رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د.عبد الحفيظ محبوب يكتب: نهج إدارة بايدن تجاه الصين والسعودية

نشر
الأمصار

فشل اقتراح مبادرة كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان في نقل الإنتاج من الصين إلى مناطق أخرى ليسوا بمفردهم بل حتى عدد من الدول النامية قد تكون لديهم طموحات مفرطة في التفاؤل في إعادة التصنيع ونقل الإنتاج إلى مناطق أقرب، مقابل تعزز صادرات الصين بعد مرور عامين من اندلاع الجائحة، وذلك بسبب المرونة النسبية في جانب العرض والتحول في الطلب العالمي من الخدمات إلى السلع، علاوة على ذلك لم تتفوق الدول البديلة في الإنتاج عن الصين مثل دول أمريكا اللاتينية وحتى الآسيوية في التفوق على الصين في سوق الولايات المتحدة أو أوروبا على الرغم من قرب دول أمريكا اللاتينية من أسواق الولايات المتحدة بشكل خاص بسبب أن المكسيك والبرازيل حتى الآن لا تتمتع بمزايا تكاليف العمل التي في الصين.

لقد تبين أن إعادة تشكيل سلاسل التوريد التي دامت ثلاثة عقود أكثر تعقيدا بسبب تمتع الصين بأساسيات اقتصادية لا تتمتع بها بقية الدول حتى الآن وهي ستتطلب أكثر من مجرد جغرافيا أو توفير حوافز سياسية واقتصادية غير مسبوقة، خصوصا مع غياب عوامل التحسن المحلية وعلى رأسها الاستقرار الاقتصادي، فالنمو الصيني عاد إلى أكثر من 5 في المائة، بينما تعاني أوروبا حرب جيوسياسية، وتعاني في نفس الوقت هي وأمريكا تضخما اقتصاديا مع ضعف في النمو الاقتصادي، فالخط البياني لتراجع النمو والإنتاجية بات جليا منذ زمن ليس بالقصير، ففي أوروبا وأمريكا نما نصيب الفرد بين عامي 1980و2000 من الناتج المحلي الإجمالي 2.25 في المائة، لكن في العشرين عاما الماضية انخفض هذا النمو إلى النصف.

ستستمر الحرب في أوكرانيا في فرض تداعياتها على الاقتصاد العالمي، سواء فيما يخص تدفقات الطاقة أو الإمدادات الغذائية، فضلا عن فشل مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران والواقع الجديد جعل الولايات المتحدة ترفع الغطاء عن إيران خصوصا بعدما شاركت مع روسيا في تسليم روسيا مسيرات استخدمت في الحرب في أوكرانيا، وفي نفس الوقت تمد روسيا إيران بأسلحة حديثة وعلى رأسها طائرات سيخوي 35، مما يتطلب تولي السعودية أدوارا قيادية في الاستثمار الإقليمي والعالمي لتسريع التقنيات الجديدة لتلبية بعض احتياجات الغرب الملحة من الطاقة، وهو نوع جديد يستلزم من الولايات المتحدة من المشاركة الاقتصادية والأمنية مع السعودية بشكل خاص، بسبب أن النفط والغاز مرتبط بأسواق السلع العالمية.

وحسب بلومبرغ أن القيادة السعودية الشابة التي يقودها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء يقود تشكيل توازن القوى في الشرق الأوسط، فالاستراتيجية الوطنية للصناعة السعودية المستقبلية تتجه نحو تأمين سلاسل الإمداد العالمية للوصول إلى اقتصاد صناعي جاذب للاستثمار يصدر المنتجات عالية التقنية، حيث من المتوقع أن توفر الاستراتيجية 800 فرصة استثمارية نوعية تصل قيمتها إلى تريليون ريال، بل تجاوزت الاستراتيجية الصناعية ذلك إلى تحديد مجموعة من السلع الصناعية ضمن القطاعات الصناعية التي يجدر تركيز موارد السعودية عليها، في سبيل تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، هي بناء اقتصادي صناعي وطني مرن وجاذب للاستثمار، وتكوين مركز إقليمي صناعي متكامل لتلبية الطلب العالمي، وتحقيق ريادة في صناعة وتصدير منتجات عالية التقنية لتسهم في تأمين سلاسل الإمداد العالمية، والتي تعني بتجمعات صناعات تركيبات الكيماويات المتخصصة وتحويل البلاستيك والمطاط.

وهناك في المقابل تشديد أمريكي على منع تحول المنافسة مع بكين إلى صراع، ومتحدثة باسم الخارجية الأميركية أوضحت أن أمريكا ملتزمة بسياسة الصين الواحدة وأكدت أن أميركا لا تخوض حربا باردة مع الصين، ويستعد وزير الخارجية الأميركي بلينكن زيارة بكين بهدف البناء على التقدم المحرز في اللقاء بين الزعيم الصيني شي جينبينغ ونظيره الأميركي على هامش قمة العشرين ببالي.

هناك نهج جديد تنتهجه السعودية كما الولايات المتحدة في الاستثمار داخل الدول والتواءم مع الشركاء والحلفاء في الخارج، والتنافس مع الحلفاء والشركاء من أجل الدفاع عن مصالح كل منهما من أجل بناء رؤية مستقبلية، وكذلك الصين تلعب نفس اللعبة مع بقية الشركاء والحلفاء من أجل دعم نظام دولي يحمي المبادئ الأساسية التي مكنت السلام والازدهار لعقود حيث تتلاقى المصالح، بعد مرحلة من التوتر بين أميركيا والسعودية والصين، من أجل ألا تترك أميركا الشرق الأوسط للصين بمفردها لإقامة مجال تجاري متكافئ يعود بالنفع على الجميع، خصوصا بعد القمم التي عقدتها الصين مع السعودية.