رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د. عمرو عبدالمنعم يكتب: كيف نقطع الوقود عن "حلم الخلافة" الداعشي؟

نشر
الأمصار

الأفكار لا تموت! ليست الأفكار النبيلة فحسب، ولكن الأفكار الإرهابية والعنيفة أيضًا، فلا يتوقع أحد ألا تتوارث أجيال فكرة "الخلافة" التي روجت لها تنظيمات العنف الإسلامية طيلة قرن من الزمان، وكلما ازدادات عملياتهم الإرهابية كلما رأوا أنها تغذي الحلم وتمنحه الوقود اللازم لخلافتهم على الأرض.. أو السراب الذي يخايلهم عقودا طويلة.

داعش وأخواتها حاليا في حالة مرتبكة؛ خليفتهم يعيش في قصر من الرمال .. وأفعالهم مذعورة لكن التجنيد مستمر بأدوات عصرية .. والمواجهة تستلزم مشروعا قوميا.. يشتبك !

سوف تظل أيديولوجية تنظيم داعش العنيفة قائمة حتى بعد تراجعه على الأرض، أما صلاحيته الفكرية ستتمدد حتى وإن سقطت دولته؛ فمنذ أسبوعين بايع التنظيم الإرهابي خليفته المجهول "أبي الحسين الحسيني"، خليفة يسكن في السراديب، معلنين له الولاء والطاعة العمياء حتى بعد هزيمته العسكرية على الأرض. 

 إن اغاظة الكفار وإرهابهم جزءً من استراتيجية فرقة "الحشاشين الجدد" إحدى فرق الخوارج الغابرين، فتجديد البيعة بين الفينة والأخرى يؤكد أن التنظيم كـ "فكرة" سيبقى ملهمًا لمقاتليه من الشباب العربي.

صحيح أنه بالإمكان هزيمة التنظيم عسكريا كما حدث باتباع استراتيجية الرؤوس الطائرة " أو "قطع الرؤوس" التي تنتهجها أمريكا والتحالف الدولي الآن للقضاء على قادة التنظيم، لكنها لن تستمر في نجاحها طويلا، لأنه خلف كل قيادة تكمن رؤوس أخرى تنتظر الفرصة لاستكمال الدور المزعوم.

 ستبقي الفكرة قائمة وممتدة لفترة طويلة وسيكون لها تأثير تحفيزي على جيل المتطرفين القادمين وهذا ما دفع التنظيم إلى التركيز على "الترسانة الفكرية والإعلامية" من خلال إنتاج برامج تربوية ونشر كتيبات في الإرشاد الديني والتركيز على البطولات الوهمية لقادته الذين يضَحون من أجل الفكرة، من أجل تبرير الأفعال الدموية التي تُرتكب كل يوم، من أجل تكوين عاملٍ للمقاتلين من ناحية، ومرجعٍ فكري لجيل جديد من الإرهاب. 

إن الطريقة المؤكدة لخسارة الحرب على الإرهاب هي أن ندّعي أنه تم السيطرة عليه ومحاصرته والقضاء عليه، والتركيز على انتصارنا العسكري عليه، وهو ما يقوم به الغرب الآن، ويتجاهل الجميع بقية العوامل المتداخلة للسيطرة على التنظيم فكريا واجتماعيًا. 

لا تزال معالجة الإرهاب فكريا بعيدة المنال وبرغم كل الجهود المبذولة على الأرض من عديد من المؤسسات عربيًا وعالميًا، فهي ينقصها الاحتكاك العملي مع كوادره وعدم الاكتفاء بالتأطير الشرعي النظري، وبدون ذلك فسيدفع الجميع الثمن، وهو ثمن ستدفعه الدول الغنية التي تعيّر العالم الثالث بأنه مصدر خروج الأفكار الإرهابية، وتتجاهل يدها الآثمة في التمهيد لحضوره وتربيته، سيدفع الجميع ويتورط الجميع في حرب  لا تنتهي علي الإرهاب، وسيكون كل فوز على الإرهاب هو فوز افتراضي، طالما تطن الأفكار الإرهابية وتظهر برؤوسها من ساحات التواصل الاجتماعي بهذه الغزارة والجرأة!. 

 النصر الحقيقي لم يأت بعد! وربما لن يأتي ما لم تتغير رؤية العالم وتتغير أدواته في مواجهة الأفكار ومواجهة المرجفين في المدينة! 

يجب أن تشمل الحرب على الإرهاب، شمولية الفكر والثقافة والتعليم والمناهج النوعية التفاعلية ودعم الجغرافيا السياسية الجديدة والمجتمعات العمرانية الجديدة، تكافؤ الفرص، والخروج بطبقة المهمشين من واقعها الصعب لواقع يحمل رسالة جديدة في غد أفضل. 

 يجب أن يكون هناك إعلام قوي مثقف واعٍ بخبرات جديدة منتقاة، مدرب على التعامل مع الأفكار، واستراتيجية " نصر بلا حرب " و "الثورات الأعنف"، "استراتيجيات خراطيم الأباطيل" الجديدة لإسقاط الأنظمة، لأن حرب الإعلام الأممي القادم ستكون مكلفة للغاية، يجب أن ينتهي إعلام "الشللية المقيتة"، "السبوبة السريعة"،" تعيين المجاملات"، وطرح إنجازات وهمية من قبيل حققنا "الحلم الذي طال انتظاره" وصحافة الانفوجراف التي لا تقدم سوى محاضرة لطالب أولى إعلام، ونجد أنفسنا في النهاية بلا مشروع يمكننا من مواجهة التحديات.

يجب أن يشترك في المعالجة رجال الدين وعلماء العلوم الاجتماعية والنفسية والقانونية وندمج الفاعلين في المجتمع المدني والأهلي، ومحاصرة الإرهاب ستحتاج لكل هذا التضافر وتحتاج للوقت أيضا، لكن البداية هي المشروع القومي المتكامل المشتبك مع الواقع والفاعلين فيه، فنحن أمام تنظيمات تحاول تجنيد واستقطاب الشباب كل يوم بأدوات مختلفة تسابق العصر ورغم بشاعة وفجاجة المحتوى! وبدون الإرادة بكل ما نملك في المواجهة سنكون من غير أن ندري نمد الإرهاب بأسباب جديدة لقوته .. ليس أمامنا وقت كبير للبدء فالأرض لا تحتمل المزيد من نزيف الدماء البريئة..