رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د. عبد الحفيظ محبوب يكتب: السعودية وسيطا نزيها مساهما في حل الأزمة الأوكرانية؟

نشر
الأمصار

تقود السعودية مرحلة تهدئة في الشرق الأوسط الملتهب، وترفض نقل معركة جديدة بين المنطقة وإيران للتقليل من حجم المعركة في أوكرانيا، هناك حراك صيني لوقف هذه الحرب باعتبار هذه الحرب في الأساس ذات تأثير على خط الحزام والطريق، لكن كان الضرر الأكبر على دول الناتو التي لا تقل تأثيرا على روسيا.


رغم ذلك لم يثق الغرب في بكين، ويعتبرها وسيطا غير نزيه في تلك الوساطة، فواشنطن تحذر بكين من دعم موسكو عسكريا، وبرلين تشكك في الخطة الصينية لوقف النار، يبقى خطر التصعيد النووي يحوم فوق رؤوس الجميع، مهما كانت المكاسب التي أرادت أمريكا من تحقيقها من هذه الحرب، لكن يمكن تشبيه هذه الحرب بالحرب في شبه الجزيرة الكورية عام 1950بعدما أقامت الصين والاتحاد السوفيتي إبرام معاهدة صداقة وتحالف بين الجانبين في 14 فبراير 1950.
 

وكعادة الولايات المتحدة التي دائما ما تثير الحروب جعلت الأمم المتحدة تصدر إشارات مضللة من خلال إعلان وزير الخارجية دين آتشيسون الشهير في 12 فبراير 1950 الذي استثنى كوريا من النطاق الدفاعي طمأنت ستالين وضللته في نفس الوقت في أنها لن تتدخل في كوريا إذا حدثت الحرب، كما حدث في احتلال صدام الكويت أعطته الولايات المتحدة إشارات إلى أنها لن تتدخل، فكأنه كان ضوء أخضر لستالين بالغزو كما هو ضوء أخضر لصدام حسين، فعندما تدخلت الولايات المتحدة تحت سقف الأمم المتحدة حث ستالين الصين على المشاركة، كما اليوم يحث بوتين الصين في المشاركة، بل يعتبر بوتين لقاء فبراير 2020 مع الرئيس الصيني موافقة على الدخول في هذه الحرب.


اعتبر الغرب أن تدخل الصين بالتسوية هي تغطية على دعم بويتن، بل تنظر الصين إلى مغامرة بوتين غير المحسوبة بشكل إيجابي، رغم أن شي جينبينغ على عكس ستالين لا يود رؤية هذه الحرب مستمرة إلى الأبد، لأنه تؤثر على خططها الاقتصادية وبشكل خاص على الحزام والطريق، وهو ما شجعت الولايات المتحدة هذه الحرب لتؤثر على الحزام والطريق.
 

لذلك تتجه الصين فقط إلى تجميد الصراع، لوقف حرب استنزاف الجميع فيها خاسر، لكن في نفس الوقت كشف مسؤولون أمريكيون أن الصين تدرس ما إذا كانت ستزود روسيا بالأسلحة لدعم حربها المتعثرة في أوكرانيا، وهو ما جعل وزير خارجية أميركا بلينكن في مقابلة مع شبكة سي بي إس نيوز تحذيره الوزير الصيني في البحث بجدية عن إمداد روسيا بالأسلحة، وانتهى الاجتماع دون وجود أي أرضية مشتركة، وقد تتوقف الصين عن سياسة ضبط النفس السابقة التي اعتمدتها تجاه إمداد روسيا بالأسلحة، كما أن مساعي الصين للتقرب من أوروبا تصطدم بجدار روسي.


كما أن الصين قلقة من تهديد الرئيس الروسي بوتين باستخدام القوة النووية، وعدت تلك المخاوف المجال الوحيد المشترك بين الصين والغرب، فيما يتعلق بروسيا خلال اجتماعات ميونيخ، وبعد عام من الحرب مزيد من الاستقطاب والاستنزاف، فزلينسكي مصمم على أن أوكرانيا ستنتصر وبوتين يلوح بالنووي، فهناك تساؤلات حول مآلات الدعم لأوكرانيا، في ظل الدور المشلول لمجلس الأمن، فآفاق الحرب الروسية الأوكرانية لا تزال تتسع ونهايتها غامضة، والكرملين أمام انتصار بعيد، وهزيمة مستحيلة.
 

ما جعل الدوما يقر قانون تعليق مشاركة روسيا في معاهدة الأسلحة الهجومية، فيما يرى بايدن قرار انسحاب بوتين من المعاهدة النووية ستارت الجديدة خطأ جسيما، وهذا القرار أتى بعد اجتماع بايدن مع زعماء أوروبا الشرقية التسع في بوخارست في حلف شمال الأطلسي بعد زيارته كييف وبولندا ووعد بالدفاع عن كل بوصة من الناتو للدول ال30، وسيتم تفعيل المادة الخامسة من معاهدة الحلف باعتبارهم الدفاع الأمامي للحلف الجماعي.
 

أكد ذلك أمين الحلف ستولتنبرغ أن بايدن لا يحضر للسلم بل يعد للحرب، كذلك يسعى بلينكن وزير خارجية أمريكا يقوم بزيارة إلى آسيا الوسطى القلقة من آثار الحرب في أوكراينا لطمأنة دولها، وفي نفس الوقت لتعزيز الوجود الأميركي، حيث تسببت الحرب تكبد الاقتصاد العالمي خسائر تقدر بنحو 1.6 تريليون دولار خلال عام 2022، فيما تراجع الناتج الروسي 2.1 في المائة فقط، رغم ضخامة العقوبات الغربية على روسيا.
 

يعيد إلى ذاكرتهم عندما دعم ماوت سي ستالين تحقق منذ عام واحد وحققت انتصارات مبهرة أربكت حسابات واشنطن، وبالفعل تم تحرير شمال كوريا دفع قوات الأمم المتحدة التي تقودها الولايات المتحدة نحو جنوب خط 38 وأعادوا الاستيلاء على سيول، رغم ذلك حقق الأمريكيون اختراقات، لكنها لم تكن إنجاز كبير، وتحولت الحرب إلى مرحلة جمود فقط بنهاية 1951 ظلت جامدة لمدة عامين لم يحقق أي طرف مكاسب على حساب الآخر، وبعد وفاة ستالين عام 1953 أعاد القادة السوفيتين النظر في المغامرة غير المحسوبة، وتم تشجيع عقد هدنة لوقف النار في قرية بانمنجوم في يوليو 1953، ولا تزال الحرب مجمدة، ولم يكن هناك تسوية حتى الآن، ولا زالت كوريا الشمالية النووية تحظى بدعم الصين وروسيا حتى اليوم.
 

تعتبر السعودية وسيطا نزيها باعتبارها لم تصطف إلى أي طرف، بل صوتت في مجلس الأمن ضد الحرب في أوكرانيا، وفي زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى كييف في 26 فبراير 2023 دعم السعودية للجهود الدولية الرامية لحل الأزمة الأوكرانية – الروسية سياسيا، ومواصلة مساعيها للإسهام في تخفيف الآثار الإنسانية الناجمة عنها، بعدما قدمت حزمة مساعدات ب400 مليون دولار، بجانب تعاون مشترك لتقديم مساعدات إنسانية لأوكرانيا بقيمة 100 مليون دولار، وتتضمن مذكرة التفاهم تمويل مشتقات نفطية 300 مليون دولار كمنحة مقدمة من السعودية من خلال الصندوق السعودي للتنمية لصالح أوكرانيا، تدعم السعودية الحلول السياسية التفاوضية وكل ما يقود إلى حل الأزمة سياسيا.
 

باريس وبرلين قلقتان من أن تنتهي الحرب في أوكرانيا بهيمنة الولايات المتحدة اقتصاديا وإضعاف الاتحاد الأوروبي، أيضا أساءت روسيا تقدير موقف برلين التي فاجأت بوتين بتغيير سياستها تماما ونجاحها في فك ارتباطها بالطاقة الروسية، فمغامرة بوتين في أوكرانيا أمام الامتحان، فأن تدخل الحرب بثقة زائدة متجاهلا الكثير من متطلبات النجاح لهو أمر قاتل، وأن تدخل الحرب ومفتاح نجاحها بيد الأعداء لهو أمر يعكس السطحية الاستراتيجية للمخططين.

ملحوظة..
"المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة يعبر عن وجهة نظر الموقع"