مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

بعد مرور 60 عامًا.. فرنسا تعتزم رفع السرية عن أرشيف التحقيقات الخاص بحرب الجزائر

نشر
الأمصار

أكدت وزيرة الثقافة الفرنسية روزلين باشلو، قرب رفع السرية عن أرشيف «التحقيقات القضائية» للحرب الجزائرية (1954-1962) وذلك بعد حوالى 60 عامًا وبينما تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية أزمة منذ أشهر.

وقالت باشلو، اليوم «أفتح قبل 15 عامًا أرشيف التحقيقات القضائية لقوات الدرك والشرطة حول حرب الجزائر».

جاءت هذه التصريحات بعد يومين على زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان للعاصمة الجزائرية.

الجزائر قبل الاستعمار

كان للجزائر قبل الاستعمار أسطول قوي، ومع مرور الزمن تقادم الأسطول حتى تحطّم كليا في معركة نافرين في 1827 عندما ساعدت الجزائر الدولة العثمانية ولم يبقَ منه سوى خمس سفن، فاغتنمت فرنسا الفرصة لتنفيد مشروعها الاستعماري في الجزائر. كانت الجزائر في القرن التاسع عشر من الدول العربية التي تتبع للدولة العثمانية. بدأ يدبّ الوهن في الدولة العثمانية ( الرجل المريض) و تزايد طمع الدول الأوروبية الاستعمارية عليها وعلى أقاليمها حيث وقعت كلها تحت الاحتلال الأوروبي بمختلف أشكاله ( وصاية . حماية . انتداب . استعمار مباشر كما هو الحال ).

الاحتلال الفرنسي للجزائر

فرنسا، التي كانت تنوي احتلال الجزائر منذ عهد نابليون بونابرت، استعملت حادثة المروحة كذريعة لاحتلال للجزائر. فهاجمت الجزائر من ميناء طولون بحملة بلغ قوامها 37,600 جندي. لمّا وصلت هذه الحملة إلى سيدي فرج في 14 يونيو 1830 الموافق 23 ذو الحجة 1245 هـ. وبعد الاحتلال فرضت فرنسا على الجزائريين قانون الأهالي.كان من نتائج الهجمة الاستعمارية الشرسة التي تعرضت لها المؤسسات التعليمية والوقفية والدينية، نضوب ميزانية التعليم وغلق المدارس وانقطاع التلاميذ عن الدراسة وهجرة العلماء. وبذلك فإن رسالة فرنسا في الجزائر كانت هي التجهيل وليس التعليم، مما يمكّن الفرنسيين من جعل الجزائر، أسهل انقيادا وأكثر قابلية لتقبّل مبادئ الحضارة الغربية. ولا تختلف السياسة التعليمية الفرنسية في الجزائر عبر مختلف مراحل الوجود الفرنسي عسكري كان أو مدني، لأنها كانت أهدافا واحدة وإن اختلفت التسميات.

فرنسا والثورات الشعبية

لوحة زيتية تبيّن رحى معركة الزمالة، التي جرت في 16 ماي 1843 تحت قيادة الأمير عبد القادر الجزائري.
لم تحتل فرنسا الجزائر بسهولة بل كانت هناك ثورات شعبية عديدة في كل إقليم وقفت في وجهها وقد عرقلت تقدم الاحتلال منذ دخوله.

لقد كان الشعب الجزائري رافضا الاستعمار الفرنسي جملة وتفصيلا، حيث واجهت فرنسا ثورات شعبية عديدة منها ثورة أحمد باي بن محمد الشريف في الشرق، ثورة عبد القادر الجزائري في الغرب، فاطمة نسومر في القبائل، وما كانت تخمد واحدة حتى تثور الأخرى إلى غاية القرن العشرين .ثم أتت ثورة التحرير الجزائرية في عام 1954 التي حرّرت الجزائر من الاستعمار .

الأسباب

باب الواد من القصبة – 1899م
أصبحت فكرة الاحتلال الجزائر مُلحّة منذ أن تأسست الشركة الملكية الإفريقية الفرنسية بمينائي القالة وعنابة. خصوصا بعد أن ظهرت الأطماع البريطانية في الجزائر من خلال الحملة إكسموت سنة 1816. وفي هذا الإطار كلف نابليون المهندس الفرنسي بوتان سنة 1808 م بإعداد دراسة عن الساحل الجزائري وضبط الخريطة المفصلة لأحسن موقع لإنزال الجيش على التراب الجزائري.

جرائم الاحتلال الفرنسي في الجزائر

سقط في قمع سلطات الاستعمار الفرنسي الآلاف فمثلا في مجازر 08 ماي 1945 بمدينة سطيف وقالمة وخراطة خلال ثلاثة أيام آلاف القتلى الجزائريين (45 ألفا بحسب إحصاءات الذاكرة الوطنية الجزائرية) برصاص الشرطة والجيش ومليشيات المستوطنين، كما قُتل فيها نحو مائة أوروبي بيد وطنيين جزائريين.

الإبادة الجماعية

ارتكب جيش الاحتلال العديد من الجرائم ضد المدنيين، والتي سماها المؤرخون بالرازيا (بالفرنسية: Razzias)‏:

يروي العقيد مونتانياك (Montagnac):

«أخبرني بعض الجنود أن ضباطهم يلحون عليهم ألا يتركوا أحدا حيا بين العرب.. كل العسكرين الذين تشرفت بقيادتهم يخافون إذا أحضروا عربيا حيا أن يجلدوا»
. ويقول النائب البرلماني طوكوفيل (Tocqueville):

«إننا نقوم بحرب أكثر بربرية من العرب أنفسهم.. لم يستطع الفرنسيون هزم العرب حربيا فهزموهم بالتدمير والجوع»
ويقول مونتانياك:

«لقد محا الجنرال لاموريسيير (La Moricière) من الوجود خمسة وعشرين قرية في خرجة واحدة، إنه عمل أكثر انعداما للإنسانية»
ويروي:

«..فبمجرد أن حدد موقع القبيلة انطلق سائر الجنود نحوه ووصلنا الخيام التي صحا سكانها على اقتراب الجنود فخرجوا هاربين نساء وأطفالا ورجالا مع قطعان ماشيتهم في سائر الاتجاهات، هذا جندي يقتل نعجة، بعض الجنود يدخلون الخيام ويخرجون منها حاملين زرابي على أكتافهم، بعضهم يحمل دجاجة، تضرم النار في كل شيء، يلاحق الناس والحيوانات وسط صراخ وغثاء وخوار، إنها ضجة تصم الآذان.(مدينة معسكر يوم 19 ديسمبر 1841)»
الرازيا كما يسميها الفرنسيون لا تهدف إلى معاقبة المخطئين وإنما صارت مصدرا لتموين الجيش. كان كل ما ينهب يباع ويوزع ثمنه على الضباط والجنود، ربع الغنائم للضباط والنصف للجنود كما يذكر شارل أندري جوليان.

يقول دوكرو (DUCROT):

«ما نهب في [رازيا] واحدة حمولة 2000 بغل»
. ويقول النقيب لافاي (LAFAYE):

«كان الضباط يخيرون الفلاحين بين أن يقدموا لهم الأكل أو الإبادة، كنا نخيم قرب القرية، يعطيهم الجنرال مهلة لإعداد الطعام أو الموت، كنا نوجه سلاحنا نحو القرية وننتظر، ثم نراهم يتوجهون لنا ببيضهم الطازج، وخرافهم السمينة، ودجاجاتهم الجميلة، وبعسلهم الحلو جدا للمذاق.(تلمسان 17 يوليو 1848)»
. يعلق شارل أندري جوليان:

«وتنتشر الرازيا فتصير أسلوبا للتدمير المنظم والمنهجي الذي لم يسلم منه لا الأشخاص ولا الأشياء. إن جنرالات جيش إفريقيا لا يحرقون البلاد خفية. إنهم يستعملون ذلك ويعتبرونه مجدا لهم سواء أكانوا ملكيين أم جمهوريين أو بونابارتيين».

يقول مونتانياك: «إن الجنرال لاموريسيير يهاجم العرب ويأخذ منهم كل شيء: نساء وأطفالا ومواش. يخطف النساء، يحتفظ ببعضهن رهائن والبعض الآخر يستبدلهن بالخيول، والباقي تباع في المزاد كالحيوانات، أما الجميلات منهن فنصيب للضباط.(معسكر 31 مارس 1843)»

ويروي الضابط المراسل تارنو: «إن بلاد بني مناصر رائعة، لقد أحرقنا كل شيء، ودمرنا كل شيء..آه من الحرب ! ! ! كم من نساء وأطفال هربوا منا إلى ثلوج الأطلس ماتوا بالبرد والجوع (17 أفريل 1842)…إننا ندمر، نحرق، ننهب، نخرب البيوت، ونحرق الشجر المثمر 5 يونيو 1841…أنا على رأس جيشي أحرق الدواوير والأكواخ ونفرغ المطامير من الحبوب، ونرسل لمراكزنا في مليانة القمح والشعير 5 أكتوبر 1842».

ويروي الجنرال لاموريسيير: «…في الغد انحدرت إلى حميدة، كنت أحرق كل شيء في طريقي. لقد دمرت هذه القرية الجميلة.. أكداس من الجثث لاصقة الجثة مع الأخرى مات أصحابها مجمدين بالليل.. إنه شعب بني مناصر، إنهم هم الذين أحرقت قراهم وسقتهم أمامي 28 فبراير 1843»

يقول مونتانياك: «النساء ولأطفال اللاجئون إلى أعشاب كثيفة يسلمون أنفسهم لنا، نقتل، نذبح، صراخ الضحايا واللاقطين لأنفاسهم الأخيرة يختلط بأصوات الحيوانات التي ترغي وتخور كل هذا آت من سائر الاتجاهات، إنه الجحيم بعينه وسط أكداس من الثلج (31 مارس 1842).. إن كل ذلك في هذه العمليات التي قمنا بها خلال أربعة أشهر تثير الشفقة حتى في الصخور إذا كان عندنا وقت للشفقة، وكنا نتعامل معها بلا مبالاة جافة تثير الرجفة في الأبدان (معسكر 31 مارس 1842).»

ويقول الجنرال شانغارنييه (Changarnier):

«إن هذا يتم تحت القيادة المباشرة لبوجو الذي راح جنوده يذبحون اثنتي عشرة امرأة عجوزا بلا دفاع مدينة الجزائر (18 أكتوبر 1841)»
ويقول الجنرال كانروبير ِ(Canrobert):

«ينفذ جنودنا هذا التدمير بحماس، إن التأثير الكارثي لهذا العمل البربري والتخريب العميق للأخلاق الذي يبث في قلوب جنودنا وهم يذبحون ويغتصبون وينهب كل واحد منهم لصالحه الشخصي، تنّس 18 يوليو 1845»
ويقول النقيب لافاي (Lafaye):

«لقد أحرقنا قرى لقبيلة بني سنوس. لم يتراجع جنودنا أمام قتل العجائز والنساء والأطفال. إن أكثر الأعمال وحشية هو أن النساء يقتلن بعد أن يغتصبن، وكان هؤلاء العرب لا يملكون شيئا يدافعون به عن أنفسهم (23 ديسمبر 1948).»
وقام العقيد ماكسيميليان جوزيف شوينبيرغ بمجازر كثيرة منها مجزرة قبيلة العوفية من 6 إلى 10 أفريل 1832م قرب الحراش.

التهجير والاستيطان

عندما احتلت فرنسا الجزائر، اتبعت عدة سياسات تجاه السكان الأصليين، وتتمثل في التفقير والتهجير واحتكار أسواقها. فيما وفرت كل سبل العيش والرفاهية للمستوطنين الجدد القادمين ومن فرنسا وباقي أوروبا.

ويتم منح للمستوطنين امتيازات من أراضي واسعة أصبحت تحمل أسماءهم فقد أُقيمت أول مستوطنة في بوفاريك سنة 1836 ثم توسعت على كل منطقة وصل إليها الاستعمار حتى بلغ عدد المستوطنون في نهاية القرن 19 إلى مليون مستوطن من مختلف الجنسيات الأوروبية وكان الهدف من الاستيطان:

تدعيم التواجد الأوروبي في الجزائر من أجل القضاء على الشخصية الوطنية
تدعيم التواجد العسكري
محاربة العقيدة الإسلامية ومحاولة التنصير
تشجيع الهجرة اليهودية إلى الجزائر، قانون كريميو 1870 خير دليل على ذلك.