رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

في ذكرى ثورة يوليو.. كيف ساعد الزعيم جمال عبدالناصر حركات التحرر العربي؟

نشر
الأمصار

ساندت مصر في عصر الزعيم جمال عبدالناصر الكثير من الشعوب العربية على التحرر من الاستعمار الأجنبي، وذلك بداية من الجزائر مرورًا بالمغرب وحتى اليمن، ولم تبخل بأي شيء مقابل مساندة هذا النضال.

مصر والثورة الجزائرية

ولد أحمد بن بلة فى 25 سبتمبر، ببلدة مغنية التابعة لولاية تلمسان، فى عائلة فقيرة تمتهن الفلاحة، تلقى تعليمه فى البلدة الواقعة غرب الجزائر، وبعد ذلك انتقل إلى مدينة تلمسان، ودرس فى المدرسة الابتدائية الفرنسية، التى نال منها شهادة الابتدائية ثم الإعدادية.

 

ونظرًا لمواقفه الوطنية ونضاله المبكر، وهو فى سن الـ16 من عمره، وانتقاده لأساتذة التاريخ والعلوم الاجتماعية الذين كانوا يشوهون التاريخ الوطنى، منعته السلطات الفرنسية من متابعة دراسته، وأجبرته على التجنيد فى صفوف الجيش الفرنسى، خلال الحرب العالمية الثانية، وكان حينها ناشطا ضمن حزب الشعب الجزائرى، وتدرج فى المناصب العسكرية ونال وسام صليب الحرب.

استطاع بن بلة أن يهرب إلى مصر فى عام 1953م، بعد محاكمة بن بلة من قبل الفرنسيين بالسجن 7 سنوات، إذ أصبح أيضًا أحد القادة التسعة للجنة الثورية للوحدة والعمل والتى فجرت ثورة التحرير فى عام 1954م.

 

واجتمع بن بلة بالزعيم جمال عبدالناصر وتباحث معه لتوريد السلاح للجزائريين، وأوضح أن مصر قد أمدته منذ البداية، بمساعدة عظيمة، وبفضل هذا التسليح استطاعت الثورة الجزائرية أن تتقدم إلى العمل، يوم 2 أكتوبر 1955 فى جهة وهران، الجهة الوحيدة التى بقيت حتى هذا التاريخ توصف بأنها «هادئة تمامًا» فى تقارير العدو، وبعد قليل ثارت جبال الونشريس بدورها، ومضى الزمن الذى كان فيه الخصم يأمل قهر الثورة بعزل الأوراس، وغدت الآن جبهة التحرير الوطنى تخوض المعارك فى كل أنحاء الجزائر الثائرة.

مصر واستقلال المغرب

بينما تعود، عمليا، بداية علاقة الزعيم جمال عبد الناصر بالمغرب، إلى ما قبل سنة 1952، تاريخ حكم الضباط الأحرار بمصر بعد الإطاحة بالملك فاروق وإسقاط الملكية الخديوية بأرض الكنانة يوم 22/ 23 يوليوز 1952. حين كان مكتب المغرب العربي فاعلا في القاهرة، ويضم بعضا من قادة النضال التحرري المغاربي ضد الاستعمار الفرنسي، والذي تأسس عمليا بدوره سنة 1947 (مثل حركة القوميين العرب).. وهو المكتب الذي سيتعزز نشاطه ليس فقط بعد التحاق قادة بارزين من الحركات الوطنية بالمغرب والجزائر وتونس مثل علال الفاسي والحبيب بورقيبة وأحمد بنبلة، بل أيضًا بعد هروب الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي من الأسر من فوق السفينة الفرنسية التي كانت تحمله من منفاه البعيد بجزيرة لارينيون إلى مارسيليا، بعد رسوها ليومين بميناء بورسعيد بقناة السويس في نفس السنة (1947). وكانت اتصالات جمال كضابط من ضباط الجيش المصري المشارك في حرب 1948 ضد إسرائيل، بهؤلاء الزعماء المغاربة متعددة، بل إن هناك من يذهب إلى أن مشاركته ورفاقه في تلك الحرب كان بتشجيع من الخطابي نفسه.
سيشاء القدر أن يتصادف تسلم الزعيم جمال عبدالناصر مقاليد الرئاسة بمصر، مع تاريخ استقلال المغرب (استقل المغرب رسميا يوم 2 مارس سنة 1956، وتسلم هو الحكم في مصر بعد إزاحة الرئيس الأسبق محمد نجيب يوم 24 يونيو 1956). هو الذي كانت له مواقف متميزة تجاه المغرب والمغاربة منذ 1953، قبل وبعد نفي الملك الوطني محمد الخامس من قبل الاستعمار الفرنسي. وتجمع العديد من المصادر على أنه كان متتبعا للملف المغاربي حينها بدقة. 

 

كشف الصحفي المصري الشهير بإذاعة «صوت العرب» أحمد سعيد سنة 1995، حول كيف أن الزعيم جمال عبد الناصر قد تدخل مرة في اجتماع لقيادة الضباط الأحرار بمصر، لينتقد من تدخل من رفاقه لمنع أي دعم للملك الوطني محمد الخامس بدعوى أنه ملك وأنهم قد أسقطوا أصلا نظاما ملكيا، قائلا لهم: «هذا ملك وطني وليس ملكا خائنا». 

وبعث الزعيم جمال عبد الناصر إلى المغرب مصدرا مصريا ظل يزوده بتقارير عن وضعية البلاد وعن تفاعلات نضال المغاربة من أجل عودة بن يوسف إلى عرشه ونيل الاستقلال. وكان المشرف المباشر، ضمن قيادة الضباط الأحرار الحاكمة حينها، على بث «نداء القاهرة» الشهير الذي ألقاه الزعيم علال الفاسي على أمواج إذاعة «صوت العرب» المتضامن بقوة مع الملك الوطني محمد الخامس والذي يطالب الشعب المغربي بالإنتفاض لعودة رمز السيادة المغربية إلى عرشه. ومما أسر لنا به حينها ذلك المصدر المصري الرفيع، أن النداء في الأصل كان 3 نداءات وليس نداء واحدا. الأول في حال امتثل الملك محمد الخامس لشروط الاستعمار بلغة مختلفة، والثاني في حال بقي الملك ثابتا على موقفه الرافض الوطني لكن تم تعيين أحد أبنائه، والثالث في حال نفي كل العائلة الملكية، أي الملك وابنيه، وهو النداء الثالث الذي أذيع واشتهر. وكان جمال عبد الناصر مشرفا مباشرا على العملية كلها.

 

عبد الناصر واستقلال الجنوب العربي

 

 

وفقًا للمصادر التاريخية، تأثر سكان عدن بخطابات الزعيم جمال عبدالناصر في خمسينيات القرن العشرين، وكان لعبدالناصر خطاب شهير ألقاه في الجماهير اليمنية في محافظة تعز التي زارها عقب قيام ثورة 26 سبتمبر 1962، قال فيه عبارته التاريخية الشهيرة: “على بريطانيا أن تأخذ عصاها وترحل عن عدن”.
كما شكلت إذاعة القاهرة، وبما كانت تبثه من الأغاني الثورية المناهضة لسياسات بريطانيا الاستعمارية، دورًا في تأجيج المشاعر الوطنية والقومية ضد الاحتلال البريطاني.

 

عام 1964، قام رئيس جمهورية مصر وقتها الرئيس جمال عبدالناصر، بزيارة تاريخية إلى اليمن.
ومما قاله عبدالناصر خلال زيارته، إن اليمن كانت “معين الثورة ضد الطغيان‮ وضد الاستبداد وضد السيطرة‮”.
في تعز ألقى ناصر خطابه الشهير، وقال إن عدن والجنوب أرض عربية،‮ ‬‮وأنه من المستحيل على بريطانيا أن تفرق بين عرب وعرب أو‮ ‬يمنيين عن‮ ‬يمنيين‮.‬
وأضاف: “إن بريطانيا‮ ‬التي‮ ‬تنظر إلى ثورتكم بكراهية وحقد‮،‬‮ ‬يجب أن تحمل عصاها على كتفها وترحل من عدن. ‬إننا نعاهد الله على هذه الأرض المقدسة، أن نطرد بريطانيا من كل جزء من الوطن العربي”.
كان خطاب ناصر تاريخيًا بكل معنى الكلمة، وكان له تأثير عميق في عدن والجنوب. ومما قاله في خطابه الشهير بتعز: “لقد بذلنا الدماء وضحينا بالأرواح وحققنا النصر‮،‬‮ وسنبذل الدماء ونضحي‮ ‬بالأرواح ونحقق النصر في‮ ‬اليمن كما حققناه في‮ ‬مصر”.
في تعز خاطب عبدالناصر الجماهير اليمنية: “رأيت الشعب اليمني‮ ‬فيكم اليوم تتمثل القوة والعزة والثورة والحرية‮..‬ هذا الشعب اليمني‮ ‬الذي‮ ‬صمم على الحرية فثار ونصره الله‮.. ‬وحقق له العزة والكرامة والحرية‮”.
في مايو 1964، لقي عشرات الجنود البريطانيين مصرعهم، كان ذلك مؤشرًا عن إرادة أبناء الجنوب اليمني في التحرر من الاستعمار البريطاني والثورة التي اندلعت من ردفان.
الخطاب التاريخي لجمال عبدالناصر، ذكَّر الشعب اليمني بماضيه ونزعته للحرية، حتى تكالبت عليه الإمامة الغاشمة لتكبيله. وكان خطابه موجهًا لليمنيين في الشمال والجنوب.
أشعل خطاب عبدالناصر جذوة الثورة ضد الاستعمار البريطاني، في خطابه قال إن “اليمني ‬دائمًا رافع لواء الحرية في‮ ‬مشارق الأرض ومغاربها، حتى تكتل عليه الأئمة، فأذاقوه سوط العذاب، وحبسوه بين حدوده، ومنعوه من أن‮ ‬ينشر رسالة الحرية والإسلام في‮ ‬العالم. ‬فهل استكان الشعب اليمني؟ أبدًا ‬لم‮ ‬يستكن الشعب اليمني‮، بل ثار دائمًا ‬على الذل والعبودية، وعلى حكم الاستبداد وحكم الإرهاب، حتى قامت طليعة الشعب اليمني‮ ‬في‮ ‬يوم‮ ‬26‮ ‬سبتمبر 1962، قامت لتدك معالم الظلم، ولتدك الرجعية والاستبداد، وأراد الله لها أن تنتصر،‬‮ ‬فانتصرت، وكان انتصارها انتصارًا ‬لكم جميعًا. ‬أنتم شعب اليمن الذي‮ ‬صمم دائمًا على الحرية، فقاتل وكافح دائمًا ‬من أجل الحرية”.