عنا، وعززت نظرية الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط.

فيما نقل باراك رافيد مراسل الشؤون السياسية لموقع والا العبري عبر تغريدة على حسابه بموقع تويتر أن مسؤول إسرائيلي كبير قال في إيجاز مع المراسلين الذين سافروا مع رئيس الوزراء نتنياهو إلى روما إن الاتفاق بين السعودية وإيران هو نتيجة ضعف الولايات المتحدة والغرب والحكومة السابقة تجاه إيران، كما علق زعيم المعارضة يائير لبيد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق فشل كامل وخطير للسياسة الخارجية لحكومة نتنياهو، وهذا انهيار لجدار الدفاع الإقليمي الذي بدأنا ببنائه ضد إيران.

السعودية تؤسس لنظام إقليمي جديد، بعما ضرب المنطقة عام 1979 ثلاثة تحولات، اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، وقنبلة الخميني في إيران لتصدير الثورة إلى المنطقة العربية، ودخول السوفيتي إلى أفغانستان، لإقامة نظام شيوعي لتشكيل الجماعات الجهادية لمواجهة المد الشيوعي، وتشكيل مجلس التعاون الخليجي لمواجهة الثورة الخمينية، ومن رفضوا من العرب اتفاقية كامب ديفيد شهدوا اتفاقية وادي عربة، واتفاق أسلو، من أجل تشكيل الشرق الأوسط الكبير ثم الجديد مركزهما طهران وأنقرة، لكن باتفاق السعودية مع إيران بضمانة صينية أفشلت جميع المخططات السابقة، وتتجه نحو تشكيل نظام إقليمي جديد تحت مسمى الشرق الأوسط الأوروبي.