رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

بين تراجع شعبية “العدالة والتنمية” وصعود ” التجمع الوطني للأحرار”.. من سيقود المغرب العربي؟

نشر
الأمصار

تشهد الساحة السياسية المغربية تنافسًا محتدمًا بين الأحزاب والقوى السياسية المختلفة، قبل أسابيع من موعد الانتخابات التشريعية المقرر إجراءها في 8 سبتمبر الجاري والتي ستحدد من سيقود الحكومة لمدة 5 سنوات مقبلة، في ظل إشارات بتراجع شعبية حزب “العدالة والتنمية”، قائد الائتلاف الحكومي، والطامح فى ولاية ثالثة، مقابل صعود حزب “التجمع الوطني للأحرار”، خصوصًا بعد تحقيقه نتائج بارزة في الانتخابات المهنية، التي أجريت في 6 أغسطس الماضي، بالتوازي مع تراجع دور نقابة “الاتحاد الوطني للشغل”، الذراع النقابية لحزب العدالة والتنمية”.

وبحسب التعديلات التي تم إدخالها هذا العام على القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب بالمغرب، فإن المجلس، وهو الغرفة الأولى للبرلمان المغربي. يتكون من 395 عضوا، يتم انتخابهم بنمط اللائحة.

ويتوزع الناخبون على نوعين، الأول الذي يهم 305 مقاعد، يتم انتخاب المرشحين على مستوى الدوائر المحلية، وهي مساحات جغرافية صغيرة.

وفي المقابل، يتم تخصيص 90 مقعدًا للوائح انتخابية يتم التنافس بشأنها على مستوى جهات المملكة الـ12.

الحكومة المرتقبة

وبحسب ما ينص عليه الدستور المغربي، فإن الانتخابات التشريعية لا تُجدد فقط مجلس النواب، بل على ضوء نتائجها يتم تشكيل الحُكومة المقبلة.

وبحسب الدستور، فإن ملك المغرب يُعين رئيس الحكومة الجديد من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها.

ويُكلف الملك رئيس الحكومة المُعين بإعداد لائحة تضم مقترحات بشأن الأسماء التي يرى فيها القدرة على شغل المناصب الوزارية.

ولا يقود الحكومة في المغرب حزب واحد، إذ جرت العادة على أن يُشارك فيها ما بين 4 إلى 6 أحزاب، والغرض من ذلك هو ضمان أغلبية في البرلمان، لتفادي عرقلة مشروعات القوانين التي تُحيلها الحكومة إليه، وأيضًا لضمان الثقة البرلمانية، وعدم تقديم ملتمس رقابة يُسقط الحُكومة.

ولأجل ذلك، مُباشرة بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات التشريعية، واستقبال الملك لرئيس الحُكومة المُعين، يشرع هذا الأخير مع قيادات حزبه بإجراء مُشاورات مع الأحزاب القريبة منه لتشكيل ائتلاف وتوزيع الحقائب الوزارية، ثم عرضها على الملك للمصادقة عليها، وتعيين أعضاء الحكومة في أعقاب ذلك.

وتُعد هذه الانتخابات هي الثالثة من نوعها في عهد الدستور المغربي الجديد، وذلك بعد محطتين الأولى عام 2012 والثانية عام 2016، كما أنها الخامسة من نوعها في عهد الملك المغربي محمد السادس.

وبحسب المعطيات التي كشفت عنها وزارة الداخلية المغربية، فإن عدد المغاربة المُسجلين في اللوائح الانتخابية، بلغ 17 مليونًا و983 ألفًا و490 شخصًا.

العدالة والتنمية أم أحزاب المعارضة؟

وتضم الحكومة الحالية 5 أحزاب هي “العدالة والتنمية” (125 نائبًا بمجلس النواب الغرفة الأولى للبرلمان من أصل 395)، والتجمع الوطني للأحرار (37 نائبا) بقيادة وزير الفلاحة عزيز أخنوش، والحركة الشعبية (27 نائبًا)، والاتحاد الاشتراكي (20 نائبًا)، والاتحاد الدستوري (23 نائبًا).

يشارك 31 حزبًا سياسيًا في هذه الانتخابات، ولأول مرة في تاريخ المغرب، يترأس حزب العدالة والتنمية الائتلاف الحكومي لولاية ثانية بعد فوزه في انتخابات 2011 و 2016.

واختار حزب العدالة والتنمية الذي فاز بـ 125 من أصل 395 مقعدا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في البلاد شعار “المصداقية والديمقراطية والتنمية” لحملته الانتخابية الحالية، بينما أعلن أن برنامجه “يهدف إلى إقرار نظام الحكم ومتابعة الإصلاحات الهيكلية ذات الصلة.

حزب العدالة والتنمية

حصل حزب “العدالة والتنمية” عام 2011 على المرتبة الأولى فى الانتخابات التشريعية، وكانت هي المرة الأولى فى تاريخ المغرب، التي يترأس فيها إسلامي الحكومة وهو الأمين العام للحزب عبد الإله بن كيران.

وقد حافظ الحزب على قيادته للحكومة بعد الانتخابات التشريعية التي أجريت في عام 2016.

لكن ثمة مؤشرات في الوقت الحالي توحي بأن الانتخابات القادمة قد تشهد تغييرات في توازنات القوى السياسية، في غير صالح الحزب، وذلك في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في إقرار مجلس النواب مشروع القانون التنظيمى للمجلس، الذى ينص على تعديل طريقة حساب “القاسم الانتخابى”، والذي يتم على أساسه توزيع المقاعد البرلمانية، وفي المجالس البلدية، والذي سيكون له- وفقاً لاتجاهات عديدة- تأثير كبير على المقاعد التي سيفوز بها الحزب، خاصة في المدن المزدحمة بالسكان، على غرار الدار البيضاء والرباط.

كما أن الحزب حاول عرقلة تفعيل هذه التغييرات التي دعمتها قوى أخرى مشاركة في الائتلاف الحكومي، حيث تقدم بطعن عليها إلى المحكمة الدستورية العليا، التي أعلنت، في 10 أبريل الماضي، دستورية احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، بما يعني رفضها طعن الحزب، حيث أكدت أنه “لا يندرج ضمن صلاحياتها التعقيب على السلطة التقديرية للمشرع، في شأن اختيار نوعية التدابير التشريعية التي يرتضيها، أو المفاضلة بين اختيارات تشريعية ممكنة، أو اقتراح بديل تشريعي من شأنه أن يحقق الغايات الدستورية نفسها، ما دام ذلك لا يمس بأحكام الدستور”، مضيفة أن “الفقرة الثانية من المادة 84 لا تخالف الدستور”.

لماذا تراجعت شعبية حزب العدالة والتنمية؟

ويتوازى ذلك مع ما يشهده الحزب من أزمات داخلية ربما تؤثر في فرصة فى الانتخابات التشريعية المقبلة، حيث يواجه خلافات حادة بين قياداته لا سيما فيما يتصل بالعلاقة مع الأحزاب والقوى الأخرى، حتى إن الحوار الداخلى، الذى انطلق فى يونيو 2018، والذى تكون من 4 ندوات وطنية، علاوة على 16 ندوة جهوية، و57 ندوة إقليمية، لم ينجح فى تجاوز تلك الخلافات، لدرجة أن الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران غاب حينها عن قائمة المشاركين فى ذلك الحوار.

ومن أبرز الأزمات التى يواجهها الحزب فى الفترة الأخيرة موجة الانتقادات الداخلية، التى تصاعدت حدتها منذ توقيع الأمين العام للحزب رئيس الحكومة سعد الدين العثمانى على اتفاقية استئناف العلاقات مع إسرائيل، تلتها أيضًا انتقادات بسبب طرح مشروع تقنين “القنب الهندى” على طاولة المجلس الحكومى للمصادقة عليه.

وصول الأزمات داخل الحزب إلى مرحلة غير مسبوقة بدا جليًا في ظاهرة الاستقالات وتجميد العضوية التي بدأت تتزايد في تلك الفترة، إذ أعلن الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران، في 11 مارس الماضي، تجميد عضويته ومقاطعة قياديين هم الأمين العام للحزب سعد الدين العثمانى، ووزير الطاقة عبد العزيز رباح، ووزير الشغل محمد أمكراز، والقيادى بالحزب لحسن الداودى. وسبق ذلك إعلان رئيس المجلس الوطني عضو الأمانة العامة إدريس الأزمى استقالتهمن مهامه الحزبية. وفى الفترة ذاتها، أعلن مصطفى الرميد الوزير المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، استقالته احتجاجًا على سياسة الحزب، والحكومة، كما جمّد المفكر المقرى الإدريسى أبوزيد عضويته فى وقت سابق، فضلًا عن انسحابات أخرى قامت بها قيادات الصف الثانى والقواعد.

أحزاب المعارضة

ويستعد حزب الأصالة والمعاصرة، وهو أكبر أحزاب المعارضة، للمنافسة في الانتخابات ويطمح للقيادة.

وتضم المعارضة أحزاب الأصالة والمعاصرة (102 نواب) و الاستقلال (46 نائبًا) و التقدم والاشتراكية (12 نائبًا)، إضافة إلى حزب فيدرالية اليسار (نائبان)‪.‬‬

ولا تزال أحزاب المعارضة تبحث عن موطئ قدم بالحكومة المقبلة، لذلك فإن تصريحاتها بخصوص التحالفات مفتوحة على كل الاحتمالات.

هل هناك احتمالية تأجيل الانتخابات؟

شددت وزارة الداخلية المغربية، على ضرورة عدم تجاوز التجمعات الدعائية 25 شخصًا سواء المُغلقة منها أو المفتوحة، لمنع انتشار فيروس كورونا وفى صور الالتزام بالإجراءات الاحترازية منعت نصب الخيام وتنظيم الولائم، كما قررت عدم تجاوز 10 أشخاص كحد أقصى خلال الجولات الميدانية، وعدم تجاوز المواكب الدعائية 5 سيارات خلال القوافل الانتخابية، وتُجري الأحزاب المغربية حملاتها الانتخابية دون توزيع المنشورات إلا أنه سيتم الاحتفاظ باللافتات الدعائية.

المراقبة الانتخابية

وأعلن المغرب اعتماد أكثر من 4500 مراقب يمثلون 44 منظمة غير حكومية، لمراقبة الانتخابات، بحسب المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

ووفقًا للنظام الانتخابي في المغرب، لا يمكن لحزب واحد الفوز بأغلبية مطلقة، الأمر الذي يجبر الفائزين على الدخول في مفاوضات لتشكيل حكومات ائتلافية ما يحد من النفوذ السياسي للأحزاب وكانت كل السلطات التنفيذية في يد الملك حتى عام 2011، عندما وافق الملك محمد السادس على تحويل الحكم في البلاد إلى ملكي دستوري في غمرة انطلاق المظاهرات والاحتجاجات في المنطقة فيما عرف بالربيع العربي.

وعلى الرغم من تخلي الملك عن بعض سلطاته كجزء من الإصلاحات الدستورية، إلا أنه ما زال أقوى شخصية في البلاد وهو الذي يختار رئيس الوزراء من الحزب الفائز بالانتخابات.

ويرأس الملك المجلس القضائي والجهاز الأمني، كما أن بعض المناصب الرئيسية مثل وزير الداخلية يشغلها تكنوقراط يعينهم الملك.

ومنذ فوزه بانتخابات عام 2011 يقود حزب العدالة والتنمية تحالفًا واسعًا لقيادة البلاد، بعد بروزه كأكبر حزب فيها.

المغرب العربي

تتميز حضارة المغرب العربي بأنها خليط ثري من الثقافات العربية والأمازيغية والأندلسية والإفريقية.

وكان المغرب محمية فرنسية من عام 1912 إلى عام 1956، عندما أصبح السلطان محمد بن يوسف ملكًا على البلاد.

وخلف الملك محمد الخامس في عام 1961 ابنه الحسن الثاني الذي حكم البلاد لمدة 38 عاما ولعب دورًا كبيرًا في البحث عن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

تولى الملك محمد السادس حكم المغرب في عام 1999، بعد وفاة أبيه الحسن الثاني. وكان محمد السادس قد أعد لتولي العرش منذ صغره حسب ما كان يقول أبوه.

وأطلق الملك الجديد حملة تهدف إلى إجراء تغييرات سياسية واقتصادية، كما بدأ تحقيقًا في انتهاكات حقوق الإنسان التي قيل إنها وقعت ابان فترة حكم والده.

وتضمنت الإصلاحات التي ادخلها محمد السادس قانون “مدونة الأسرة”، وهو قانون يضمن للمرأة المزيد من الحقوق. ويقول الملك إن هذا القانون يتماشى مع المبادئ القرآنية، ولكنه جوبه بمعارضة التيارات الإسلامية المحافظة.

وعقب ضغوط في سبيل الإصلاح ألهمها “الربيع العربي”، سن دستور جديد زاد من الصلاحيات التي يتمتع بها البرلمان ورئيس الحكومة ولكنه خول الملك ممارسة سلطته الواسعة على كل مفاصل الحكومة.

كان الملك محمد السادس قد كلف الزعيم الإسلامي المعتدل عبدالاله بن كيران بتشكيل الحكومة لدورة ثانية بعد أن فاز حزبه، حزب العدالة والتنمية، بأغلبية الأصوات في الانتخابات النيابية التي أجريت في أكتوبر 2016.

وقد فاز الحزب، بعد 5 سنوات قضاها في الحكم، بـ 125 مقعد بينما فاز منافسه، حزب الأصالة والمعاصرة، بـ 102 مقعد في المجلس المؤلف من 395 مقعد.

إلا أن الملك محمد السادس قرر يوم الـ 15 من مارس 2017 إبعاد بنكيران عن رئاسة الحكومة، واختيار شخصية بديلة، من حزب العدالة والتنمية أيضًا.

وجاء في بيان صدر بهذا الصدد أن الملك محمد السادس “اتخذ هذا القرار احترامًا للدستور المغربي ولسير المؤسسات، وحرصًا على تجاوز وضعية الجمود الحالية”.