رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

بعد نصف عام من الهدنة.. اليمن يعود من جديد للصراع الحوثي

نشر
بعد نصف عام من الهدنة..
بعد نصف عام من الهدنة.. اليمن يعود من جديد للصراع الحوثي

منذ أن بدأت الهدنة الإنسانية في اليمن في الـ2 من أبريل 2022 وقد أتيحت الفرصة التاريخية الحقيقية لليمن حيث تحققت في البلاد نتائج إيجابية خلال الستة أشهر الماضية إلى أن انتهت فترة سريان الهدنة في أول أكتوبر الجاري دون إعلان أممي بتمديدها بسبب موقف مليشيات الحوثي….

المبعوث الأممي يعلن فشل تمديد هدنة اليمن

أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن عن عدم التوصل إلى اتفاق لتمديد الهدنة الأممية وأشاد بموقف الحكومة الشرعية في التعاطي مع المقترح الجديد بتوسيع الهدنة وبنودها.

وعبر المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، الأحد الماضي الـ2 من أكتوبر، عن أسفه لعدم التوصل إلى اتفاق، حيث إن الهدنة الممتدة والموسعة من شأنها توفير فوائد مهمة إضافية للسكان.

وقال غروندبرغ: "أنا ممتن للانخراط البناء من كلا الجانبين على مستوى القيادة خلال الأسابيع الماضية وأثمّن موقف الحكومة اليمنية للتعاطي مع مقترحي بشكل إيجابي. سأستمر في العمل مع كلا الجانبين لمحاولة إيجاد حلول".

كما دعا المبعوث الخاص للأمم المتحدة الأطراف إلى الحفاظ على الهدوء والامتناع عن أي شكل من أشكال الاستفزازات أو الأعمال التي قد تؤدي الى تصعيد العنف.

وقال: "كما أحثهم على الوفاء بالتزاماتهم تجاه الشعب اليمني لمتابعة كل سبل المؤدية للسلام. في النهاية، يحتاج اليمنيون إلى إنهاء النزاع من خلال عملية سياسية شاملة وتسوية متفاوض عليها".

وأكد غروندبرغ أنه سيواصل جهوده الحثيثة للانخراط مع الأطراف بُغية التوصل وعلى وجه السرعة إلى اتفاق بشأن الوسيلة للمضي قدمًا، مضيفا أن الهدنة التي بدأت في 2 أبريل كانت قد أتاحت  فرصة تاريخية حقيقية لليمن وبناءً على النتائج الإيجابية التي تحققت في الستة أشهر الماضية، فقد تم طلب تجديد مد الهدنة لفترة أخرى.

 نتائج إيجابية خلال 6 أشهر من الهدنة

-تدفق واردات الوقود من ميناء الحديدة

سمحت الهدنة، خلال الأشهر الستة الماضية، بتدفق واردات الوقود من ميناء الحديدة إلى مناطق سيطرة الحوثيين التي تضم ثلثي السكان، مما أدى إلى تراجع واحدة من أشد الأزمات الإنسانية ضراوة؛ إذ كانت طوابير السيارات تستمر أياما أمام المحطات.

ميناء الحديدة اليمني

وبدأت الرحلات المنتظمة تصل تباعا بين مطاري عمّان وصنعاء المغلق منذ 7 سنوات، وانفرجت معضلة سفر المرضى للخارج، إذ كان يُحتم عليهم اجتياز طرق ونقاط مسلحة للوصول إلى مطار مدينة عدن، في الجنوب.

 -تراجع حدة المعارك بين الطرفين

والأمر الأكثر أهمية تمثل في تراجع حدة المعارك، بينما توقف القصف الجوي المتبادل بين الحوثيين والسعودية، ووفق بيان مشترك لـ 44 منظمة إنسانية ودولية عاملة في اليمن، فإن البلاد شهدت انخفاضا بنسبة 60% في عدد الضحايا.

-مليشيات الحوثي تستعيد ترتيب صفوفها

داخليا، قامت مليشيات الحوثي باستثمار التهدئة للتحضير لجولة أدمى من الحرب، وترتيب صفوفها عبر حملات التجنيد والعروض العسكرية، والتلويح بتهديد الملاحة البحرية، واستهداف الشركات الأجنبية النفطية.

أما داخليا فاتجه الحوثيون خلال الهدنة لإخماد انتفاضات ترفض ممارسات المليشيات؛ كان أبرزها معارك بلدة "خبزة" في مديرية القريشية في محافظة البيضاء (وسط) ومديرية همدان في ضواحي صنعاء، فضلا عن تفجير معارك بينية عنيفة لإنهاك القبائل في محافظتي عمران وذمار.

-مفاوضات عقيمة وقصف للأطفال

خلال الهدنة رعت الأمم المتحدة محادثات معقدة بين مليشيات الحوثي والحكومة اليمنية حول فتح الطرق والتنسيق العسكري، ولم تتقارب وجهات نظر الطرفين، ما أدى إلى فشلها في نهاية المطاف.

ويعود ذلك إلى أسباب عدة، منها مثلا على مستوى فتح الطرقات، رفض الحوثيين لمقترح أممي بفتح 5 طرق إلى مدينة تعز، بينها شريان حيوي رئيسي، وذهابها بدلا بعيدا عن التفاوض، لإعلان أحادي الجانب بفتح طريق كانت قبل عقود للدواب.

وهكذا انتهت المفاوضات الثنائية حول فتح الطرقات بعد نحو جولتين، فيما استمرت محادثات لجنة التنسيق العسكري إلى نهاية أغسطس الماضي، دون التوصل إلى غرفة عمليات لإدارة الخروقات، وقد توقفت عند الهجوم الحوثي للسيطرة على بلدة "الضباب"؛ منفذ تعز الوحيد.

-تربح عسكري

سهلت الحكومة اليمنية والتحالف العربي تدفق الوقود عبر ميناء الحديدة ورحلات تجارية لطيران اليمنية إلى الأردن، إلا أن مليشيات الحوثي، ذهبت في استغلالها عسكريا في التربح، وتمويل جبهاتها الحربية.

وسعت مليشيات الحوثي لاختلاق أزمات انعدام الوقود، رغم تدفق السفن إلى ميناء الحديدة، التي وصلت أعدادها لنحو 53 سفينة، من أصل 54 كان مقررا وصولها إلى الميناء بموجب اتفاق الهدنة.

وبحسب وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني فإن السفن التي سهلت حكومة بلاده إدخالها لميناء الحديدة، كانت تقل 1.660.703 طن متري من المشتقات النفطية، وتصل قيمتها إلى أكثر من مليار دولار أمريكي.

ورغم أن اتفاق الهدنة نص على تسليم المرتبات لموظفي الدولة والمتقاعدين في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيات الحوثي من العائدات الضريبية والجمركية، من سفن الوقود الداخلة للميناء، إلا الحوثيين عمدوا رفضوا ذلك وتم تسخيرها عسكريا لتمويل جبهات القتال.

خروقات الحوثيين خلال فترة الهدنة

دأبت مليشيات الحوثي بشكل متكرر على محاولة الهروب من استحقاقات الهدنة، عبر سلسلة من المجازر الاستفزازية المنهجية ضد تجمعات الأطفال بتعز، كان أبرزها هجوم زيد الموشكي الذي وقع في يوليو وخلف 11 قتيلا وجريحا من الأطفال، في جريمة لاقت تنديدا دوليا كبيرا.

وبحسب الأمم المتحدة فإن حوالي 40 %، من إجمالي أعداد الضحايا المدنيين كانوا من الأطفال، وقدرت الحكومة اليمنية أعداد المدنيين الذين سقطوا خلال الهدنة بأكثر من 1100 ضحية.

كما بلغ متوسط أعداد الخروقات بنحو 50 خرقا حوثيا في مختلف محاور القتال، وقد استغل الحوثيون توقف الغارات الجوية للتحالف بقيادة السعودية، في زراعة أكبر عدد من الألغام برا وبحرا، فضلا عن تهريب السلاح.

ووثق المرصد اليمني للألغام سقوط 273 ضحية بألغام مليشيات الحوثي، منذ دخولها حيز التنفيذ في 2 أبريل الماضي، وحتى 2 أكتوبر الجاري، في محافظة يمنية واحدة فقط، وهي محافظة الحديدة، حيث أكبر حقل للألغام.

 

المقترح الجديد لتمديد الهدنة لمدة 6 أشهر:

تضمن المقترح حسب بيان المبعوث الأممي دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، وفتح طرق محددة في تعز ومحافظات أخرى، وتسيير وجهات إضافية للرحلات التجارية من وإلى مطار صنعاء.

كما تضمن إضافة إلى دخول سفن الوقود إلى ميناء الحُديدة دون عوائق، وتعزيز آليات خفض التصعيد من خلال لجنة التنسيق العسكرية والالتزام بالإفراج العاجل عن المحتجزين.

وتضمّن أيضا المقترح الشروع في مفاوضات لوقف إطلاق النار واستئناف عملية سياسية شاملة، وقضايا اقتصادية أوسع، بما في ذلك الخدمات العامة.
 

أسباب عدم موافقة الحوثيين على الهدنة

تعمّد الحوثيين عرقلة كافة الجهود المبذولة للانتقال للعملية السياسية الشاملة وفقاً للمرجعيات الثلاث والرغبة غير العقلانية لمليشيات الحوثي للعودة للحرب والتهديد باستهداف الشركات العاملة بمجال النفط في اليمن والمنطقة وتهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

وقد رفض الحوثيون خطة المبعوث الأممي هانس غروندبرغ لتمديد الهدنة التي انطلقت على أساس أن تستمر شهرين ثم تمّ تجديدها على مرحلتين، إلى فترة 6 أشهر وتوسيعها لتشمل نقاط اتفاق جديدة.

لكن المتمردين طالبوا بدفع رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين المتقاعدين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم "دون تمييز"، مما يعني أن تقوم الحكومة اليمنية بدفع رواتب موظفي حكومة الحوثيين غير المعترف بها دولياً .

كما جددوا المطالبة بالسماح بدخول المشتقتات النفطية والسفن التجارية للسلع والبضائع والمستلزمات الطبية والدوائية، إلى مناطقهم

ويرى البعض أن بعض مطالب الحوثيين تكاد تكون تعجيزية.

وترى الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط إليزابيث كيندال أن مطالب الحوثيين "غير واقعية في هذه المرحلة المبكرة"، معتبرة أنهم يطالبون بما يعدّ "تنازلات سيكون من الصعب للغاية تقديمها في غياب أي محادثات سلام منظمة".

وبحسب كيندال، فإنّ "الانطباع الموجود هو أن الحوثيين غير مهتمين حقا بمواصلة الهدنة".


ماهي السيناريوهات المحتملة في اليمن بعد رفض الحوثيين تمديد الهدنة؟

- تجديد الصراع

يدور النزاع في اليمن منذ 2014 بين الحوثيين المدعومين من إيران وقوات الحكومة يساندها تحالف عسكري بقيادة السعودية، وقد تسببت هذه الحرب في مقتل مئات آلاف الأشخاص بشكل مباشر أو بسبب تداعياتها، وفق الأمم المتحدة.

لكن منذ الثاني من أبريل، سمحت الهدنة بوقف القتال واتّخاذ بعض التدابير التي ساهمت في تخفيف صعوبات الظروف المعيشية للسكان، في مواجهة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

ويتوقع محللون أن تؤدي انتهاء فترة سريان الهدنة إلى عودة الصراع من جديد بالتصعيد العسكري الذي توقف إلى حد كبير في الأشهر الستة الماضية، خصوصاً قرب مدينة مأرب، آخر معقل للحكومة في الشمال ومفتاح موارد اليمن النفطية، وكذلك تعز التي يحاصرها الحوثيون في جنوب شرق البلاد.

لكنهم لا يستبعدون إمكانية استمرار جهود الأمم المتحدة لإقناع المتمردين بالقبول بالهدنة.

وبحسب المحللين، سيكون الشعب اليمني الخاسر الأكبر من عدم تمديد الهدنة.

- مجاعة

يُهدّد خطر المجاعة الملايين من سكان اليمن، فيما يحتاج آلاف، بينهم الكثير من سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إلى علاج طبي عاجل غير متوافر في البلد الذي دُمّرت بنيته التحتية.

ويعتمد نحو 80 بالمئة من سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة على المساعدات للاستمرار.

كما تطال الخسارة من عدم تمديد الهدنة كذلك "الدول الإقليمية، السعودية والإمارات، عبر الهجمات العابرة للحدود".

 

ويدعو العالم إلى استمرار الاتصالات المكثفة لإقناع الحوثيين بتجديد الهدنة، وسط مخاوف من استمرار تعنت الحوثيون والوصول إلى طريق مسدود، حيث ستشهد الحرب جولة جديدة من المواجهات العسكرية أكثر ضراوة من ذي قبل….