تتواصل التحركات الإسرائيلية العدوانية الرامية إلى تغيير الخارطة الجغرافية والسياسية لقطاع غزة، عبر تنفيذ تدريجي لخطة استيطانية تهدف إلى تقليص مساحة القطاع، وعزله تمهيدًا لإذابته ضمن الأراضي المحتلة.
هذه الخطة، التي تُوصف بـ"خطة قضم غزة"، لم تبدأ مع حرب أكتوبر 2023، لكنها تسارعت وتكشّفت بشكل أوضح في ظل العدوان المستمر.
تشير تقارير أمنية إلى أن إسرائيل، من خلال عمليتها العسكرية المسماة "عربات جدعون"، تسعى إلى فرض سيطرة فعلية على نحو 75% من أراضي القطاع، في محاولة لعزل حركة حماس عن المدنيين، عبر إنشاء نقاط تفتيش ومراقبة تُقيّد الحركة وتفرض واقعًا جديدًا على الأرض.
وتكشف تسريبات إعلامية بريطانية عن خطة إسرائيلية لتقسيم غزة إلى ثلاث مناطق مفصولة، تطوّقها أربع مناطق عسكرية، ما سيحوّل القطاع إلى سجن مغلق يخضع سكانه لقيود تنقل قاسية وفحص أمني مشدد على البضائع.
الهدف من هذه التحركات، وفق مراقبين، هو محو الوجود الفلسطيني في غزة سياسيًا وجغرافيًا، وإنهاء أي مظاهر للسيادة أو الهوية الوطنية في هذا الجزء من الأرض المحتلة.
العمليات العسكرية في غزة ليست مجرد "صدامات" أو "ردود فعل"... بل هي حرب مدمرة تمارسها إسرائيل بشكل ممنهج ضد شعب محاصر، وبأدوات تفوق الوصف من حيث القسوة والعنف.
منذ السابع من أكتوبر 2023، تشنّ إسرائيل أعنف هجماتها العسكرية على قطاع غزة منذ سنوات، في عملية وصفت بأنها "غير مسبوقة" من حيث الحجم والنطاق. العمليات التي تشمل غارات جوية وقصف مدفعي وتوغل بري، تسببت في دمار واسع النطاق للبنية التحتية، والمنازل، والمستشفيات، والمدارس، وحتى مراكز الإيواء.
أهداف معلنة.. وخسائر إنسانية غير مبررة:
تقول إسرائيل إنها تستهدف "مواقع لحماس"، لكن الواقع يُظهر أن الغارات تطال المدنيين بشكل مباشر.
آلاف الشهداء والجرحى، معظمهم من الأطفال والنساء، في واحدة من أكثر الهجمات دموية في تاريخ القطاع.
التكتيكات على الأرض، هي تدمير الأحياء السكنية بالكامل (خصوصًا في شمال غزة)، واستخدام سياسة الأرض المحروقة، فرض إخلاءات قسرية وتهجير داخلي للمدنيين إلى الجنوب، وتقسيم القطاع ميدانيًا ومحاولة فرض سيطرة على مناطق محددة.
الوضع الإنساني كارثي، نقص حاد في المياه والغذاء والدواء، انهيار كامل للمنظومة الصحية، منع دخول المساعدات الإنسانية أو عرقلتها عمدًا.
الهدف الاستراتيجي، يبدو أن الهدف الأبعد من العمليات العسكرية ليس فقط "ضرب حماس"، بل إعادة رسم الواقع الجغرافي والسياسي لغزة، وتحويلها إلى منطقة منزوعة السيادة، ممزقة الأجزاء وخاضعة لحصار دائم.
تأثير العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة على الرأي العام الدولي صار نقطة تحوّل كبيرة، ويمكن لأول مرة بهذا الشكل نلاحظ تغيرًا ملموسًا في المزاج الشعبي العالمي تجاه ما يحدث في فلسطين. خليني أقدّم لك تحليل مبسط وواضح:
من أول أيام العدوان على غزة، خرجت مظاهرات ضخمة في عواصم عالمية مثل: لندن، نيويورك، باريس، كيب تاون، إسطنبول، مدريد، وغيرها.
هذه المظاهرات لم تكن رمزية فقط، بل حملت مطالب واضحة وقف فوري لإطلاق النار، رفع الحصار عن غزة، محاسبة إسرائيل على جرائم الحرب.
المنصات مثل إنستغرام، تيك توك، وتويتر، لعبت دور كبير في نشر صور المجازر والدمار لحظة بلحظة، ملايين الشباب حول العالم صاروا أكثر وعيًا بالقضية، وبعضهم بدأ يقاطع الشركات الداعمة للاحتلال، أو يضغط على حكوماته لتغيير موقفها.
منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية بدأت تصف ما يجري بأنه "جرائم ضد الإنسانية"، محكمة الجنايات الدولية تلقت شكاوى رسمية لفتح تحقيق في الانتهاكات، جامعات ومؤسسات أكاديمية تقود حملات لمقاطعة إسرائيل أكاديميًا وثقافيًا.