مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

مناورات الذخيرة الحية حول تايوان.. ضغط صيني متواصل وردود محسوبة

نشر
الأمصار

صعّدت جمهورية الصين الشعبية من وتيرة استعراض قوتها العسكرية في محيط تايوان، عبر تنفيذ مناورات واسعة النطاق بالذخيرة الحية في مضيق تايوان، في خطوة تعكس استمرار الضغط العسكري الصيني على الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي.

 وجاءت هذه التحركات في اليوم الثاني من تدريبات تحاكي، وفق تقديرات عسكرية، سيناريوهات تطويق الموانئ الرئيسية وفرض قيود على خطوط الملاحة والإمداد الحيوية لتايبيه.


وأظهرت مشاهد وثّقها صحفيو وكالة فرانس برس من جزيرة بينغتان التابعة للصين، وهي أقرب نقطة برية صينية إلى تايوان، إطلاق وابل من الصواريخ قرابة الساعة التاسعة صباح الثلاثاء، مخلفةً أعمدة كثيفة من الدخان الأبيض في السماء. 

وأفادت مصادر عسكرية صينية بأن التدريبات تهدف إلى اختبار الجاهزية القتالية، وتعزيز القدرة على التحكم بالممرات البحرية ذات الأهمية الاستراتيجية في حال تصاعد التوترات.


وتأتي هذه المناورات في سياق أوسع من التحركات العسكرية التي تنفذها الجيش الصيني منذ سنوات حول الجزيرة، إلا أن توقيتها وحدّتها يلفتان الأنظار، خاصة في ظل مستجدات سياسية وأمنية إقليمية ودولية، أبرزها استمرار الدعم العسكري الأمريكي لتايبيه، وما يرافقه من ردود فعل صينية غاضبة.


تايوان تعتمد خطاب التهدئة


في المقابل، حرصت حكومة تايوان على تبني خطاب حذر يجنّب المنطقة الانزلاق إلى مواجهة مباشرة.

 فقد سارع الرئيس التايواني لاي تشينغ تي إلى توجيه رسائل تهدئة، متعهدًا بعدم “استفزاز” الصين أو “تصعيد حدة التوترات”، مؤكدًا أن بلاده ستتعامل مع التطورات “بمسؤولية وحكمة”.


وقال الرئيس التايواني، في منشور عبر حسابه الرسمي على موقع فيسبوك، إن تايوان ستواصل حماية أمنها وسيادتها، لكنها في الوقت ذاته لن تنجر إلى خطوات غير محسوبة قد تُستغل ذريعةً لتصعيد عسكري أوسع. وأضاف أن الحفاظ على الاستقرار في مضيق تايوان مسؤولية مشتركة، تتطلب ضبط النفس وتغليب لغة الحوار.


وتواجه الحكومة التايوانية ضغوطًا داخلية وخارجية متزايدة، إذ يتعين عليها الموازنة بين تعزيز القدرات الدفاعية للجزيرة في مواجهة التهديدات المتصاعدة، وبين تجنب خطوات قد تفسرها بكين على أنها إعلان تحدٍ مباشر. ويرى مراقبون أن هذا التوازن الدقيق يمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه القيادة التايوانية في المرحلة الراهنة.


واشنطن تقلل من المخاطر


على الضفة الأخرى، قلّل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أهمية المناورات الصينية، مؤكدًا أنه “غير قلق” من هذه التحركات، ومستبعدًا أن يُقدم الرئيس الصيني شي جين بينغ على إصدار أوامر بغزو تايوان في المدى المنظور.


وقال الرئيس الأمريكي، في تصريحات للصحفيين من ولاية فلوريدا، إن لديه “علاقة رائعة” مع نظيره الصيني، مشيرًا إلى أن الصين تنفذ تدريبات بحرية في المنطقة منذ عقود، “لكن الناس باتوا ينظرون إليها اليوم بشكل مختلف”.

 وأضاف أن واشنطن تتابع التطورات عن كثب، لكنها لا ترى في الوقت الراهن مؤشرات فورية على اندلاع نزاع عسكري شامل.


وتعكس تصريحات الرئيس الأمريكي محاولة لطمأنة الأسواق والحلفاء الإقليميين، في وقت تشهد فيه منطقة شرق آسيا توترات متصاعدة، وسط مخاوف من أن أي خطأ في الحسابات قد يقود إلى مواجهة عسكرية واسعة ذات تداعيات عالمية.


خلفية النزاع وموقف الصين


وتعتبر جمهورية الصين الشعبية تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، وترفض أي شكل من أشكال الاستقلال الرسمي للجزيرة. وتؤكد بكين مرارًا أنها تحتفظ بحق استخدام القوة العسكرية لاستعادة السيطرة على تايوان إذا لزم الأمر، خاصة في حال رأت أن خطوات تايبيه أو حلفائها تمس بمبدأ “الصين الواحدة”.


وتستخدم الصين المناورات العسكرية كأداة ضغط سياسية وعسكرية، تهدف إلى توجيه رسائل ردع لتايبيه وحلفائها، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، التي تربطها بتايوان علاقات أمنية وعسكرية غير رسمية.
صفقات السلاح الأمريكية تشعل التوتر
وتأتي المناورات الأخيرة عقب إتمام الولايات المتحدة الأمريكية صفقة بيع أسلحة جديدة لتايبيه في منتصف ديسمبر/كانون الأول، وهي الصفقة الثانية منذ عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

 وبلغت القيمة الإجمالية للصفقة نحو 11.1 مليار دولار، وتشمل أنظمة دفاعية ومعدات عسكرية متقدمة تهدف إلى تعزيز القدرات الدفاعية لتايوان.


وأثارت هذه الخطوة غضب بكين، التي اعتبرتها تدخلًا سافرًا في شؤونها الداخلية وتهديدًا للاستقرار الإقليمي. وردًا على ذلك، أعلنت الحكومة الصينية الأسبوع الماضي فرض عقوبات على 20 شركة دفاع أمريكية، متهمةً إياها بالمساهمة في “تسليح الانفصاليين” في تايوان.


سوابق عسكرية ورسائل متبادلة


وتعود آخر مناورات صينية بالذخيرة الحية حول تايوان إلى أبريل/نيسان الماضي، عندما نفذت بكين تدريبات واسعة لم تُعلن عنها مسبقًا، وأدانتْها حكومة تايوان بشدة، ووصفتها بأنها شكل من أشكال “الترهيب العسكري” ومحاولة لتقويض الاستقرار في المنطقة.


ويرى محللون أن تكرار هذه المناورات يعكس استراتيجية صينية تقوم على “الضغط المتدرج”، أي رفع مستوى التهديد دون الوصول إلى حد الصدام المباشر، مع ترك باب الرسائل السياسية مفتوحًا أمام جميع الأطراف.


مستقبل التوتر في مضيق تايوان


في ظل هذه المعطيات، يبقى مضيق تايوان إحدى أكثر بؤر التوتر حساسية في العالم، نظرًا لتداخل العوامل العسكرية والسياسية والاقتصادية فيه. فأي تصعيد غير محسوب قد ينعكس على حركة التجارة العالمية، وسلاسل الإمداد، وأسواق الطاقة، فضلًا عن الأمن الإقليمي والدولي.


وبينما تواصل الصين استعراض قوتها العسكرية، وتصر تايوان على خطاب التهدئة والدفاع، وتتبنى الولايات المتحدة موقف المراقب الداعم، تظل المنطقة عالقة بين رسائل الردع ومحاولات احتواء التصعيد، في انتظار ما ستسفر عنه التطورات خلال الأشهر المقبلة.