رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

مستقبل “فيسبوك” مابين صراع الأرباح والسياسة.. وحماية المستخدمين

نشر
الأمصار

بعد انقطاع عالمي دام 6 ساعات لمواقع فيسبوك وعائلته من تطبيقات التواصل الاجتماعي، والذي يعتبر أحد أطول الانقطاعات في تاريخ مواقع التواصل.

 

لتكون تغييرات في إعدادات أجهزة التوجيه الرئيسية التى تنسق حركة مرور الشبكة بين مراكز البيانات هو السبب الذي كبد شركة فيسبوك خسائر مالية بلغت 7 مليار دولار، بحسب بيان شركة فيسبوك.

 

ولم تكن هذه الخسارة الأكبر والأسوأ في تاريخ فيسبوك منذ تأسيسه عام 2004، فقد تعرض فيسبوك للعديد من الخسائر مع استمرار تربعه على عرش مواقع التواصل الإجتماعي حول العالم، نعرضها من خلال التقرير.

 

نشأة وتطور الفيسبوك

 

بدأ الفيسبوك رحلته من مشروع طلابي صغير، أسسه مارك زوكربيرغ، ولكن السنوات اللاحقة خلقت له دورًا رئيسيًا في حياتنا اليومية، إضافة إلى دوره في رسم الجغرافية السياسية العالمية.

بدأ فيسبوك من موقع بسيط اسمه (Facemash)، استخدم بين الطلاب كوسيلة لتقييم مستوى الجمال بـ (جذاب) أو (لا) في مهجع للطلاب في جامعة هارفارد في عام 2003، ولكنه تطور بسرعة ليتحول إلى شكله الحالي: (Thefacebook.com)، ولم تعد تقتصر على طلاب جامعة هارفارد فقط بل انتشرت إلى جامعات أخرى، ثم وصلت إلى عامة الناس، حيث اكتسبت ميزات جديدة، إذ أصبح بإمكان المستخدمين نشر محتويات مكتوبة أو مصورة على حسابات أخرى، والإشارة إلى أصدقائهم في الصور.

 

ويروي الجدول الزمني لفيسبوك قصة تطوره السريع، ففي نهاية عام 2004 كان لديه نحو مليون مستخدم مسجل، وبحلول عام 2008، أصبح لديه 100 مليون، وبعد أربع سنوات من ذلك، تجاوز المليار.

 أما الآن، ومع وجود ما يقدر بنحو 2.2 مليار مستخدم شهري نشط، يعد فيسبوك جزءً من حياة أكثر من ربع سكان العالم، وفي عام 2011  تعهدت الشركة بضمان حماية البيانات الشخصية لمستخدمي الموقع.

 

وفي مطلع عام 2018 أعلن زوكربيرغ، عبر منشور له، أن التحدي الذي يواجهه هو “إصلاح فيسبوك”، حيث كتب: “العالم يشعر بالقلق والانقسام، وأمام فيسبوك الكثير لينجزه، سواء أكان ذلك لحماية مجتمعنا من الإساءة والكراهية، أو الدفاع عن التدخل من قبل الدول القومية، أو التأكد أن قضاء الوقت على الفيسبوك ليس مضيعة للوقت”.

 

قضية تسريب بيانات المستخدمين 

 

ومع اعتراف زوكربيرغ أن التحدى الأكبر هو”إصلاح فيسبوك” توالت الخسائر التى اعتبرت الأسوأ والأكبر منذ نشأة موقع الفيسبوك، وتكبدت الشركة خسائر فادحة في قيمة أسهمها السوقية قدرت بنحو 60 مليار دولار أمريكي منذ تفجر هذه الأزمة.

 

 حيث تفجرت فضيحة سرقة بيانات المستخدمين للموقع بعد أن كشف كرستوفر وايلي، خبير في تحليل البيانات بشركة “كامبردج أناليتيكا” البريطانية، عن وجود ثغرة في نظام “فيسبوك “سمحت بجمع بيانات شخصية لنحو 50 مليون مستخدم دون اذنهم أو علمهم منذ عام 2014.

 

وأوضح الخبير أن باحثا بجامعة كمبردج يدعى «ألكسندر كوجان»، قام بإنشاء تطبيق يعمل على جمع معلومات عن ملايين المستخدمين لموقع «فيس بوك»، وبعد ذلك سلم هذه البيانات لشركة «كمبردج أناليتيكا» الاستشارية التي استخدمتها بدورها لصالح حملة دونالد ترامب إبان ترشحه للانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016.

 

واستخدمت هذه البيانات لاحقًا من قبل مستشار للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لتحديد هوية الناخبين الأمريكيين في محاولة للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية وذلك من خلال رسائل موجهة لهؤلاء الناخبين.

 

وخلفت هذه الفضيحة موجة واسعة من الجدل والقلق في الأوساط السياسية والاعلامية ،لاسيما في الولايات المتحدة وبريطانيا، حول احتمالات استغلال مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها «فيسبوك» من قبل بعض الأطراف لتحقيق مصالح سياسية.

اعتراف بالثغرات 

وعرض مؤسس موقع «فيسبوك»، مارك زوكربيرج، لاستجواب من جانب مجلس الشيوخ الأمريكى، لأول مرة، على خلفية «فضيحة تسريب بيانات 87 مليون مستخدم»، واعتذر مارك عن التقصير الذي قام به الموقع فيما يتعلق بتسريب بيانات المستخدمين، مشيرًا إلى أنه يرحب بإعادة التنظيم من قبل الحكومة الأمريكية.

وقال مارك أثناء استجوابه من الواضح الآن أننا لم نفعل ما يكفى لمنع استخدام هذه الأدوات للضرر أيضا، وهذا ينطبق على الأخبار الزائفة والتدخل الأجنبى فى الانتخابات وخطاب الكراهية، وكذلك المطورون وخصوصية البيانات، لم نتخذ رؤية شاملة كافية لمسؤوليتنا، وكان ذلك خطأ كبيرًا، ولابد من تحمل مسؤولية ليس فقط بناء الأدوات لكن أيضاً التأكد من استخدامها فى المنفعة.

 الانتخابات الأمريكية 2020

حاولت فيسبوك التعلم من الضربة التي تعرضت لها وقبل انتخابات الرئاسة الأمريكية في 2020، اتخذت الشركة العديد من الإجراءات لمنع محاولات اختراق حسابات المستخدمين، وأعلنت الشركة أنها أغلقت شبكة من الحسابات الزائفة، التي تضمنت شخصيات وهمية، مُشيرة أنها مرتبطة بالاستخبارات العسكرية الروسية.

 

وقال ناثانيال غليشر، رئيس سياسة الأمن السيبراني في فيسبوك، إنه على الرغم من أن الحسابات لم تكن تستهدف الولايات المتحدة بشكل أساسي، إلا أن هناك مخاوف من أن حسابات مثل هذه يمكن استخدامها في عمليات التأثير الروسية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر تشرين الثاني.

 

وفقًا للمدعين العامين الأمريكيين، في 2016، استخدمت الاستخبارات العسكرية الروسية شخصيات مزيفة على شبكة الإنترنت وأنشأت موقعًا إلكترونيًا وصفحة في فيسبوك، اسمه “تسريبات العاصمة – DC Leaks” ، كانت تنشر وتوزع رسائل بريد إلكتروني مُخترقة مرتبطة بحملة هيلاري كلينتون.

 

فيسبوك وطالبان 

 

أعلن مارك سابقًا أن موقع فيسبوك يهدف ل ” حماية المجتمعات من الإساءة والكراهية، والدفاع عن التدخل من قبل الدول”.

ولذلك حارب فيسبوك حركة طالبان واتخذ إجراءات أمنية لمستخدميه في أفغانستان، بعد سيطرة حركة طالبان عليها، حيث أخفى قوائم “الأصدقاء” التابعة للحسابات في أفغانستان، بغرض حمايتهم من الاستهداف من الحركة، وأضاف أداة لإغلاق الحسابات سريعًا، والتي تمكن الأشخاص الآن من الوصول إليها بنقرة واحدة.

كما أوضح رئيس السياسية الأمنية في الموقع الأزرق ناثانيال غليشر، أنه عندما يتم قفل ملفهم الشخصي، لا يمكن للأشخاص الذين ليسوا أصدقاء لهم تنزيل صورة ملفهم الشخصي أو مشاركتها أو مشاهدة المشاركات على مخططهم الزمني.

وأكد غليشر أن فيسبوك أجرى تلك التغييرات بناء على تعليقات من النشطاء والصحافيين وجماعات المجتمع المدني.

كما أضافت شركة فيسبوك تنبيهات تظهر داخل أفغانستان، وتتضمن خطوات لحماية الحسابات على موقع الصور والفيديوهات إنستغرام المملوك لفيسبوك، وحث الأشخاص الذين لديهم أصدقاء وعائلة في أفغانستان على تشديد إعدادات الرؤية الخاصة بهم.

وقامت الشركة أيضًا بتعيين مركز عمليات خاص “للرد على التهديدات الجديدة فور ظهورها”، وتتخذ خطوات للمساعدة في حماية الأشخاص في الوقت الفعلي.

 

أزمة تاريخية في 2021

ومع تعهدات فيسبوك المستمرة بالعمل على حماية المستخدمين ومنع استغلالهم، تعرضت الشركة في أكتوبر/تشرين 2021 لضربة مزدوجة بدأت بتصريحات لمسؤولة سابقة في الشركة شككت في مصداقية فيسبوك وكشفت عن وثائق كارثية، تلتها ضربة أقوى تمثلت في توقف منصات الشركة عن العمل لمدة 6 ساعات على مستوى العالم.

قالت فرانسيس هوجن مديرة إنتاج سابقة بموقع فيسبوك اليوم الثلاثاء، إن منصة “فيسبوك” لها تأثير كارثي على ديمقراطيتنا وتؤذي أطفالنا.

وأكدت المسؤولة السابقة بشركة “فيسبوك” خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأمريكي إن المنصة تعطي الأولوية دائما للأرباح على حساب أمن المستخدمين، موضحه أن منصة “فيسبوك” لا تلتزم بمعايير الموضوعية وسمحت بترويج رسائل ضارة بالصحة العامة.

وفيما يخص الخوارزمية والتي أكدت هوجن أنه كان جزء من عملها في فيسبوك، قبل أن تتركه في مايو /أيار، ومحاربة التدخل في الانتخابات، إلا أنها سرعان ما شعرت أن فريقها لديه موارد قليلة لا تكفي ليتمكن من إحداث فرق.

وأوضحت أن فيسبوك يواصل التركيز على النمو، على الرغم من أن الشركة كانت على دراية بالتأثير السلبي للمنصة على المستخدمين.

وزعمت هوجن أن شركة “فيسبوك أدركت أنها إذا قامت بتغيير الخوارزمية لتكون أكثر أمانا، فسوف يقضي الناس وقتا أقل على الموقع، وسوف ينقرون على إعلانات أقل، وأنهم سوف يجنون أموالا أقل”.

وبعد يوم واحد من تصريحات هوجن تعطلت خدمات شركة فيسبوك، وعادت للعمل تدريجيًا، بعد انقطاع كامل استمر قرابة 6 ساعات.

وتمثِّل مدَّة انقطاع الخدمة واحدة من أطول الأعطال التي تتعرَّض لها الشبكات التابعة لـ”فيسبوك”، التي تتضمَّن “فيسبوك” نفسه، و”فيسبوك ماسنجر”، و”واتساب”، و”أنستقرام”.

وقال كبير مسؤولي التكنولوجيا مايك شروبفر في تدوينة للاعتذار عن انقطاع الخدمة: “نحن نواجه مشكلات في شبكاتنا، وتعمل الفرق بأسرع ما يمكن لتصحيح الأخطاء واستعادتها في أسرع وقت ممكن”.

وتأتي المشاكل الفنية لشبكات الشركة في الوقت الذي تتوالى فيه الاتهامات من موظّفة سابقة بالشركة تزعم إعطاء الشركة أولوية للأرباح على سلامة المستخدمين.