رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

تداعيات حرب أوكرانيا على الأمن الغذائي والاقتصاد في الدول العربية

نشر
الأمصار

حذر رئيس برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، ديفيد بيزلي، من أن الحرب في أوكرانيا تخلق أزمة غذائية "تتجاوز أي شيء رأيناه منذ الحرب العالمية الثانية"، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وربما نقص حاد لسلع أساسية في العديد من البلدان العربية التي تعتمد على الصادرات من روسيا أو أوكرانيا.

وتعبر أوكرانيا وروسيا منتجان رئيسيان للقمح والشعير والذرة، حيث يمثلان متوسط حصة (مجمعة) من 27 و23 و15% من الصادرات العالمية بين عامي 2016 و2020 على التوالي، بحسب بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو"، والتي جمعتها شركة "Statista".

كما تمثل الدولتان نحو 12% من صادرات بذور اللفت عالمياً، و10% من بذور دوّار الشمس.

كما يحصل برنامج الغذاء العالمي نفسه على 50% من إمدادات الحبوب من منطقة أوكرانيا وروسيا ويواجه الآن زيادات كبيرة في التكلفة في جهوده لمكافحة حالات الطوارئ الغذائية في جميع أنحاء العالم.

وقال بيزلي: "الحرب كارثة أتت على رأس كارثة أخرى"، في إشارة إلى التأثير المدمر لوباء "كوفيد-19" على معدلات الجوع في العالم.

ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة، قفز عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد من 135 مليوناً إلى 276 مليوناً منذ عام 2019، ويواجه أكثر من 800 مليون شخص شبح الجوع في جميع أنحاء العالم، بينما يتأرجح 44 مليون شخص في 38 دولة من حافة المجاعة، وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي.

إغلاق الموانئ وزيادة الأسعار 

أوكرانيا منتج ومصدر زراعي عالمي رئيسي، وقد تؤدي الحرب إلى انخفاض حاد في محصول 2022 والصادرات في موسم 2023 المقبل.

وإغلاق الموانئ الأوكرانية تسببت في زيادة أسعار المحاصيل عالميًّا إلى أعلى الشهر الماضي، وأجج المخاوف بشأن الأمن الغذائي بالشرق الأوسط وإفريقيا، اللذين يضمان بعض أكبر مستهلكي الصادرات الأوكرانية.

أسعار الغذاء

وتسببت الحرب في اختناق سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار النقل واللجوء لمسافات أطول ومحطات ترانزيت أثناء عمليات نقل السلع، ما زاد أسعار السلع الغذائية بشكل غير مسبوق في عدة دول غربية وشرق أوسطية.

وأوكرانيا وروسيا هما مِن أكبر 5 دول مصدرة للحبوب في العالم، ولذلك فإن الأمن الغذائي العالمي بات على المحك، حيث تبلغ قيمة التجارة الزراعية العالمية مع هذين البلدين نحو 1.8 تريليونات دولار، حسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو".

وبلغت أسعار السلع الغذائية العالمية " أعلى المستويات على الإطلاق" في مارس الماضي، في وقت عرقلت الحرب الروسية الأوكرانية صادرات القمح والحبوب، حسب بيان للمنظمة يوم الجمعة.

وارتفع مؤشر أسعار السلع الغذائية لدى المنظمة بنسبة 12.6% بين فبراير ومارس "في قفزة عملاقة إلى أعلى مستوى جديد منذ بدء العمل به في 1990".

وعزت "الفاو" الزيادة بشكل أساسي إلى مؤشر أسعار الحبوب الذي "سجل ارتفاعًا بنسبة 17.1% مقارنة بشهر فبراير الماضي، مدفوعًا بالزيادات الكبيرة في أسعار القمح وجميع الحبوب الخشنة، ويرجع ذلك أساسًا إلى الحرب في أوكرانيا".

أزمة الوقود 

قال أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، إن الحرب في أوكرانيا تؤدى إلى تفاقم أزمة ثلاثية الأبعاد تشمل الغذاء والطاقة والتمويل والتي تضرب الأشخاص والبلدان والاقتصادات الأكثر ضعفًا في العالم، وذلك في وقت لا تزل البلدان النامية تكافح مع قائمة من التحديات ليست من صنعها سواء تغير المناخ أو تداعيات وباء كورونا أو نقص الوصول إلى الموارد الكافية لتمويل الانتعاش.

تُعتبر روسيا من أكبر موردي الطاقة في العالم فإن أسعار النفط ارتفعت بأكثر من 60% عن العام الماضي، وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي بنسبة تصل إلى 50% في الأشهر الأخيرة، وزادت أسعار الأسمدة أكثر من الضعف، منوهًا بأن التضخم أخذ في الارتفاع والقوة الشرائية آخذة في التآكل وآفاق النمو آخذة في الانكماش والتنمية متوقفة وفي بعض الحالات تنحسر المكاسب.

كما حذر أمين عام الأمم المتحدة، من أن العديد من الاقتصادات النامية تغرق في الديون في وقت تزداد المخاطر وضغوط أسعار الصرف؛ ما يؤدى إلى بدء حلقة مفرغة محتملة من التضخم والركود، مؤكدًا أن تقرير مجموعة العمل (المعني بالغذاء والطاقة والتمويل وتأسس مع انطلاق الحرب في أوكرانيا برئاسة ريبيكا جرينسبان الأمين العام لمجلس التجارة والتنمية "أونكتاد").

يوضح العلاقة المباشرة بين ارتفاع أسعار المواد الغذائية وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي وأن العالم لا يستطيع تحمل هذا.

ويعد التقرير الصادر عن مجموعة العمل الأممية قدم أكثر من 12 توصية دعت إلى ضرورة ضمان التدفق المستمر للغذاء والطاقة من خلال الأسواق المفتوحة ورفع جميع قيود التصدير غير الضرورية، مشددة على أن هذا ليس وقت الحمائية وأنه يجب توجيه الفوائض والاحتياطيات إلى المحتاجين، فضلًا عن الحفاظ على أسعار المواد الغذائية وتهدئة التقلبات في أسواق المواد الغذائية.

أزمة عملة في مصر 

تواصل الحرب الأوكرانية القذف بحممها على الاقتصاد العالمي، خاصة في زيادة التضخم وهبوط العملة المحلية في عدد من الدول، من بينها مصر التي تتجهز لامتصاص تأثيرات قفزة محتملة في التضخم.

وشهد سعر صرف الجنيه تراجعا جديدا أمام الدولار الأميركي، ليتراجع الثلاثاء بنحو 0.8 بالمئة ويهبط إلى مستوى 18.557 جنيها لكل دولار.

جاء ارتفاع سعر صرف الدولار في البنوك المصرية تزامنا مع ارتفاع مؤشر الدولار عالميا إلى أعلى مستوياته منذ مايو 2020، والذي قفز الثلاثاء، مقابل سلة من العملات الرئيسية إلى مستويات 100.2 نقطة بزيادة 0.3 بالمئة، تزامنا مع انخفاض اليورو 0.2 بالمئة والإسترليني 0.15 بالمئة.

وسمح البنك المركزي للجنيه، الذي كان مستقرا منذ نوفمبر 2020، بالتراجع 16 بالمئة مقابل الدولار في 21 مارس، بعد أن دفعت حرب أوكرانيا المستثمرين لسحب مليارات الدولارات من أسواق الخزانة المصرية.

ولتخفيف الضغط على سعر الصرف، لجأت مصر للدعم الخليجي لكي تطمئن صندوق النقد الدولي وتشجع المستثمرين الأجانب على العودة إلى سندات الخزانة المصرية.

وأعلنت دول الخليج تخصيص ما يصل إلى 22 مليار دولار لمصر لمساعدتها في التغلب على أزمة العملة.

 ارتفاع سعر المحروقات في المغرب 

يعاني المغرب بسبب الحرب في أوكرانيا، حيث رفعت الأزمة الروسية الأوكرانية أسعار الطاقة وعدد من المواد الغذائية.

أعلن مسؤول بقطاع الكهرباء في المغرب عن ارتفاع فاتورة مشتريات الطاقة والمحروقات خلال العام 2022 بأكثر من 2.56 مليار دولار مقارنة بـ2021.

وقال عبدالرحيم الحافيظي المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء في كلمة أمام البرلمان المغربي: "يقدر أن تبلغ فاتورة شراء المحروقات والكهرباء برسم سنة 2022 حوالي 47.7 مليار درهم".

 وبذلت الحكومة المغربية مجهودات جبارة لمواجهة موجة الغلاء العالمية، والحيلولة دون تأثر المواطن المغربي بتداعياتها السلبية على الأسعار.

ففي غضون أسبوعين فقط أنفقت الحكومة المغربية ما يفوق 30 مليون دولار أمريكي، لدعم مهنيي قطاع النقل، بغرض مساعدتهم على مواجهة الارتفاع المستمر لأسعار المحروقات.

أزمة اقتصادية في تونس 

أعلنت وزارة الطاقة التونسية رفع أسعار البنزين، في خطوة هي الثالثة من نوعها في 2022.

وقالت الوزارة إنها رفعت أسعار الوقود هذه المرة بنحو 5% في محاولة لكبح العجز في الميزانية.

وأضافت، أن سعر لتر البنزين سيرتفع يوم الخميس إلى 2.330 دينار (0.78 دولار) من 2.220 دينار.

وقبل يومين، قال المعهد الوطني للإحصاء في تونس إن العجز التجاري للبلاد اتسع إلى 4.3 مليار دينار (1.44 مليار دولار) في الربع الأول من 2022، من 3 مليارات في نفس الفترة من 2021.

وزادت الواردات إلى 18.3 مليار دينار بينما بلغت الصادرات 14 مليار دينار.

والعجز التجاري أحد المشاكل الرئيسية التي تواجه تونس في الوقت الذي تكافح فيه أزمة اقتصادية.

وقالت الحكومة التونسية يوم الثلاثاء الماضي إنها أوقفت تصدير الخضروات سعيا للتحكم في الأسعار المرتفعة في السوق المحلية وسط أزمة اقتصادية حادة تعصف بالبلد وارتفاع متنام لمعدلات التضخم.