كشفت وثيقة أوروبية سرية عن أن إسرائيل استخدمت سياسة التجويع كسلاح خلال عدوانها على قطاع غزة، في ممارسة اعتبرتها الوثيقة "جرائم فظيعة" ترقى إلى جرائم حرب بموجب القانون الدولي.
وذكرت الوثيقة، التي نقلت عنها وسائل إعلام، أن عشرات الآلاف من النساء والأطفال قُتلوا في قطاع غزة خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية، ما يشير إلى ارتفاع غير مسبوق في حصيلة الضحايا من المدنيين.
وتعد هذه الوثيقة، بحسب مراقبين، من أشد الإشارات الأوروبية حدة تجاه ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في القطاع، وتسلّط الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها السكان المدنيون وسط استمرار الحصار والدمار الواسع.
ويأتي ذلك في ظل تزايد الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف العمليات العسكرية، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية، وضمان الحماية للمدنيين في غزة.
كشف موقع EU Observer عن وثيقة سرية صادرة عن وحدة حقوق الإنسان التابعة للاتحاد الأوروبي، تؤكد أن إسرائيل ارتكبت انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني في قطاع غزة، وعلى رأسها استخدام سياسة التجويع كسلاح حرب، وقتل عشرات الآلاف من النساء والأطفال خلال عدوانها المستمر.
وتحمل الوثيقة، التي يعود تاريخ إعدادها إلى نوفمبر 2024، إدانة واضحة وصريحة لسلوك الجيش الإسرائيلي في غزة، وتستند إلى مراجعة داخلية أُجريت بطلب من مفوض السياسة الخارجية في حينه، جوزيب بوريل. وقد تسربت أجزاء منها سابقًا عبر موقع The Intercept، لكن هذه هي المرة الأولى التي تُنشر فيها الوثيقة كاملة، وفقًا لمصادر أوروبية.
ويُشكل التقرير، بحسب خبراء حقوقيين، إحراجًا بالغًا للمفوضية الأوروبية، التي أعلنت رسميًا في يونيو أن إسرائيل لم تنتهك المادة الثانية من اتفاقية الشراكة الثنائية، والتي تنص على احترام حقوق الإنسان كأساس للعلاقات بين الطرفين.
أكدت الوثيقة أن الجيش الإسرائيلي ينتهك المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي، واستندت في تقييمها إلى تقارير صادرة عن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان (OHCHR) ومحكمة العدل الدولية (ICJ). ومن بين أبرز ما ورد في الوثيقة أن "إسرائيل استخدمت التجويع كوسيلة من وسائل الحرب، وهو ما يشكل جرائم فظيعة".
وحذر كلاوديو فرانكافيلا من منظمة هيومن رايتس ووتش من أن الاتحاد الأوروبي يفقد مصداقيته إذا واصل تجاهل الأدلة الصارخة، واعتبر أن "الدبلوماسية الأوروبية، التي لم تتضمن أي إجراءات عقابية طوال العشرين شهرًا الماضية، لم تُحدث أي أثر ملموس، بل أعطت تل أبيب ضوءًا أخضر لمزيد من الانتهاكات".
من المتوقع أن تنهي مؤسسات الاتحاد الأوروبي مراجعتها الرسمية لسلوك إسرائيل بحلول 23 يونيو، أي قبيل اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين الأخير قبل عطلتهم الصيفية. وتتناول المراجعة مدى التزام تل أبيب باتفاقية الشراكة التجارية، والتي تتيح لها تصدير سلع إلى أوروبا بقيمة تقارب 15 مليار يورو سنويًا ضمن امتيازات تفضيلية.
لكن مصادر داخلية حذرت من محاولات تسويف داخل المفوضية لتفادي اتخاذ قرار سياسي شجاع، عبر إحالة الملف إلى الدول الأعضاء، دون تقديم استنتاج واضح بشأن المادة الثانية.
وقال هيو لافات، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي، إن "الانتقادات ضد إسرائيل تتصاعد، حتى في ألمانيا التي طالما دعمتها"، مشيرًا إلى أن أي التفاف أوروبي على نتائج الوثيقة سيُعد ضربة قوية لمصداقية القانون الدولي والنظام الأممي.
طالبت منظمات حقوقية ودول أوروبية مثل إيرلندا وإسبانيا منذ أكثر من عام بتجميد الشراكة التجارية مع إسرائيل، إلا أن المفوضية الأوروبية لم تتخذ أي خطوات ملموسة، ما أثار انتقادات داخل البرلمان الأوروبي أيضًا، حيث لم تطالب سوى مجموعة صغيرة من النواب باتخاذ موقف حازم.
ويحذر مراقبون من أن أي تراجع أوروبي أو تبرير مستقبلي يستند إلى "تحسينات شكلية" مثل إدخال بعض المساعدات قبيل المراجعة، قد يُفسر كنوع من التواطؤ أو "غباء سياسي"، على حد وصف فرانكافيلا.
إذا قرر الاتحاد الأوروبي المضي في إجراءات محاسبة إسرائيل استنادًا إلى هذه الوثيقة، فقد تكون نقطة تحول سياسية في العلاقة بين الطرفين، بينما سيُعد التراجع عنها رغم الأدلة ضربة قاسية لحقوق الإنسان ومصداقية القانون الدولي في واحدة من أكثر الحروب دموية في العصر الحديث.