رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

ليبيا.. ما سيناريوهات المشهد السياسي القادمة؟

نشر
الأمصار

لا تزال ليبيا تعيش حالة عدم استقرار حيث استمرار الجدال حول انعقاد الانتخابات الرئاسية من جهة أو تشكيل حكومة جديدة وصياغة دستور من جهة أخرى وبين ذلك وذاك يتنظر الليبيون جلسة البرلمان القادمة لإعلان خارطة الطريق الجديدة التي ستحسم مستقبل الانتخابات علاوة عن مصير حكومة عبد الحميد الدبيبة التي تواجه مطالبات بتنحيها، وعلى هذا الضوء يناقش التقرير التالي  أحدث تطورات المشهد الليبي والسيناريوهات المطروحة بشأنه كالتالي:

دعم برلماني مشروط

أعلن 62 نائبًا في العاصمة الليبية طرابلس دعمهم لاستمرار حكومة الوحدة ولكن مع إجراء تعديلات جوهرية بها حيث قد أصدروا بيانًا أشاروا فيه إلى دعمهم منح حكومة رئيس الحكومة حرية تغيير وزرائه وتمثيل الدوائر الـ13 في جميع أنحاء ليبيا، مع تقديم الاقتراح بشأن أهمية التوافق بين الحكومة والمجلس الرئاسي وقيادة الجيش حول توحيد المؤسسة الأمنية، وقد اقترح النواب أيضًا أن تكون تركيا والإمارات ومصر وقطر راعين لهذا الاتفاق إذا وافقت عليه الأطراف الداخلية الليبية.

وعلى هذا الجانب هناك 3 شخصيات تتنافس لتولي منصب رئاسة الحكومة أهمهم وزير الداخلية في حكومة الوفاق السابقة “فتحي باشاغا”، وهو مدعوم من كلا الطرفين الغربي والشرقي الليبي، ولكن خطوة تغيير الحكومة تواجه معوقات تتمثل في الدعم الأممي الخارجي الذي يعارض تغيير حكومة “عبد الحميد الدبيبة” كما أنه يرفض تسليم السلطة لحكومة منتخبة، وهذا يعطي مؤشرًا بحدوث صدام سياسي في الفترة القادمة.

مجلس النواب الليبي

الانتخابات.. مصير مجهول

الانتخابات الرئاسية الليبية تواجه أزمات مركبة فهى أمام خلاف سياسي وخلاف على بنود دستورية، كما أنها توجد في مشهد سياسي محتقن ووضع أمني غير مستقر، فثمة  العديد من الأسباب وراء تأجيلها ومن أهم هذه الأسباب:

  • عدم الاتفاق على صلاحيات الرئيس ومن يمكنه الترشح ومن يُمنع، إضافة إلى كون هناك اعتراضًا على انتخاب الرئيس قبل إصدار دستور وهو ما يُعني عودة مرة أخرى للديكتاتورية حيث أن الفائز سيصدر قوانين دون حدود قانونية توقفه.
  • الخلاف حول بعض بنود قانون الانتخابات والمتمثلة في:
  • المادة العاشرة من قانون الانتخابات والتي تشترط في : “ألا يكون المترشح لمنصب الرئيس محكومًا عليه نهائيًا في جناية جناية”، وهذا مخالف للعفو العام الذي حصل عليه بعض المرشحين للانتخابات وعلى رأسهم سيف الإسلام القذافي، فهذا البند أثار جدلًا حول كونه معني بإسقاط الأحكام بشكل نهائي .
  • المادة الـ12 من قانون الانتخابات وهى صاحبة جدال كبير حيث تنص على: “يتوقف المرشحون عن ممارسة مهامهم قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر وإذا لم ينتخب سيعود لسابق عمله”، وهذه المادة تثير جدال بأنها شرطت للبعض بحق المشاركة والعودة إلى مناصبهم إذا خسر المرشح المنافسة وهنا متعلقة بالمرشح عبد الحميد الدبيبة الذي لا يزال في منصبه كرئيس للحكومة وهنا طُرحت الكثير من التساؤلات حول وضعه إذا خسر في الانتخابات.
  • محاولات الترويج لبنود مواد تمنع ترشح العسكريين وهنا إشارة إلى ترشح المشير خليفة حفتر قائد الجيش.
  • معضلة أمنية بسبب سيطرة الجماعات المسلحة على البلاد، وهذا يجعل مبدأ نزاهة الانتخابات والمراقبة المستقلة للعملية الانتخابية في خطر.
  • تقدمت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بأن سبب هذا التأجيل ظروف فنية وقضائية وأمنية حيث منذ بدء عملية التحضير للانتخابات الرئاسية قبل أسابيع، سُجلت حوادث أمنية في بعض المراكز الانتخابية غرب ليبيا، إلى جانب محاصرة مسلحين مقر محكمة سبها جنوب ليبيا لأيام، علاوة على ذلك انتشرت مجموعات مسلحة في عدة مناطق جنوب العاصمة الليبية قبل عقد الانتخابات بأيام قليلة.
  • وفي ذلك الإطار لم تنشر المفوضية القوائم النهائية للمرشحين الذين بلغ عددهم 98 مرشحاً، والذين انخفض عددهم بعد الاستبعادات إلى 73 مرشحًا، مشيرة إلى أن سبب ذلك ظروف “قاهرة” حيث: “التداخل القائم بين المعطيات السياسية والأحكام القضائية الصادرة” بشأن أهلية المترشحين، وبسبب تلك المعوقات فإنه بعد إعلان تأجيل الانتخابات إلى 24 من يناير 2022 تبقى المخاوف معقودة حيث أن الأوضاع الداخلية لم تبشر باتخاذ أي خطوة للأمام.
رئيس الوزراء الليبي

مواجهات إرهابية

لعل وجود الجماعات الإرهابية هي أكثر العوامل التي تعرقل مسار التحول الديمقراطي وعملية انتخاب رئيس، فالطريق إلى إجراء انتخابات رئاسية طريق خطر بسبب هذه الميليشيات المسلحة وذلك بسبب:

  • ليس من مصلحة هذه الجماعات المتطرفة أن يُنتخب رئيس لليبيا وينتهي الصراع المأزوم التي لن تجد لها سبيلًا إذا انتهت الانقسامات بين شرق وغرب.
  • وجود مثل هذه الميليشيات خطر أمام الإجراء النزيه للانتخابات، كما أن القوى الفاقدة للشعبية في الشارع الليبي تستخدم هذه الميليشات لتنفيذ عمليات عنف وذلك بهدف إفساد المسار السياسي.
  • الجماعات المسلحة تريد الاحتفاظ بنفوذ لها في المشهد السياسي الليبي وبالتالي يسعى كل قائد جماعة الظهور أكثر وهذا يدفع الجماعات المسلحة بالتشابك مع بعضها البعض لتضمن مكانًا لها في مؤسسات الدولة.

تهديدات الجماعات المسلحة الأمنية لم تساعد المفوضية العليا للانتخابات على إقامة إنتخابات بشكل عادل ونزيه، ومثال على ذلك بيان ميليشات الغرب الليبي بمناسبة قرب إجراء الانتخابات الرئاسية بأن: “إجراء انتخابات دون تعديلات دستورية غير معترف بها” ، وهذا تلميح وتهديد برفض أي نتائج للانتخابات.

إلى جانب ذلك فإن الغالبية الأكبر من الليبيين يتمركزون في الغرب الليبي الذي به قيادات تعترض على الانتخابات الرئاسية، وبالتالي هذا يفوت الفرص امام المرشح من المنطقة الغربية بالقيام بالدعاية الانتخابية.

ولعل أبرز مثال على نفوذ تلك الجماعات المسلحة اندلاع اشتباكات عنيفة في الساعات القليلة الماضية في مدينة غريان، جنوب العاصمة الليبية طرابلس، فتلك  المجموعات المسلحة تتصارع على النفوذ والتجارة غير المشروعة؛ نظرًا لأن الأوضاع الأمنية بالتأكيد تجعل نشاط الإرهابيين “أمرًا سهلًا”؛ لأنهم قادرون على التحرك بحرية والحصول على الدعم اللوجسيتي، ومراقبة النقاط الأمنية، فالجنوب الليبي أكثر المناطق التي شهدت عمليات إرهابية، وكذلك شهدت عمليات عسكرية من الجيش لمحاصرة الإرهاب.

سيناريوهات ضبابية

المشهد السياسي الليبي لا يزال ضبابيًا معقدًا، حيث أن احتمالية إجراء انتخابات رئاسية في ليبيا تقل يومًا بعد يوم وذلك لأنها تحاط بالعديد من الانقسامات السياسية والتحديات الأمنية وبالأخص في الغرب الليبي حتى وإن عُقدت الانتخابات فإن فرص الانتقال إلى الاستقرار السياسي ليست بكبيرة وسط صراعات سياسية فخطوة الانتخابات لم تشجع على القول بأن ليبيا على مشارف انتقال ديمقراطي مستقر بل تزيد هذه الانتخابات الوضع سوءً، إضافة إلى ذلك فإن الحديث عن تغيير الحكومة أولًا وسط الاعتراض على بنود دسنورية في قانون الانتخابات يزيد من الأمر تعقيدًا، فخطوة تشكيل الحكومة أولًا قبل إجراء الانتخابات لا تنذر بتحرك إيجابي في الشمهد السياسي حيث:

  • خطوة تشكيل حكومة في الوقت الحالي سيكون أمرًا صعبًا بسبب الظروف الداخلية السياسية والعسكرية وتذبذب الموقف الدولي غير الموحد، كما أنه يزيد من الانقسام السياسي خصوصًا في الغرب الليبي.
  • مستقبل المشهد السياسي في ليبيا غير واضح، حيث تصرح مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية في ليبيا ” ستيفاني ويليامز” على ضرورة التركيز على المسار الانتخابي في إطار خارطة طريق ملتقى الحوار السياسي التي تنتهي يوم 21 يونيو 2022 مع التركيز أيضًاعلى المصالحة الوطنية.

موضحة: “غير أن بعض الأطراف الليبية تحاول إعادة اختراع العجلة من جديد من خلال ما يسمى بخارطة طريق برلمانية وإدخال ليبيا في فترة انتقالية أخرى غير مضمونة النتائج وغير محددة التوقيت ومحفوفة بالمخاطر، وذلك بمحاولة إنتاج حكومة أو سلطة تنفيذية جديدة، مع التعهد بإنجاز الاستفتاء على الدستور كطعم لبعض الأطراف ليتماشى معها في هذه الخارطة”، وعلى جانب ذلك هناك سيناريوهات كما يلي:

  • السيناريو الأول: دمج خارطة طريق ملتقى الحوار السياسي مع خارطة الطريق البرلمانية من خلال تحديد موعد جديد للانتخابات، والقيام بتعديلات وزارية في الحكومة الحالية واستيعاب بعض الأطراف المعارضة لها.
  • السيناريو الثاني: وهو الأرجح ومتعلق بالقيام بتعديل الدستور الحالي واعتماده حيث تعديل مواد الدستور المتعلقة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والاهتمام والتركيز على تحقيق تقدم في مسار توحيد المؤسسة العسكرية وفي مسار المصالحة الوطنية.

خلاصة القول: إن خطوة تشكيل حكومة جديدة أولًا لم تكن هى الحل الأمثل لتخطي الأزمة السياسية الليبية لأن تلك الخطوة تحمل في طياتها مزيدًا من التعقيدات أكثر وفي الوقت نفسه لا يزال إجراء الانتخابات الرئاسية محفوفًا بالمخاطر في ظل انقسام سياسي بين أطراف المجتمع الليبي، وانتشار موسع للجماعات الإرهابية التي لها نفوذ في المشهد السياسية حيث تسيطر على أجزاء واسعة من الأراضي الليبية، وفي ظل تلك التعقيدات ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية من المتوقع أن يعلم في الفترة المقبلة تأجيل الانتخابات، وبشكل عام فإنه رُغم أن كلا السبيلين معقد سواء إجراء انتخابات رئاسية أو تشكيل حكومة إلا أن التعديلات على البنود المختلف عليها في قانون الانتخابات والشروع في  إجراء الانتخابات الرئاسية يعد أفضل سيناريو من الممكن أن ينتهجه المشهد السياسي الليبي.