رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

“حزب الله” وإسرائيل.. شبكات تجسس وحرب بالوكالة

نشر
الأمصار

يعمل إسرائيل دائمًا على زرع عيون تجسس له في جميع دول العالم لاسيما منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية تحديدًا؛ بحجة أن ذلك يوفر المزيد من المعلومات التي تمنع له أي مخاطر؛ والدليل على هذا تتراود الأخبار من حين لآخر حول الكشف عن شبكات تجسس إسرائيلية وفي الحقيقة فإن الكشف عن هذه الشبكات يكون النسبة الأقل من عدد الشبكات الفعلية التي يزرعها إسرائيل في المنطقة بأكملها، وفي الساعات الأخيرة أعلنت أجهزة الأمن اللبنانية ضبط ضبط 17 شبكة تجسس لمصلحة إسرائيل، وتبين أن دور هذه الشبكات محلي وإقليمي، ومن هذا المنطلق يناقش التقرير التالي حيثيات الموضوع كالتالي:

تفاصيل شبكات التجسس

قد كشف وزير الداخلية اللبناني “بسام مولوي”، أن الأجهزة الأمنية اللبنانية استطاعت ضبط  17 شبكة تجسس لمصلحة إسرائيل وطبقًا للمعلومات الواردة فهذه الشبكات تحتوي على 20 جاسوسًا موزعين على المدن التالية: بنت جبيل وصور وصيدا وبيروت وكسروان وطرابلس، إضافة إلى 10 أشخاص مشتبه فيهم جارٍ التحقق منهم، كما أوضحت البيانات الأمنية أن أحد الجواسيس مقرب من الواعظ الديني اللبناني الشيخ “أحمد الأسير”، كما أن جاسوسًا آخر عنصر في التعبئة العامة التابعة لـ “حزب الله”، وآخر مسؤول حملة انتخابية لمرشح نيابي في صيدا، إضافة إلى أحد الوجوه البارزة في الثورة، وشخص من فرع المعلومات.

ويوضح الأمن أن هذه الشبكة هى الأكبر في لبنان كله، واكتشافها هو أكبر عملية أمنية ضد التجسس الإسرائيلي منذ عام 2009، وسُجل فيها تهاوي شبكات الموساد الإسرائيلي، واحدة تلو الأخرى ويؤكد أنه تمكن خلال 4 أسابيع، من وضع يده على ملفات تتعلق بحوالى 35 شخصًا مشتبه في تورطهم بمد إسرائيل بصورة مباشرة أو غير مباشرة .

وتشير المعلومات إلى أن الشبكات كانت موزعة على كل الأراضي اللبنانية ومن طوائف مختلفة، وتبين وجود خرق في “حزب الله” تمثل في تجنيد أحد عناصر التعبئة في الحزب، شارك في مهمات في سوريا.

علم لبنان

وتم اكتشاف مشتبه فيه سوري موجود في دمشق، نسق الجهاز الأمني التابع لـ “حزب الله” مع الأجهزة الأمنية في سوريا لتوقيفه،  وقد اعترف هذا المشتبه بأنه كان يعمل على رصد مقار مدنية وعسكرية وتجارية، ويوفر خرائط طرقات ومبان في دمشق، من دون أن يعرف الهدف من وراء جمع هذه المعلومات، والغريب في الأمر بأن غالبية الموقوفين لا يعلمون أنهم لا يعملون لصالح إسرائيل حيث تم تجنيدهم بشكل غير مباشر بذريعة العمل على جمع معطيات عن الساحة اللبنانية، وإجراء أبحاث وتجميع معلومات.

وكانت  طريقة التواصل عبر مواقع إلكترونية وغرف دردشة مغلقة، أو عبر اتصالات هاتفية بواسطة خطوط هاتف لبنانية وتتم عمليات التجنيد من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ويستغل إسرائيل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها لبنان ويعمل على تجنيد الأفراد حيث أن دافع هؤلاء الأفراد يكون بسبب الحاجة إلى المال، وتكون طريقة دفع الأموال عن طريق شركات تحويل الأموال من بلاد أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية ويتم تحويل المبالغ عن طريق دفعات صغيرة حتى لا تلفت الأنظار.

وقد برر أحد المقبوض عليهم أن تعامله مع إسرائيل كان من دافع كرهه من “حزب الله” ورغبته في التخلص منه، معترفًا بمبادرته الاتصال بالإسرائيليين الذين نقلوه إلى الأردن، حيث خضع لدورات متخصصة وفحص كشف الكذب، ومن ثم أُخضع إلى تدريب على استخدام طائرات من دون طيار، كما أنه زُود بإحداها واستخدمها في بعض مهامه.

حسن نصر الله

عداء متبادل

العلاقة بين إسرائيل وحزب الله علاقة عداء مستمر؛ ولذلك يسعى إسرائيل إلى استثمار الأزمة اللبنانية المُركَّبة  لتحسين قواعد الاشتباك لمصلحته لأنه يرى أنها تهديدًا لأمنها القومي وبالتالي يسعى إلى تمركزه في المناطق التي يؤدي فيها حزب الله دورًا سواء في لبنان وفي سوريا حيث أن إسرائيل قام إسرائيل بالأمس بغارات جوية على مواقع قرب العاصمة دمشق؛ وتنطلق هذه العلاقة العدائية بسبب العداء مع إيران بسبب البرنامج النووي الإيراني الذي يعتبره إسرائيل منافسًا له في الشرق الأوسط  وقد دخل الطرفان الحرب المفتوحة منذ عام 2005 اتخذت هذه الحرب الطابع السيبراني والذي عن طريقه يتم تشكيل شبكات تجسس  كما أنه نموذج أكثر أمانًا وتأثيرًا في ذات الوقت وله بعدان الأول على الجانب الإسرائيلي،  حيث استخدام الحرب السيبرانية يظهر التفوق الإسرائيلي في اقتناء التقنيات التكنولوجية الأمنية ، وعلى الجانب الإيراني تظهر أن إيران دولة ليست بأقل مكانة من إسرائيل في امتلاك مقدرات تكنولوجية تصل إلى معلومات أكثر سرية في إسرائيل واختراقها.

خلاصة:  سيتم استنتاج أن الكشف عن هذه الشبكة يكون بمثابة حربًا بالوكالة بين إيران وإسرائيل على الأراضي اللبنانية حيث يستغل إسرائيل عدم رضا الشعب البناني عن حزب الله ورغبتهم في إبعادهم عن الساحة السياسية اللبنانية ويجند أفرادًا للتجسس لصالحه.

مرات سابقة

ليست المرة الاولى التي يتم الكشف عن شبكات تجسس حيث أن الطرفين يسعى للتجسس على الآخر وفيما يلي بعض الأمثلة:

  • الجانب الإيراني:
  • أعلن جهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك” في منتصف يناير إحباط محاولة إيرانية لتجنيد مواطنات إسرائيليات لمهام تجسس، وكانت لوائح الاتهام المنسوبة تكون تصوير سفارات إسرائيل، ومراقبة مسؤولين كبار في منظومة الأمن والدفاع الإسرائيلية، والتقرب من إحدى النائبات في الكنيست.
  • كشف جهاز الأمن العام الإسرائيلي في عام 2019 عن شبكة تجسس تديرها إيران عبر شبكات التواصل الاجتماعي لتجنيد عملاء في الأراضي المحتلة والضفة الغربية وغزة، كما قد كشفت التحقيقات معلومات تفيد بأن العلاقة مع المشغلين من سوريا قد تطورت إلى مستوى نقل المعلومات، بل وظهرت نوايا للقيام بأنشطة إرهابية ضد أهداف إسرائيلية، مدنية وعسكرية.
  • الجانب الإسرائيلي:
  • عملية اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري إيران “قاسم سليماني”، إذ كان لإسرائيل دور كبير في عملية الاغتيال وهو ما أوضحه مسؤولون أمريكان حيث أفاد مسؤول أميركي لموقع «ياهو نيوز»: “بأن فرقاً إسرائيلية تعاونت على مدى 6 ساعات سبقت الهجوم، مع نظرائهم في قيادة العمليات الخاصة الأميركية، في تعقب هواتف سليماني، التي كانت أرقامها بحوزة الإسرائيليين ومرروها للأميركيين، مما ساعد في تعقب أثره وهاتفه في بغداد”.
  • شبكات تجسس إيرانية وقد كشفتها للاستخبارات الإسرائيلية حيث توضيح وثائق سرية للهجوم على سفن إسرائيلية في خليج عُمان والمحيط الهندي.
  • محاولة اختراق حسابات حزب الله وأمينه العام حسن نصر الله واختراق حساب بنك “القرض الحسن” حيث الكشف عن مسار أموال حزب الله.
شبكات التجسس السيبراني

خلاصة القول: الكشف عن الشبكات التجسس الإسرائيلية على حزب الله في لبنان يعطي عدة مؤشرات وهى أن ذلك تصعيدًا للحرب المفتوحة والحرب بالوكالة بين إيران وإسرائيل حيث أنه منذ أيام قد كشف إسرائيل عن محاولة تجنيد إيران لفتيات إسرائيليات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن كلا الطرفين يستغلان الوضع الاقتصادي المتردي في لبنان وسوريا لتحقيق مصالح لكل منها، ومؤشر آخر مرتبط بكون أن إسرائيل يدرب جنوده في الأردن ينذر بأن الأردن معرض لحالة اختراق أيضًا ومهدد أمنيًا كما أنه من الممكن أن يساعد لبنان بمعلومات حول عمليات التجسس ومؤشر آخر وهو يوضح أن الدور الإسرائيلي لم يتوقف حيث أن هذه الشبكة تتعلق بأبعاد متعددة من الأمن الاجتماعي والاقتصادي والإعلامي اللبناني، وبشكل عام الحرب بين إيران وإسرائيل تتجه لمصير يحمل مزيدًا من التعقيدات والتي تحمل بالنتائج الاكثر أثرًا على البيئة الإقليمية المحيطة بهما، فكلاهما لديه برنامجًا نوويًا ولديه مقدرات تكنولوجية قادرة على تحقيق اختراقات والوصول إلى معلومات أكثر سرية فالحرب بينهما مفتوحة ممتدة الأفق تصل كل مدى إلى نفق أكثر ظلمة وذلك على حساب الدول العربية وأمنها القومي.