رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د. عبد الحفيظ محبوب يكتب: السعودية ترفض إشعال المنطقة في حروب جديدة

نشر
الأمصار

تتابع السعودية بقلق التطورات المتسارعة في المنطقة باعتبارها أكبر دولة في المنطقة، وهي التي أنقذت البحرين ومصر من الانهيار، ودخلت اليمن لوقف تمدد النفوذ الإيراني في ممرات البحر الأحمر، وأقامت تحالفات عسكرية، وأخرى عربية لدول الاعتدال، وبشكل خاص تحالف مع دولة الامارات ثاني أكبر اقتصاد عربي، ورعت مصالحات خليجية لتعزيز الوحدة الخليجية، وحاولت إعادة العراق إلى حاضنته العربية، وكذلك تحقيق تقارب مع تركيا، ولا تود السعودية مزيدا من التوترات وإشعال المنطقة بمزيد من بؤر الصراع، وهي كما تقود مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة أيضا ترعى بوادر تهدئة من أجل دخول المنطقة في مرحلة جديدة من النمو والتنمية وتحقيق طموحات رؤية السعودية 2030 في تحول الشرق الأوسط إلى شرق أوسط أوروبي.
منذ زيارة بايدن إلى إسرائيل ثم إلى السعودية رفضت السعودية عرضا مقدم من إسرائيل عبر بايدن في إقامة ناتو عربي تشارك فيه إسرائيل لضرب إيران بسبب أن إسرائيل تود أن تلتف على تطبيع السعودية معها التي تشترط السعودية على إسرائيل بتطبيق المبادرة العربية التي رعتها السعودية في بيروت 2002 وأصبحت مبادرة عربية بإقامة دولتين بجوار بعضهما يتعايشان، وهذا يعتبر تنازلا عربيا وفق السياسة الواقعية التي لا تعترف بها التيارات الإسلامية وخصوصا الحركية.
تابعت السعودية إطلاق إسرائيل مع الولايات المتحدة أكبر مناورة عسكرية مشتركة في 23 يناير 2023  وسط توترات متصاعدة مع إيران استثمرت إسرائيل تورط إيران في الاشتراك في الحرب الأوكرانية الذي لم يغضب فقط الولايات المتحدة بل حتى الغرب الذي كان يهادن إيران من أجل الحصول على الغاز الإيراني والتخلص من الاحتكار الروسي الذي يطوق أوروبا ويتحكم بها، ما جعلها تتجه نحو العرب دول الخليج والعراق ومصر والجزائر وليبيا إلى جانب إقامة مشاريع مستقبلية من نيجيريا وغيرها.
أرسلت المناورة المشتركة لإيران لإحباط جهود إيران في امتلاك أسلحة نووية خصوصا بعد زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إلى إسرائيل تبعه زيارة رئيس الاستخبارات الأمريكية وليم بيرنز، ومثل هذه التدريبات التي عادة ما تستغرق عاما أو أكثر من التخطيط، لكن التدريبات تمت في غضون شهرين، وحسب مسؤول دفاعي أميركي كبير إن ما يقرب من 6500 جندي أمريكي شاركوا في التدريبات بالإضافة إلى 1100 جندي إسرائيلي، وشاركت مجموعة حاملة الطائرات جورج بوش بما في ذلك الفضاء والحرب الإلكترونية، وصرح قائد القوات المركزية الأمريكية الجنرال مايك إريك كوريلا إن الدروس المستفادة من هذه التدريبات قابلة للتصدير لشركائنا في جميع أنحاء المنطقة.
سبق أن عقدت مناورات بين الجانبين في نوفمبر 2022 التي كانت محاكاة لسيناريو عملياتي بعيد المدى ورحلات جوية طويلة المدى في إشارة إلى إيران، رغم أن إدارة بايدن فضلت حلا دبلوماسيا بشأن إحياء الاتفاق النووي الإيراني المعروفة رسميا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة توقفت، حتى أن خبير أمريكي من معهد واشنطن ديفيد ماكوفسكي علق بقوله أنه يبدو وكأنهم يغرقون المنطقة، وهذا ما تحذر منه السعودية تماما ورفضت كل محاولات إسرائيل المشاركة معها في أي حرب تشعل المنطقة ضد إيران، رغم أن السعودية في مواجهة النفوذ الإيراني، ولكن بأدوات غير الحرب المباشرة، بينما مشاركة الولايات المتحدة فهي دولة بعيدة عن منطقتنا، ولم تدافع عن منطقتنا بعد الضربات التي تعرضت لشريان النفط العالمي عندما تم ضرب منشآت أرامكو في 2019.
رغم أن بلينكن يقوم بجولته الرابعة للمنطقة ولم يزور السعودية ودولة الإمارات، رغم امتداح العلاقة بين البلدين، ويؤكد على التزام بلاده بتعميق العلاقات الثنائية والعلاقات بين الشعوب وتعزيز حقوق الإنسان وتقوية الأمن الإقليمي والعالمي، لكن تزامن معها تهور شديد ومفاجئ في الوضع الأمني بين الإسرائليين والفلسطينيين، ودور بلينكن خفض التصعيد لتفادي تكرار مايو 2021 التي في غزة، وأكد بلينكن على ضرورة الحفاظ على الوضع القائم التاريخي لباحة المسجد الأقصى في القدس الشرقية، بعدما قام وزير الأمن إيتمار بن غفير أحد أبرز وجوه اليمين المتطرف الإسرائيلي أثار موجة تنديد دولية بدخوله باحة المسجد الأقصى في مطلع يناير 2023.
يبدو ان إيران ورطت نفسها في حرب أوكرانيا ولم تحسب العواقب بل ظنت أنها تعاقب الغرب بل هي فرصة لروسيا لمثل هذا الصراع الذي يصب في صالحها حتى لا تقدم مزيدا من التنازلات لإيران مقابل تسليمها مثل هذه المسيرات التي ستقوم روسيا بتصنيعها محليا ولن تحتاج إلى مزيد من هذه المسيرات، عندما سلمت طائرات مسيرة لروسيا غيرت مجرى الحرب في أوكرانيا لصالح روسيا، وغيرت من مسار التخطيط الغربي في وقف الهجمات الروسية، كذلك حادثة السفارة الأذربيجانية.
ما يعني أننا أمام مرحلة جديدة من العلاقات الإيرانية الأوربية بعد المهادنة التي اتبعتها وكانت وسيطا بين إيران والولايات المتحدة، وبدأت تعاني إيران أكبر اختراق أمني منذ عام 1979 لكبرى القيادات الإيرانية وعلى رأسهم علي أكبري لارجاني واغتيال العالم النووي موسى فخري في 2020 وحسن صياد في الحرس الثوري الإيراني في 2022، ومنشأة ناطنز عام 2021، وسرقة أسرار المفاعلات النووية من قبل إسرائيل، ما يعني تآكل شرعية النظام السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ودخل مرحلة بيات شتوي ومرحلة خواء داخليا يسهل الجميع اختراقها على جميع الأصعدة بعدما أصبح 45 مليون تحت خط الفقر.
ما مكن إسرائيل استهداف الجغرافيا المتباعدة في إيران من قاعدة توجه وكرج وهمدان وأذربيجان وغيرها، رغم ان الضربة كانت موجهة أساسا لمصانع عسكرية في أصفهان في 28/1/2023 في وسط إيران التي تضم مصانع عسكرية واسعة، وهذه الضربات تتزامن مع زيارة رئيس الاستخبارات الأمريكية لإسرائيل، ردا على إعلان إيران في أبريل 2022 عن تخصيب اليورانيوم 60 في المائة في موقع نطنز مقتربة من عتبة ال90 في المائة اللازمة لصنع قنبلة ذرية، وتتجرع إيران هجمات المسيرات التي تمارسها أذرعها في المنطقة وهي لا تنفصل عن الهجمات التي تتلقاها إيران والحرس الثوري والمواقع النووية خلال العامين الماضيين، خصوصا بعد التصريحات الأمريكية على لسان بلينكن أن الملف النووي لم يعد أولوية لدى الولايات المتحدة وهذه الإدارة لم تستبعد الخيار العسكري إذا فشلت المفاوضات النووية بسبب ظهور متغير جديد وهو الصعود السعودي في المنطقة والذي يمتلك عدد من الخيارات التي تحرم أمريكا من مصالحها، ليس كما أوباما الذي كان يتنازل لإيران على حساب المنطقة، وأفرج عن 400 مليار دولار بعد الاتفاق النووي عام 2015 استخدمت هذه الأموال في دعم مليشياتها، وانسحب منه ترمب من أجل تحقيق مصالح أميركا مع السعودية، ووضع عقوبات مشددة جدا على إيران وقام باغتيال قاسم سليماني في 2020 من أجل تعزيز علاقته مع السعودية القوة الصاعدة في المنطقة.

المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة يعبر عن وجهة نظر الموقع.