مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

تآكل الروح القتالية.. «أزمة الاحتياط» تُهدّد تماسك الجيش الإسرائيلي

نشر
بكاء ضباط إسرائيليون
بكاء ضباط إسرائيليون

في ظل حربٍ طويلة بلا أفقٍ سياسي واضح، تتكشّف داخل «الجيش الإسرائيلي» مؤشرات أزمة غير مسبوقة، عنوانها «تآكل الروح القتالية وتصاعد رفض جنود الاحتياط للالتحاق بالخدمة»، ما يُنذر بتصدّعٍ خطير في تماسك المؤسسة العسكرية التي لطالما اعتُبرت ركيزة الأمن الأولى للدولة. فبين إرهاقٍ ميداني عميق، وتكاليف بشرية ونفسية مُتراكمة، تتحوّل «أزمة الاحتياط» من ظاهرة محدودة إلى تهديد استراتيجي يمسّ الجبهة الخلفية، ويطرح تساؤلات جدية حول قدرة الجيش على الاستمرار بنفس الزخم في حربٍ مفتوحة لا يبدو أن نهايتها باتت قريبة.

استنزاف الجبهة الداخلية

تُشير معطيات مُتداولة في الأوساط العسكرية والإعلامية الإسرائيلية إلى أن اتساع دائرة الرفض لا يرتبط فقط بالمخاوف الأمنية، بل يعكس حالة إنهاك نفسي واجتماعي مُتراكمة لدى «جنود الاحتياط»، الذين وجدوا أنفسهم عالقين بين جبهات القتال ومتطلبات الحياة المدنية. فغياب رؤية واضحة للحسم، وتكرار جولات الاستدعاء، وتراجع الثقة بالقيادة السياسية والعسكرية، كلها عوامل أسهمت في تعميق «الشرخ الداخلي»، ودَفعت كثيرين إلى التساؤل عن جدوى الاستمرار في حرب تستنزف الداخل بقدر ما تُرهق الميدان.

وارتفعت حالات رفض جنود الاحتياط الإسرائيليين الالتحاق بالجيش، وسط إرهاق عميق وغياب للأفق في مؤشر جديد على تردي الروح المعنوية والتكاليف الباهظة للحرب المُستمرة على قطاع غزة.

انهيار الثقة العسكرية

تكشف الأزمة المُتصاعدة داخل الجيش الإسرائيلي عن صدع عميق في ما كان يُعتبر «الجدار الخلفي» لإسرائيل، حيث يتحوّل سخط جنود الاحتياط إلى رفض علني وغير مسبوق للاستدعاءات العسكرية، في مشهد يعكس إرهاقًا تراكميًا وانهيارًا للثقة، بدأت تتهاوى معه الدعائم الخفية التي ارتكزت عليها آلة الحرب الإسرائيلية لعقود، مع تزايد الأصوات التي تُعلن أن «العبء أصبح لا يحتمل».

هذه ليست مُجرّد حالات فردية، بل تمرد جماعي ضد دوامة الحروب التي لا نهاية لها، يُهدّد بتحويل «الصدمة الجماعية» التي خلفتها حرب غزة إلى زلزال داخلي يهزّ أركان المؤسسة العسكرية نفسها.

شهادة من الميدان

نقلت صحيفة «يديعوت أحرنوت» العبرية عن جندي احتياطي في وحدة مدرعة، أمضى قرابة (350 يومًا) في الخدمة منذ بداية الحرب، قوله إنه قرر عدم الاستجابة للاستدعاء القادم في فبراير.

وأوضح الجندي، الذي رفض الكشف عن هويته، الأسباب وراء هذا القرار قائلًا: «لدينا حروب نخوضها في الداخل. هناك رجال في الفريق فقدوا وظائفهم، وآخرون بالكاد تستطيع أسرهم توفير احتياجاتها الأساسية، أو منقطعون عن الدراسة لفترة طويلة. إنها مشكلة مُعقّدة يُصعب وصفها».

وأضاف الجندي أن غالبية زملائه في الفريق اتخذوا قرارًا مُماثلًا، مُشيرًا إلى التحوّل الكبير في طبيعة الوضع عما كان عليه يوم 7 أكتوبر:«الوضع الآن ليس أبيض أو أسود... إنه غامض للغاية. من الصعب فهم معناه، وما الهدف منه... أمامنا عشر سنوات أخرى من الخدمة الاحتياطية، ونعلم أن الحروب لن تنتهي».

وكشف التقرير عن التداعيات العميقة للحرب على حياة جنود الاحتياط، والتي تتجاوز الجبهة إلى الأزمات الاقتصادية وفقدان الوظائف، وعدم قدرة الأسر على تلبية الاحتياجات الأساسية، وتعليق الدراسة والانقطاع الطويل عن التعليم والتطوير المهني، والصعوبات النفسية والإرهاق الشديد والصعوبة في التأقلم مع الانتقال بين ساحة القتال والحياة الطبيعية.

غياب الدعم السياسي

لكن أهم ما كشف عنه التقرير هو الشعور بـ«التخلي» لدى الجنود، حيث أشار الجندي إلى أن أزمة قانون إعفاء المتشددين (الحريديم) من التجنيد تجعل الجنود «يشعرون بأنهم لا يجدون الدعم من الأهل، ولا من الحكومة، ولا من الدوائر السياسية».

ويُحذّر التقرير من عواقب هذا التوجه على الجيش الإسرائيلي، الذي يُعاني أصلًا من «نقص حاد للغاية في القوى العاملة». وقد يُؤدي رفض الجنود للاستدعاء إلى إضعاف القدرة العملياتية للوحدات، وتقليل فرص نجاح المهام الميدانية، وزيادة العبء على الجنود الملتزمين بالخدمة، ما قد يدفع بالمزيد منهم إلى التسرب، والتراجع الحاد في الروح المعنوية بشكل عام.

هذا التطور يأتي فيما يُعلن «الجيش الإسرائيلي» حاجته المُلّحة لتجنيد آلاف الجنود الجُدد، بما في ذلك من فئة «الحريديم» التي كانت مُعفاة تقليديًا، في اعتراف صريح بأزمة القوى البشرية التي تفاقمت بسبب استنزاف الحرب الطويلة وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية العميقة على المجتمع الإسرائيلي.

مستقبل عسكري غامض

في المُحصّلة، لم تعد «أزمة الاحتياط» مُجرّد عارضٍ عابر يُمكن احتواؤه بإجراءات إدارية أو حملات تعبئة معنوية، بل تحوّلت إلى مؤشر عميق على تصدّعٍ مُتزايد في بنية الجيش الإسرائيلي. فمع استمرار حربٍ مفتوحة بلا أفقٍ واضح، وتراكم الكلفة البشرية والنفسية، تبدو المؤسسة العسكرية أمام اختبار داخلي غير مسبوق، قد تكون تداعياته أشدّ خطورة من المعركة نفسها، إذا ما استمر تآكل الروح القتالية واتسع الشرخ داخل الجبهة الخلفية التي لطالما شكّلت عماد القوة العسكرية الإسرائيلية.