رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

روسيا والصين تعززان التعاون المشترك في تحد للعقوبات الأوروبية

نشر
الأمصار

بدأت القمة بين الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والصيني، شي جين بينج، بعد ظهر الخميس، في مدينة سمرقند بأوزبكستان.

وهذا أول لقاء بين بوتين وشي منذ بداية العملية الروسية في الأراضي الأوكرانية في 24 فبراير/شباط الماضي.

ندد بوتين أمام شي بـ"الجهود الهادفة إلى إقامة عالم أحادي القطب"، وشكر الصين على "موقفها المتوازن" بشأن أوكرانيا.

وأوضح بوتين لشي "محاولات إقامة عالم أحادي القطب اتخذت في الفترة الأخيرة شكلا قبيحا للغاية وهي غير مقبولة بتاتا".

 

في المقابل، أكد شي لبوتين أن الصين تسعى للعمل مع روسيا على اعتبار أن البلدين من "القوى العظمى"، وفق "فرانس برس".

وتابع أن الصين تسعى إلى "بث الاستقرار والطاقة الإيجابية في عالم تسوده الفوضى".

 

الصين وروسيا تتحديان الولايات المتحدة

ويرى مراقبون أن الاجتماع بين شي وبوتين يرتدي طابع تحد للولايات المتحدة، التي تقود حملتي العقوبات ضد موسكو والدعم العسكري لكييف، وأثارت غضب بكين بزيارات قام بها مسؤولون أمريكيون إلى تايوان. 

ويحاول بوتين تسريع عملية إعادة تركيز اهتمامه باتجاه آسيا في مواجهة العقوبات الغربية، تشكل هذه القمة فرصة لإظهار أن روسيا ليست معزولة عن الساحة العالمية.

 

وتزدهر العلاقة التجارية بين بكين وموسكو حيث تسعى روسيا بشدة إلى فتح أسواق جديدة، وبالفعل وصلت التجارة في السلع الثنائية إلى مستويات قياسية مع اقتناص الصين أسعار النفط والفحم الروسي لمعالجة أزمة الطاقة.

 

وفي غضون ذلك، أصبحت روسيا سوقًا رئيسيًا لعملة الصين، والعكس صحيح، وتندفع شركات البلدين لملء الفراغ الذي خلفه مغادرة العلامات التجارية الغربية.

 

العاقات التجارية بين روسيا والصين 

ارتفع إنفاق الصين على السلع الروسية بنسبة 60% في أغسطس عن العام الماضي، حيث وصل إلى 11.2 مليار دولار، وقفزت شحناتها إلى روسيا بنسبة 26% في أغسطس عن العام الماضي.

وفي الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، ارتفع إجمالي تجارة السلع بين الصين وروسيا بنسبة 31% إلى 117.2 مليار دولار.

ويتبين من هذه الأرقام أن كلا البلدين بحاجة إلى بعضهما لتعويض الحليف الأوروبي والغربي.
 

أدت الحرب الأوكرانية أيضًا إلى ارتفاع الطلب على اليوان الصيني في روسيا، حيث أدت العقوبات الغربية إلى عزل موسكو إلى حد كبير عن النظام المالي العالمي وقيّد وصولها إلى الدولار واليورو.

وبلغت تجارة اليوان في بورصة موسكو 20% من إجمالي أحجام التداول للعملات الرئيسية في يوليو، وفقًا لما ذكرته وسائل الإعلام الروسية كوميرسانت.

كما سجلت أحجام التداول اليومية في سعر صرف اليوان والروبل رقما قياسيا جديدا الشهر الماضي، متجاوزة تجارة الروبل مقابل الدولار لأول مرة في التاريخ، وفقا لوسائل الإعلام الروسية.

وفقًا للإحصاءات التي نشرتها SWIFT، نظام المراسلة الذي تستخدمه المؤسسات المالية عالميًا لمعالجة المدفوعات الدولية، كانت روسيا ثالث أكبر سوق في العالم للمدفوعات باليوان خارج البر الرئيسي للصين في يوليو، بعد هونج كونج والمملكة المتحدة.

كما تتجه الشركات والبنوك الروسية بشكل متزايد إلى اليوان من أجل المدفوعات الدولية.

وفي الأسبوع الماضي، قالت شركة غازبروم الروسية إنها ستبدأ في دفع الفواتير إلى الصين باليوان والروبل مقابل إمدادات الغاز الطبيعي، بينما قال بنك VTB الروسي إنه سيطلق تحويلات مالية إلى الصين باليوان.

وبالنسبة لبكين، يعد ذلك بمثابة دفعة لطموحاتها في جعل اليوان عملة عالمية، وبالتالي عزل نفسها عن العقوبات المالية الغربية، وتعزيز قوتها.

 

الشركات الصينية تملأ الفراغ

كما تستفيد الشركات الصينية من خروج العلامات التجارية الغربية من روسيا، حيث استحوذت الهواتف الذكية الصينية على ثلثي جميع المبيعات الجديدة في روسيا بين أبريل ويونيو، حسبما ذكرت وكالة رويترز.

وكانت شاومي Xiaomi صانع الهواتف الذكية الأكثر مبيعًا في روسيا في يوليو، حيث استحوذت على 42% من السوق، وفقًا لوسائل الإعلام الروسية Kommersant، وبالمقارنة حصلت سامسونج على 8.5% فقط من السوق في يوليو، وآبل 7 %.

وكانت سامسونج وآبل تمثلان ما يقرب من نصف السوق الروسية قبل الصراع، لكنهما علقتا مبيعاتهما الجديدة.

كما غمرت السيارات الصينية موسكو أيضًا، وشكلت 26 % من السوق الروسية في أغسطس، وهو أعلى مستوى لها على الإطلاق، وفي المقابل، انسحبت شركات السيارات العالمية الكبرى، بما في ذلك فورد وتويوتا.

 

وتشهد علاقات روسيا والصين تناميًا ملحوظًا خلال الآونة الأخيرة، تجاوز حدود التصريحات إلى مستوى الفعل والتحركات العملية في منطقة المحيطين الهادئ والهندي في مواجهة تحالفات دشنتها أميركا مؤخرًا، وأنعشت أخرى كانت في طي النسيان تستهدف "خنق" البلدين.

ونسجت واشنطن سلسلة تحالفات أمنية وسياسية (أوكوس-كواد)، وصعدت من تصريحاتها دفاعًا عن تايوان، بينما حشدت حلفاءها بأوروبا وفرضت 6 حزم من العقوبات ضد موسكو لشل الاقتصاد الروسي بعد حرب أوكرانيا.

علاقات عسكرية 

في المقابل، أقامت موسكو وبكين، خلال السنوات الأخيرة، علاقات عسكرية ودبلوماسية أوثق في ظل توتر علاقاتهما مع الغرب عبر شراكات سياسية واقتصادية وتدريبات عسكرية مشتركة، فمنذ العام 2012، تجري موسكو وبكين مناورات بحرية منتظمة.

وقبيل حرب أوكرانيا، تفاوضت الدولتان على عقد مدته 30 عامًا لروسيا لتزويد الصين بالغاز من خلال خط أنابيب جديد، وعرقلتا طلبًا من واشنطن بأن تفرض الأمم المتحدة عقوبات إضافية على كوريا الشمالية بسبب تجارب صاروخية جديدة رغم أن البلدين اتفقا على فرض عقوبات مماثلة من قبل، كما لم تصف العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بالغزو ولم تصوت ضدها في أي محفل دولي.

ويرى خبراء أن ما يجمع بين الصين وروسيا هو موقف البلدين من السياسة الأميركية تجاههما، ومع رغبة الصين في استعادة السيطرة على تايوان تدرك أن ما حدث مع روسيا قريب منها، ولذلك تعمل بكين على الاستعداد جيدًا عبر تحالف اقتصادي ودفاعي مع موسكو بهدف تطوير منظومات مصرفية ومالية جاذبة لانضمام دول أخرى تمكنها من مواجهة أي تداعيات غربية، لافتًا إلى أنها ليست وليدة اللحظة لكن على مدار عقدين هناك شراكات واسعة بين الجانبين.

 وتضع الولايات المتحدة الصين في قلب سياستها للأمن القومي منذ سنوات، ووصفت إدارة بايدن المنافسة مع الصين بأنها "أكبر اختبار جيوسياسي" في القرن الحالي، وهو ما يستلزم خطط ردع من قبل بكين، ولن تجد أفضل من موسكو شريكًا في ظل الضغوط المفروضة عليها من قبل الغرب.