تزداد حرارة المشهد الدولي وتتسارع الحسابات الاستراتيجية، إذ كشف مسؤول رفيع في حلف شمال الأطلسي «الناتو» عن دراسة تحركات استباقية مُحتملة ضد «روسيا»، في خطوة تُنذر بمرحلة جديدة من التصعيد في صراع النفوذ بين موسكو والغرب.
وفي التفاصيل، أعلن رئيس اللجنة العسكرية لحلف الناتو، «الأميرال جوزيبي كافو دراغوني»، اليوم الإثنين، أن الحلف يدرس اتخاذ «إجراءات استباقية» للتعامل مع ما يعتبره الناتو «أعمالًا عدائية» من الجانب الروسي، بحسب اعتقاده.
قال «دراغوني» في حديث لصحيفة «فاينانشال تايمز»: «ندرس كل شيء. وفي المجال السيبراني نحن نرد بالأحرى. وأما العمل بشكل أقوى أو بشكل استباقي فهذا ما نُفكر فيه».
وأوضح الأميرال، أن حلف الناتو قد يدرس «الضربات الاستباقية» بمثابة «إجراءات دفاعية».
أفاد جوزيبي كافو دراغوني، بأن ذلك «يتجاوز إطار الأساليب العادية للتفكير أو السلوك» للناتو، مُضيفًا أن الصعوبات تخص الأمور القانونية ومسألة من سيقوم بتلك الأعمال تحديدًا.
يُذكر أن «روسيا» أعلنت أكثر من مرة أنها لا تعتزم شن أي هجوم على «دول الناتو»، وأعربت عن قلقها إزاء التحركات العسكرية للحلف بالقُرب من الحدود الروسية.
بينما تتواصل «الحرب في أوكرانيا» بلا أفق واضح للحل، دفعت «موسكو» بدول البلطيق إلى واجهة المشهد، واضعة انسحاب «الناتو» منها كشرط جوهري لأي تفاهم يُفضي إلى إنهاء النزاع. هذا الطرح الروسي، الذي يُعدّ الأكثر صرامة منذ بدء الأزمة، يُهدد بتوسيع نطاق المواجهة ويكشف عن رغبة «الكرملين» في إعادة رسم خرائط النفوذ العسكري في شرق أوروبا وفق رؤيته الخاصة.
وتشترط «روسيا»، في موقف يُنظر إليه على أنه "تصعيد كبير"، انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي «الناتو» من دول البلطيق كأحد المفاتيح لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وفق ما نقلته مجلة «نيوزويك» الأمريكية عن مسؤول روسي رفيع، وهو مطلب تعتبره العواصم الغربية صعب التحقيق.
وقال «سيرجي ريابكوف»، نائب وزير الخارجية الروسي المسؤول عن العلاقات مع الولايات المتحدة ومنع الانتشار والحد من التسلح: إن انسحاب قوات الناتو من دول البلطيق من شأنه أن يُسهم في إنهاء الحرب المُستعرة قبل (3) سنوات، وذلك خلال مقابلة مع وكالة الأنباء الحكومية «تاس» الروسية.
ويحتفظ حلف شمال الأطلسي «الناتو» بحضور عسكري قوي في دول البلطيق، إذ تتمركز مجموعات وألوية قتالية مُتعددة الجنسيات في «بلغاريا، إستونيا، المجر، لاتفيا، ليتوانيا، بولندا، رومانيا، وسلوفاكيا».
وعزز التحالف العسكري وجوده بالمنطقة في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا، وقال حلف شمال الأطلسي: «إن المجموعات القتالية الثماني تُظهر قوة الرابطة عبر الأطلسي وتضامن التحالف وعزمه وقدرته على الرد على أي عدوان».
وصرّح «الكرملين»، بأن على أوكرانيا التخلي عن طموحاتها بالانضمام إلى «الناتو» كشرط لإنهاء الحرب، لكن نائب وزير الخارجية الروسي، أضاف إلى الشرط الأول شرطًا آخر بأن على التحالف الانسحاب الكامل من دول البلطيق أيضًا.
وذكرت ثلاثة مصادر روسية، الشهر الماضي، مطلعة على المفاوضات التي تقودها واشنطن، أن «شروط بوتين لإنهاء حرب أوكرانيا تتضمن تعهدًا مكتوبًا من القادة الغربيين بوقف توسع الناتو شرقًا»، بحسب «رويترز».
وأضاف نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف: أن «عودة ترامب إلى البيت الأبيض، مُعلنًا التزامه بتسوية سياسية ودبلوماسية للأزمة الأوكرانية، أصبحت سببًا للتفاؤل الحذر بشأن إمكانية تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، وفي هذا السياق، أجرى رئيسًا روسيا والولايات المتحدة أربع محادثات هاتفية».
وفي وقت سابق، أكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية، «دميتري بيسكوف»، أن الجيش الروسي يُراقب الوضع في منطقة البلطيق ويتخذ الإجراءات المناسبة.
وقال «بيسكوف»، للصحفيين في تعليق على تصريحات رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السويدية، توماس نيلسون: «بشكل عام، نحن نتحدث عن مشاركة واسعة النطاق في الحلف (الناتو)، بالطبع يراقب جيشنا عن كثب ذلك ويُراقب كل هذه العمليات ويتخذ الإجراءات المناسبة».
وبينما تُصعّد «موسكو» شروطها وتُوسّع من دائرة مطالبها لتشمل «دول البلطيق»، يبدو أن فرص التوصل إلى تسوية سريعة تتراجع أمام واقع جيوسياسي مُعقّد، تتشابك فيه مصالح الدول الكبرى وخطوط النفوذ العسكري. ومع تمسّك كل طرف بمواقفه، يبقى مستقبل الحرب الأوكرانية مرهونًا بما هو أبعد من ساحات القتال، ليصل إلى حدود الحلف وموازين القوة في شمال شرق أوروبا.
من ناحية أخرى، وسط تصاعد التوتر بين روسيا وحلف «الناتو»، وجّه المتحدث باسم الكرملين، «دميتري بيسكوف»، تحذيرًا شديد اللهجة بأن الأجواء الروسية تُمثّل خطًا أحمر لن يتم تجاوزه، وأن الرد الروسي سيكون قويًا وحاسمًا ضد أي محاولة لانتهاك السيادة الجوية.