فلوريدا على صفيح ساخن.. زيلينسكي يراهن على ترامب لإنقاذ أوكرانيا من الحرب
بين القصف المستمر على كييف وسماء موسكو الممتلئة بالطائرات المسيّرة، تتجه الأنظار إلى فلوريدا حيث يسعى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لعرض ملف الحرب والسلام على نظيره الأمريكي دونالد ترامب.
زيارة زيلينسكي هذه ليست مجرد رحلة بروتوكولية، بل محاولة أخيرة للحصول على إطار سياسي وأمني ملزم لإنهاء حرب الاستنزاف المستمرة منذ سنوات، في وقت تتشابك فيه الضغوط العسكرية مع الحسابات السياسية والانتخابية والدبلوماسية الدولية.
الضمانات الأمنية.. قلب المفاوضات

يأتي محور زيارة زيلينسكي على خلفية الحاجة الماسة إلى ضمانات أمنية أمريكية قوية. الرئيس الأوكراني أكد في تصريحاته أن نجاح أي اتفاق سلام يعتمد بشكل مباشر على مدى استعداد ترامب لتقديم ضمانات ملزمة قانونيًا.
وأشار زيلينسكي إلى أن خطة التفاوض المؤلفة من عشرين نقطة وصلت إلى مرحلة متقدمة، قائلاً: «مع كل لقاء أو محادثة، يجب أن نقترب أكثر من الهدف النهائي». ويضيف: «الولايات المتحدة وأوروبا تمتلك القدرة على ردع أي توغل روسي جديد، وهو ما نحتاجه لضمان سلام دائم».
دور أوروبا في ظل تهميش نسبي
رغم تركيز زيلينسكي على الولايات المتحدة، يبقى الحلف الأوروبي حاضرًا كطرف داعم، وإن كان محدود التأثير:
مشاركة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عبر الإنترنت في الاجتماعات.
الدور الأوروبي يتركز على دعم أوكرانيا اقتصاديًا وسياسيًا، خصوصًا فيما يتعلق بـ إعادة الإعمار وتمويل المشاريع الحيوية بعد الحرب.
الأوروبيون يواجهون صعوبة في الموازنة بين الضغوط الأمريكية وتجنب الانصياع الكامل لمطالب موسكو المتشددة.
التطورات على الأرض تشير إلى أن الحرب لم تضعف وتيرة تصعيدها:
أعلنت روسيا اعتراض وتدمير 111 طائرة مسيرة أوكرانية خلال ثلاث ساعات فوق ست مناطق، بما فيها ثمان فوق موسكو.
تم فرض قيود مؤقتة على مطاري فنوكوفو وشيريميتييفو لدواعٍ أمنية.
كييف تعرضت لقصف كثيف أسفر عن مقتل شخصين وإصابة 20 آخرين، وتضررت أكثر من عشر مبانٍ سكنية.
زيلينسكي كشف أن 500 طائرة مسيّرة و40 صاروخًا روسيًا استهدفت أوكرانيا خلال الأيام الأخيرة.
اللقاء الأمريكي الأوكراني.. اختبار حقيقي للسلام
يعد اجتماع زيلينسكي مع ترامب اختبارًا للقدرة الأمريكية على فرض تسوية سياسية، بعيدًا عن إدارة الأزمة التقليدية:
الضمانات الأمنية لمنع أي تدخل روسي مستقبلي.
خطة إعادة الإعمار والملف الاقتصادي الحيوي.
عرض النتائج على الرأي العام عبر مؤتمر صحفي مشترك، لإظهار التقدم المحقق دون الإعلان عن اتفاق نهائي بعد.
ورغم تحرك ترامب دبلوماسيًا لحل الأزمة، إلا أن تباين مواقف روسيا وكييف يعقد العملية التفاوضية بشكل كبير.
عدة عوامل تجعل الطريق نحو السلام معقدًا:
رفض روسيا للتنازلات السهلة، وخاصة في مناطق دونباس.
الضغوط الداخلية الأمريكية مع اقتراب الانتخابات، حيث يستخدم ترامب الملف الأوكراني لأغراض سياسية.
تذبذب الموقف الأوروبي الذي قد يؤخر دعم أي تسوية ويضعف آليات الرقابة على تنفيذ الاتفاق.
استمرار التصعيد العسكري على الأرض يعقد القدرة على اتخاذ خطوات ملموسة قبل ضمان آليات مراقبة واضحة.
تقف أوكرانيا اليوم على مفترق طرق بين نيران المعارك والضغوط الدبلوماسية الدولية، في وقت يسعى فيه زيلينسكي للحصول على ضمانات أمريكية وأوروبية واضحة لإنهاء الحرب.
إذا تمكن ترامب من تقديم إطار سياسي وأمني متوافق عليه، فقد يكون ذلك خطوة أولى نحو وقف الصراع الطويل، لكن الطريق ما زال محفوفًا بالعقبات العسكرية والسياسية والدبلوماسية.
وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، عبّرت روسيا عن استعدادها لتسوية الأزمة الأوكرانية بطرق سلمية، متّهمة كييف بما سمّته "غياب الجدية والنية الحقيقية".
وفي الوقت نفسه، تؤكد موسكو ضرورة استمرار العملية العسكرية الخاصة (حرب أوكرانيا)، حتى تحقيق جميع الأهداف الموضوعة في إطارها.
وفيما ينظر البعض بتفاؤل إلى العام الجديد، ويتنبأ بانتصار روسيا في الحرب واستسلام أوكرانيا، يعرب آخرون عن تشاؤمهم من إطالة أمد الحرب، وعدم الثقة في نوايا الإدارة الأميركية الجديدة، والدول الداعمة لكييف في وقف تقديم الدعم العسكري لها.
الرواية الروسية الرسمية، تؤكد أن زمام المبادرة على الجبهات في يد قواتها بعد سيطرتها على مدى العام الجاري على أكثر من 190 بلدة، إلا أن العمق الروسي خلال الأشهر القليلة الأخيرة، سجل مرحلة جديدة من التصعيد، حيث تعرضت المناطق الحدودية الروسية لضربات بأسلحة بعيدة المدى غربية الصنع من طراز "أتاكمز" و"ستورم شادو" إلى جانب توسع رقعة وحجم الهجمات بالمسيرات الأوكرانية.
وزارة الدفاع الروسية تقول إن قواتها تسيطر على 99.3% من أراضي لوجانسك، وعلى 70% من دونيتسك، وعلى 73.9% من أراضي مقاطعة زابوروجيا، و76% من أراضي مقاطعة خيرسون.
"سلام محتمل" في عهد ترمب
في ظل تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإنهاء الحرب في أوكرانيا في غضون 24 ساعة، تُرجّح موسكو بدء المفاوضات من أجل تسوية النزاع بأوكرانيا العام المقبل، وتصفها بأنها "قد تكون صعبة جداً". في الوقت نفسه تؤكد استعدادها لإيجاد حلول وسط، ولكن مع الالتزام بالشروط التي حددها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الصيف الماضي.
وحدد بوتين في يونيو الماضي شروط تسوية الصراع، والتي تشمل من بين أمور أخرى، انسحاب القوات الأوكرانية من 4 مناطق "دونيتسك ولوجانسك وخيرسون وزابوروجيا"، واستبعاد كييف من الانضمام إلى حلف الشمال الأطلسي "الناتو"، ورفع جميع العقوبات المفروضة على موسكو، والتزام أوكرانيا بعدم امتلاك أسلحة نووية.
لكن هناك من يرى أن ما تحدث عنه ترمب "مجرد كلام روّجه خلال حملته الانتخابية"، فيما نشرت مجلة "الإيكونوميست"، في نهاية نوفمبر الماضي، توقعات تفيد بأن الضغوط على السلطات الأوكرانية الداعية إلى مفاوضات السلام ستزداد بشكل ملحوظ في عام 2025. ويعتقد مراقبون أن هذا سيحدث نتيجة لتراجع المساعدات العسكرية الغربية.
في سياق إمكانية انتهاء الحرب ومبادرة ترمب بشأن التفاوض مع كييف، توقع المحلل السياسي الروسي يجفيني سيدروف، أن "العام المقبل لن يشهد خفضاً للتصعيد"، وأضاف سيدروف في تصريحات لـ"الشرق": "دون شك، لن يشهد العام المقبل خفضاً للتصعيد، بما فيه العسكري"، معتبراً أن "جميع الأمور مرتبطة بالعروض التي ستقدم من إدارة ترمب الجديدة لحل الأزمة".
وأشار إلى أنه "في حال كانت هذه المقترحات تناسب القيادة في روسيا، حينها من الممكن الحديث عن التفاصيل. وحتى اللحظة لا يوجد أي شيء محدد، رغم أن العديد من الدول، تُعرض نفسها كوسيط أو منصة، لكن كما ذكرت الأمر غير واضح حتى اللحظة".
ويبقى السؤال الأبرز: هل تستطيع الولايات المتحدة، بقيادة ترامب، فرض تسوية سلام حقيقية، أم أن أوكرانيا ستظل مسرحًا مفتوحًا للصراع بين روسيا والغرب مع استمرار الخسائر الميدانية والبشرية؟