رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

هل سيختل ميزان القوى الدولية بتحالف المعسكر الشرقي؟

نشر
الأمصار

يشهد العالم حربا باردة جديدة بين المعسكر الغربي المتمثل في أمريكا وأوروبا والمعسكر الشرقي بقيادة روسيا والصين.

ففي الوقت الذي تحاول فيه أمريكا توسيع نفوذها سواء في عقر دارها أو في الشرق الأوسط، تجد أمامها الصين وروسيا اللتان تسعيان للهدف نفسه لتتخذ العلاقات بينهم شكل الحرب الباردة التي لا تظهر فيها الأسلحة ولكن توجه نفس الضربات، فهل ستظل الحرب باردة أم هناك فتيل سيشعل الحرب العالمية الثالثة؟

ظهر للمرّة الأولى مفهوم الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا، وبسقوط الاتحاد السوفيتي أصبحت أمريكا القوى العظمى الأولى بسقوط الاتحاد السوفيتي 1991 وانقسمتا إلى معسكرين، الأول شرقي اشتراكي، والثاني غربي رأس مالي، ليعرف هذا الانقسام والنزاع باسم الحرب الباردة، والذي يهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية، ومالية، وما زالت هذه الحرب قائمةً إلى هذا الوقت، ولكن بطرق وأشكال تختلف عن الماضي.

أدي الاختلاف الفكري بين المعسكرين الشرقي، والغربي؛ حيث إنّ الهدف الرئيسي لكل معسكر من المعسكرين هو القضاء على الآخر، وإزالة أفكاره بالعديد من الطرق الممكنة، إلى تبني بعض الدول الأوروبية للفكر الشيوعي.

وأدى ذلك إلى حدوث أزمات دولية؛ كانتشار العصيان، والاضطرابات السياسية في اليونان، والهند الصينية، بالإضافة إلى السعي للحصول على أسلحة متطورة، وخصوصاً الذرية منها، وشعور الحكومات الرأسمالية بالقلق؛ بسبب انتشار الأحزاب الشيوعية في بعض الدول الأوروبية، كفرنسا.

من الأقوى؟

تبلغ مساحة أمريكا 10 مليون كم ويقدر عدد سكانها 330 مليون نسمة ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي بحسب آخر الإحصائيات هو الأكبر فى العالم بحوالى 20 تريليون دولار أمريكي ” وتعد قوة أمريكا الاقتصادية أحد أهم وأكبر اسباب هيمنتها على العالم”.

يبلغ حجم الإنفاق العسكري للجيش الأمريكي 750مليار دولار ، و11حاملة طائرات والتي تعد قواعد عسكرية متنقلة ، بجانب امتلاك أمريكا 800قاعدة عسكرية فى 130دولة فى العالم ،وتملك أمريكا 5,800 سلاح نووي .

وعلى صعيد آخر تبلغ مساحة روسيا 17مليون كم ويقدر عدد سكانها ب144مليون نسمة ويقدر الناتج المحلى الروسي بتريليون ونصف دولار بفارق كبير عن أمريكا إلا أن الجيش الروسي بحسب الخبراء يعد اقوى من الجيش الأمريكي ، ويبلغ حجم الإنفاق العسكري لروسيا 42 مليار دولار .وتتفوق روسيا بامتلاك 6400 سلاح نووى على أمريكا .

العلاقات الصينية الروسية

تحسنت العلاقات الدبلوماسية بين الصين وروسيا بشكل كبير بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وتأسيس الاتحاد الروسي في عام 1991.

أعلن البلدان أنهما يسعيان إلى «شراكة بناءة»؛ وفي عام 1996، تقدما نحو «شراكة استراتيجية»؛ وفي عام 2001، وقعا معاهدة «صداقة وتعاون».

وفي عام 2013 زار الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى موسكو أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إلى أن البلدين كوّنا علاقة خاصة.

يتمتع البلدان بشراكة وثيقة عسكريًا، واقتصاديًا، وسياسيًا، وثقافيًا، بينما يتقاسمان نفس الموقف ويدعم كل منهما الآخر في العديد من القضايا العالمية. عارض البلدان في السنوات الأخيرة السياسة الخارجية والتوسعية للولايات المتحدة.

تُظهر العلاقات الاقتصادية بين روسيا والصين اتجاهات متباينة، وكانت التجارة بين البلدين تُقدّر بما بين 5 مليارات دولار و8 مليارات دولار سنويًا في تسعينيات القرن العشرين، ولكنها نمت بشكل مطّرد منذ ذلك الحين فصاعدًا.

كان من المقرر أن يصل إلى 100 مليار دولار -الهدف السابق- حتى تدخّلت أزمة عام 2008.

تراجعت التجارة إلى نحو 60 مليار دولار في عامي 2015 و2016، لكنها بدأت بالتعافي مرة أخرى في 2017. يتوقع البلدان رفع حجم التجارة إلى 200 مليار دولار بحلول عام 2024.

مسرح عمليات الشرق الأوسط

بعدما دمرت الحرب العالمية الثانية دول المعسكر الشرقي والغربي، قرر المعسكران نقل الحرب للشرق الأوسط المتمثل في بلاد سوريا والعراق وليبيا وغيرها من البلاد التي تمزقها دول الحرب بين المعسكرين تحت ما يسمى بالحرب ضد الإرهاب، فكل معسكر يحاول جاهدا السيطرة على أكبر قدر ممكن من الدول سواء بالقوة الاقتصادية أو العسكرية بالاحتلال لم يعد يتواجد عسكري كما كان قبل .

أفغانستان

لم تنسحب الولايات المتحدة من أفغانستان فحسب، بل تحول الانسحاب السريع إلى كارثة إنسانية، ونتيجة لذلك، منح الأمريكيون، روسيا والصين، فرصة كبيرة للتدخل وتقديم أنفسهما كشركاء دوليين بديلين وقابلين للبقاء، أو حتى مرغوب فيهما”، هكذا أعرب الخبراء.

ومن المحتمل أن حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تختبر ببساطة الوضع مع النظام الجديد -مبادرات بوتين الأخيرة مع طالبان- وسواء أحببت روسيا ذلك أم لا، يجب أن تعمل مع طالبان، لأن للروس مصالح محلية أكثر أهمية من الولايات المتحدة، ويذكر أن روسيا غالبا ما تظهر كشريك موثوق به مع حلفاءها”.

وظهر هذا جليا لنظام بشار الأسد في سوريا، حيث تمكن الأسد من التمسك بالسلطة بمساعدة روسية، على الرغم من مجموعة المصالح التي كانت تواجه حكومته، وإن وقوف روسيا إلى جانب نظامه لا يمكن إلا أن يعزز أي مزاعم روسية بأن تكون شريكًا مرغوبًا فيه عندما تصبح الأمور معقدة في هذه الدولة.

وعلى الرغم من أن الصين قد تكون القوة الأكثر احتمالا للانتقال إلى أفغانستان بقيادة طالبان، إلا أن بوتين سيترقب مواضع أخرى لتحقيق مكاسب سياسية من تخلي الغرب عن حلفائه الأفغان، وحتى قبل أن تصل الكارثة الأفغانية إلى ذروتها الأخيرة، كانت روسيا بقيادة بوتين، تتطلع إلى توسيع انتشارها العالمي، من خلال محاكاة سلفها السوفيتي في إحياء العلاقات القديمة وإقامة شراكات جديدة في جميع أنحاء العالم وكان للاتحاد السوفيتي سابقًا اتفاقيات قواعد عسكرية مع الصومال وإثيوبيا، وسوف يخدم السودان بالتأكيد نفس الغرض.

مواجهات أمريكا والصين

إتفاقية أوكوس “المواجهة في بحر الصين الجنوبي”

أثارت الاتفاقية الأمنية الموقعة بين كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا والمعروفة باسم “اوكوس” خلافًا دبلوماسيًا حادًا مع فرنسا التي اتهمت المملكة المتحدة بالاختباء في “الحضن الأمريكي”، لكن وزيرة الخارجية البريطانية الجديدة ليز تروس دافعت عن هذه الاتفاقية بشدة.

الاتفاقية -التي ستشهد تعاون المملكة المتحدة والولايات المتحدة لتطوير أسطول جديد من الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية للبحرية الأسترالية- أظهرت استعداد بريطانيا للدفاع عن مصالحها، وفق صحيفة “ايفيننج ستاندارد” البريطانية.

الاتفاقية، التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها معارضة لتزايد الإصرار العسكري الصيني في المنطقة، تؤكد التزام المملكة المتحدة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.. وأوضحت أن بريطانيا ستكون على الدوام “نصيرة” الحرية في جميع أنحاء العالم.. يجب الدفاع عن الحريات، لذلك نحن نبني أيضًا روابط أمنية قوية حول العالم”.

اتفاق أوكوس من شأنه أن يُحدث “خللا في التوازن في منطقة آسيا والمحيط الأطلسي”.

وبمقتضى الاتفاق تحصل أستراليا على تكنولوجيا بناء غواصات تعمل بالطاقة النووية من الولايات المتحدة وبريطانيا.

وينظر كثيرون إلى هذا الاتفاق على أنه محاولة للتصدي لنفوذ الصين في منطقة بحر الصين الجنوبي.

الطريق الحرير

تاريخيا يشير “طريق الحرير ” إلى مجموعة مــن الطــرق البريــة، التــي كانــت تربــط منطقــة شرق آسيا بالبحر المتوسط مروراً بمنطقة وسط آسيا غير أنه لم يكن معروفاً على وجه الدقة المسار الرئيسي لهذا الطريق وقد كان الرحالة والجغرافية الألماني “فرديناند فرايهر فون ريشتهوفن ” هو أول من استخدم تسمية “الطريق الحرير ” عام ١٨٧٧.

وقــد اســتخدمها لوصــف الطـرق التـي كان يمـر مـن خلالها الحريـر الصينـي المنتـج مـن قبل إمبراطورية الهان خلال الفترة من عام 206 قبل الميلاد إلى عام 220 ميلادية وصولا إلى وسط آسيا.

وعلى الرغـم مـن أن اسـتخدامه هـذا المصطلـح كان مقتصـرا علـى هـذا الطريـق خلال تلـك الحقبـة التاريخيـة تحديـداً من دون الإشارة إلــى الممــرات التجاريــة التــي ربطــت بيــن المنطقتيــن خـلال فتـرات تاريخيـة لاحقة ، فـإن المفهـوم صـار يسـتخدم بعـد ذلــك للإشارة إلــى كل الطــرق التــي كانــت تربــط بيــن الصيــن ووسـط آسـيا وحـوض البحـر المتوسـط وفــي الواقــع العملــي، فقــد اســتخدم هــذا المفهــوم للإشارة إلــى الطريــق الــذي يبــدأ مــن مدينتــي “لويانــج” و”تشــانجآن” الصينيتين مروراً بممــر “قانسو”

وصولا إلـى نهايـة هـذا الممـر عنـد مدينـة “دونهوانـج” الصينيـة، ثــم بعــد ذلــك يتفــرق الطريــق إلــى ثالثــة ممــرات أساســية، وهــي “الممــر الشــمالي”، الــذي يصــل إلــى جبــال “تيــان شــان” ومدينــة “أورومتشــي”، عاصمــة إقليــم “شــينجيانج”، و”الممــر الأوسط”، الـذي يمتـد مـن مدينـة “توربـان” فـي غـرب الصيـن
إلــى الأطراف الجنوبيــة مــن إقليــم “شــينجيانج”، وصولاً إلى مدينـة “هوتـان” الصينيـة، ومنهـا إلـى وسـط آسـيا، وبـاد فـارس إيــران(، وانتهــاء بأوروبــا، و”الممــر الجنوبــي”، الــذي يمــر عبــر جبــال “باميــر” إلــى باكســتان والهنــد

وجديـر بالذكـر أن هـذه الممـرات التجاريـة لـم تكـن تقتصـر فقــط علــى الطــرق البريــة، بــل شــملت ممــرا بحرياً أيضا، وهــو الممــر البحــري الــذي ســلكه التجــار العــرب مــن شــبه الجزيــرة العربيــة وصولا إلى المدن الصينية”غوانشو” و”تشوانتشــو” و”نينغبــو” و”يانغتشــو”، والــذي كان مــن خلاله يتــم تبــادل ليــس فقــط الحريــر، ولكــن البورســلين، والســيراميك والشاي وغيرها

وكان العــرب هــم مــن يســيطرون علــى هذا الطريق لأنهم كانوا متطورين في صناعة السفن آنذاك كما أنهم كانوا يفضلونه نظرا لارتفاع تكلفة الطريق البرى .

أعلن الرئيس الصينــي “شــي جيــن بينــغ” عــن “مبــادرة الحــزام والطريــق” للمــرة الأولى فــي عــام 2013 بعــد توليــه مقاليــد الحكــم فــي ، وكانــت المبــادرة تحمــل آنــذاك اســم “حــزام واحــد وطريــق واحــد”

الحزام هو طريق بري يصل الصين بأوروبا مرورا بجنوب قارة آسيا عن طريق خطوط قطارات سواء قطارات لنقل البضائع أو الأفراد وتأثير ذلك على حركة السياحة في العالم كله.
الطريق البحري من الصين مرورا بأفريقيا عبوراً من قناة السويس مكملا لاوروبا وفى عام 2018 نجحت الصين فـي اجتذاب 75 دولـة و35 منظمـة دوليــة للانضمام إلى المبــادرة، التي تربط آســيا بأوروبــا وأفريقيا بل يمتد نطاقها لتشمل أســتراليا ونيوزيلندا تضم الدول المشاركة فى المبادرة. 62.3%، من التعداد الإجمالي لسكان العالم ونحو35.3% من الناتج المحلى الإجمالي العالمي ونحو 24%من الاتفاق الاستهلاكي العالمي ومنذ إطلاق المبادرة وحتى نهاية عام 2017 أنفقت الصين نحو 34 مليار دولار على المشروعات المتضمنة فيها تنوعت ما بين الطرق والخطوط والموانئ وخطوط وشبكات الطاقة
لم تقف الولايات المتحدة مكتفة الأيدي أمام مشروع الحزام والطريق الذى يهدد الحركة التجارية فى المحيط الهادئ والتى تبلغ 3تريلون دولار فحاولت إخضاع الصين عسكريا فى المحيط الهادى عن طريق إرسال سفينة تجاوزت المياه الدولية الصينية فى المحيط الهادئ فقامت الصين بصناعة 7جزر صناعية وردم جزء كبير من المحيط بالرمال كما قامت ببناء منشأت عسكرية وسكنية ومطارات حربية ومستشفيات ومدارس وجعلت للصيادين ينتقلون إلى هذه المنشآت .

فهل ستقف الدول العربية مكتوفة الأيدي أمام المعسكرين؟ أم أنها سترجح كفة إحداهما على الأخري؟ أم ستكون معسكر ثالث يضم الشرق الأوسط؟