رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د.عبد الحفيظ محبوب يكتب: كيف أجهضت السعودية مشاريع الشرق الأوسط؟

نشر
د.عبد الحفيظ محبوب
د.عبد الحفيظ محبوب

يعتبر مشروع الشرق الأوسط الكبير هو امتداد لمشروع ما يسمى بالقرن الأمريكي عام 1997 لتحقيق حلم الإمبراطورية الأميركية، لتأسيس نظام عالمي، يشمل تغيير خريطة الأمتين العربية والإسلامية، تستبق نهوض الصين وروسيا، لكن التقى حلم القرن الأمريكي بحلم تحقيق حلم الإمبراطورية الفارسية، وحلم تحقيق الإمبراطورية العثمانية في 2023.

فكما حشدت بريطانيا العرب ضد الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، ولم تكترث بهم، وقسمت المنطقة العربية وفق سايكس بيكو عام 1916 وتقاسمت المنطقة الدول الغربية، ولم تشترك معهم أمريكا، يتكرر السيناريو اليوم بشكل عكسي، فتحشد أميركا إيران وتركيا ضد العرب لنقض اتفاقية سايكس بيكو، ولكن لتفتيت المنطقة العربية، ظنا منها خدمة إسرائيل وتأمينها من خطر العرب الذين دائما ما كانوا يهددونها بالتخلص منها، ورميها في البحر، رغم أن أغلبها كان مجرد شعارات يتم المتاجرة بها، لكن كان الغرب يأخذها على محمل الجد، ما جعل الناتو يساهم في القضاء على القذافي في عام 2011.

ارتكزت هذه المشاريع كثيرا على نظريتي نهاية التاريخ لفكوياما عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، والنظرية الأخرى صراع الحضارات لهنتغتون، خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 عندما أصبحت الدول العربية مكشوفة على إيران وتركيا وإسرائيل، وطرح شمعون بيريز وقتها فكرة مشروع الشرق الأوسط الكبير من أجل دمج إسرائيل في المنطقة بدلا من استمرار عزلها، وكان مركز هذا المشروع تركيا الذي تم دعم أمريكا حزب العدالة والتنمية بالوصول إلى السلطة من أجل نقل التجربة الديمقراطية التركية الإسلامية الإخوانية المعتدلة بمسحة علمانية إلى الدول العربية، لكن تصدت السعودية لهذا المشروع ورفضته.

بعد فشل أمريكا في تحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير والجديد، لجأت أمريكا إلى مشروع الدين الإبراهيمي، باعتباره مشروع يجمع جميع الديانات في منطقة الشرق الأوسط اليهودية والنصرانية والإسلام، ولو تتبعنا رؤية ريتشارد هاس المقرب من البيت الأبيض، وخليفة هنري كيسنجر صاحب رؤية استشرافية منذ عام 2008 عن عالم متعدد الأقطاب، والذي تحدث مؤخرا عما ستفعله جائحة كوفيد 19 من تسريع لتغيير شكل العالم، وله مؤلف صدر في مايو 2021 تحت عنوان (The World A Brief Introducion ) يقصد هاس أننا نعيش في حارة كونية، وليس قرية كونية، ما يعني أن العالم ماض قدما نحو التغيير، وفي نفس الوقت مصحوبا بصراعات لن تتوقف، ويربط هاس تلك الصراعات بما حدث بأحداث 11 سبتمبر عام 2001.

هواجس من هجوم سيبراني

هناك اليوم هواجس من هجوم سيبراني، يمكن أن تتعرض له الولايات المتحدة، ما يطرح تساؤلات عميقة حول إشكاليات العصر، المتمثلة في الجماعات الخارجة عن القانون، كما يستحضر هاس الأزمة المالية في عام 2008 التي نشأت عن التورق الخاصة بالرهونات العقارية في الولايات المتحدة، وهو يتساءل عن مستقبل هذا النظام، وهل النظام الليبرالي قادر على رعاية هذا المستقبل؟ أو قادر على تجديد نفسه لمواجهة تلك المشكلات التي جدت؟، رغم أنه يؤمن من أن هذا النظام الليبرالي آخذ في التآكل، وهو ما يجعل الولايات المتحدة مترددة بين الاقدام والإحجام عن لعب دور جوهري حول العالم.

سبق أن وصف هنري كيسنجر الولايات المتحدة بأمة مترددة، ما بين الاندماج والانعزالية، ضمن ملامح عالم عاودت فيه القوميات الظهور خلال العقدين الماضيين بشكل مخيف، وكما يرى هاس أن تلك القوميات الحصرية النافية لحقوق الغير تؤدي إلى تقويض النظام العالمي الحالي، ويحاجج هاس بالنموذج الروسي الذي دفع بويتن نحو التمحور حول قومية روسيا في محاولة لدرء الخطر عما تبقى لروسيا، بعد أن تعرضت روسيا لإذلال غربي غير مسبوق، ومن أميركا أيضا غداة سقوط الاتحاد السوفيتي.

يعتبر هاس التراجع الأمريكي حماية لنفسها، لكنه ينتقد الغموض الأميركي تجاه تايوان، ويعتبره الخطر المتنامي على أمريكا، نشر هاس مقالا في ديسمبر 2021 في مجلة فورين أفيرز الأميركية بعنوان زمن أمريكا أولا، واشنطن وبناء إجماع معيب على سياستها الخارجية، وهو ككل الاستراتيجيين الأمريكيين تعكس مساهماتهم الاستراتيجية انشغالا دؤبا بالشأن الأمريكي، ويتبنى استراتيجية جديدة تحت عنوان ( نحو عصر أمريكي جديد)، وأن على أمريكا أن تشكل نظام عالمي عريض يتشكل من الحلفاء التقليديين لأمريكا في أوربا وآسيا، وحذر أميركا من ممارسة دورها كإمبراطورية كما حلم بها المحافظون الجدد من خلال مبدأ أمريكا أولا أو من خلال تأجيج القومية الأمريكية بطبيعتها الترامبية أو البايدينية.

بعد 2001 احتلت أمريكا أفغانستان والعراق، لكنها انسحبت مبكرا من العراق بعد تجريده من قوته العسكرية، مما سهل هيمنة إيران على العراق، لتنفذ مخططات الشرق الأوسط من أجل تحقيق القرن الأمريكي لصالح إيران وتركيا، أي مشروعي ولاية الفقيه ومشروع الخلافة الإخوانية مركزها تركيا.

ولولا الوقفة الشجاعة للمك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله في إرسال الجيش السعودي إلى البحرين عام 2011 وحمايتها من إيران، ولم يكترث بالضغوط الأمريكية تحت يافطات حقوق الإنسان، واتجه لاحقا نحو إنقاذ أكبر بلد عربي مصر ودعم ثورة 2013، ولم يكترث أيضا للقنوات الإعلامية المضادة التي تصف استعادة الشعب المصري والجيش الأمن في مصر وإنقاذها من فك تيار الإخوان الذي يدين للمركز في تركيا من أنه انقلاب على الشرعية، وواصل الملك سلمان حفظه الله شجاعته في حماية الأمن اليمني عندما شكل تحالف عربي في وقف تدخل إيران عبر مليشياتها الحوثيية في اليمن، بعدما فشلت إيران في البحرين لكنها تصر عبر ربط الملف اليمني بالملف النووي بينها وبين دول العالم، لكن رفضت السعودية هذا الربط، واعتبرت الملف اليمني ملف أمن سعودي وخليجي وعربي ولا دخل لإيران فيه، ولن تقبل بوجود حزب الله يمني على حدوها يتبع لإيران.

شكلت السعودية التحالف العربي بعد استعادة مصر عافيتها من أجل أن يقف عائقا أمام مشاريع الولايات المتحدة في المنقطة، بل جعل هذا التحالف بقيادة السعودية تحويل تركيا من قيادة مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد إلى المتاهة في الشرق الأوسط، بعدما انخفضت الليرة التركية إلى أدنى مستوى، واليوم تبحث تركيا عن مراجعة هذا الدور، واستعادة علاقاتها مع الدول العربية، وأتت زيارات متبادلة بين دولة الإمارات وتركيا، لكن السعودية ومصر متريثة نحو قبول زيارة أردوغان لهما حتى يتم التوافق حول عدد من الملفات العالقة بين الجانبين، رغم ان تركيا تذكر السعودية ومصر من أن هناك ملفات خلافية مع إيران وروسيا، لكن هناك علاقات جيدة، وفشل مشروع أحلام تركيا في استعادة أحلام الإمبراطورية العثمانية في 2023، وبعد فشل أمريكا في وقف التحالف السعودي الروسي، او مواجهة سعودية للصين، أعطى السعودية مكانة دولية وقوة لا يستهان بها.

بعدما تركت أمريكا إيران تعيث في المنطقة العربية، وبعدما ساهمت في رفع سهمي حسن نصر الله في لبنان ومقتدى الصدر في العراق، وارتفعت أسهم حسن نصر الله العربية والإسلامية بعد حرب 2006 وعندما حذر وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل رحمه الله من أنه ورط العرب، لكن هوجم من الجميع، وكذلك رفعت إيران أسهم الصدر في العراق عندما اشترك في الحرب الطائفية عام 2006، وخشيت إيران من صعود نجم حسن نصر الله القومي العروبي، فورطته في حروبها في سوريا عندها فقد حسن نصر الله أسهمه عند العرب.

وعندما لم تتمكن إيران بعد العقوبات الغربية في تمويل مليشياتها وعلى رأسهم حزب الله، لجأ حزب الله إلى صناعة المخدرات التي هي ضمن المشروع الإيراني، وشارك في دعم الحوثيين بجانب الحرس الثوري الإيراني، فأصبح في مواجهة مع السعودية، لكن رفض مقتدى الصدر الانخراط في المشاريع الإيرانية مثلما لجأ حسن نصر الله، ولجأ الصدر إلى السعودية لحمايته من مرتزقة إيران، ونجح في الانتخابات الأخيرة، ويرفض حكومة المحاصصة التي تدعو لها إيران، كما كانت في السابق، من أجل أن تستمر هيمنة إيران، ويصر الصدر على حكومة أغلبية وطنية بدعم عربي.

حتى أصبح الإرهاب اليوم ملتصق بإيران، وبمليشياتها، خصوصا عندما أخرج نوري المالكي رئيس وزراء العراق في عام 2014 نحو 1500 إرهابي من سجون العراق ليكونوا نواة داعش، وأمر الجيش بمنع مواجهة داعش، وترك أسلحته لداعش الذي سيطر على ثلث العراق، عندها استطاعت إيران تشكيل مليشات الحشد الشعبي لمقاتلة داعش، بالتوازي مع تشكيل العالم تحالف عسكري لمقاتلة داعش، فيما أتت السعودية الدولة الثانية بعد الولايات المتحدة في توجيه ضربات جوية لداعش في سوريا، أي أنها حمت سوريا من الإرهاب، والمنطقة بالكامل، فيما سوريا المتحالفة مع إيران تتهم السعودية انها دعمت الإرهاب في سوريا من أجل إبقاء مليشيات إيران في سوريا، وتعتبره حق سيادي، لكن العالم يعتبر تلك المليشيات إرهابية، ويجب إنهاء تلك المليشيات بما فيها حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق وفي سوريا والحوثيين في اليمن.

تدخل المنطقة مرحلة جديدة بعد انتصار السعودية ومصر على المشروعين، رغم محاولات الحرس الثوري الإيراني من سد الثغرة في اليمن، بعد الضربات الموجعة التي قام بها التحالف بقيادة السعودية في اليمن وتحريك عدد من الجبهات في مأرب وحجة وصعدة وتعز والبيضاء وغيرها لتجفيف قدرات الحوثي، واستهداف قياداته، وضرب البنية التحتية، ومخازن الأسلحة، عبر قدرات استخباراتية مكثفة للسعودية على أرض اليمن، رغم أن هناك محاولات انقاذ الحوثيين عبر تهريب أسلحة من المهرة ومن الحديدة وعبر طائرات الأمم المتحدة، لكن العيون الاستخباراتية لهم بالمرصاد تتبع سير وأماكن هذه الشحنات، وتترصدها وتلقى مصيرها كمصير غيرها عبر ضربات جوية، يتزامن مع فشل تحشيد قيادات الحوثي أبناء القبائل، وفشل تحشيد قااني قائد فيلق القدس الذي صرح من أن أجداد الشيعة اجتثوا بني أمية، بعدما رفض الصدر تدخل إيران في العراق، ويصر على عبارة لا شرقية ولا غربية.