مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

مبادرة إدريس لإنقاذ السودان.. هل تنتصر الدبلوماسية على الحرب؟

نشر
الأمصار

تتجه أنظار السودانيين والمجتمع الدولي على حد سواء نحو أروقة الأمم المتحدة في نيويورك، حيث تخوض الدبلوماسية السودانية ما يمكن وصفه بمعركة الفرصة الأخيرة، في محاولة لوقف نزيف الدم المستمر منذ أكثر من عامين، وإنقاذ البلاد من الانزلاق نحو تفكك شامل.

وفي ظل انسداد الأفق العسكري، وتفاقم الكارثة الإنسانية التي حوّلت مدن السودان إلى ساحات قتال مفتوحة، برز التحرك الأخير لـ رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس بوصفه محاولة جادة لإعادة طرح الحل المدني على طاولة المجتمع الدولي. مبادرة لا تستهدف فقط إسكات المدافع، بل تسعى إلى وضع خارطة طريق شاملة لإعادة بناء الدولة السودانية على أسس العدالة والسيادة ووحدة القرار.

تحرك دولي في توقيت بالغ الحساسية
استغل رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس، منبر مجلس الأمن الدولي، لعرض مبادرة سلام وُصفت بأنها الأكثر وضوحًا منذ اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهو نزاع دخل عامه الثالث مخلفًا عشرات الآلاف من القتلى، وملايين النازحين، وانهيارًا واسعًا في البنية التحتية والخدمات الأساسية.

ويكتسب هذا التحرك أهميته من كونه صادرًا عن حكومة مدنية تحاول تأكيد قدرتها على إدارة المشهد السياسي بعيدًا عن منطق السلاح، مستندة إلى دعم دولي متزايد، وإلى مطالب شعبية متصاعدة بوقف الحرب وفتح مسار سياسي مستدام.

خارطة طريق نحو «سودان جديد»
تقوم مبادرة إدريس على عملية مرحلية تهدف إلى تفكيك الأزمة عبر أربعة محاور رئيسية:
المحور الأمني: يبدأ بوقف شامل لإطلاق النار، تحت رقابة دولية صارمة، يعقبه انسحاب قوات الدعم السريع من المدن والمرافق الحيوية في الخرطوم ودارفور، ونقلها إلى معسكرات تجميع خارج النطاق الحضري، بإشراف الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية.

المحور العسكري: يتضمن نزع السلاح الكامل لقوات الدعم السريع، مع فتح باب الدمج الفردي للعناصر غير المتورطة في جرائم حرب داخل مؤسسات الدولة الأمنية، بهدف بناء جيش وطني موحد بعقيدة مهنية.

المحور القانوني: يركز على مبدأ العدالة غير الانتقائية، من خلال ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة، ورفض أي عفو عام يتجاوز حقوق الضحايا، باعتبار أن السلام الدائم لا يمكن أن يقوم دون محاسبة.

المحور الإنساني: يسعى إلى فتح ممرات إنسانية دائمة، وتسهيل عودة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم الأصلية، تمهيدًا لإطلاق عملية إعادة إعمار شاملة.

رغم شمولية المبادرة، فإنها تصطدم بعقبات سياسية وجيوسياسية، في مقدمتها تحفظات قيادة الجيش السوداني برئاسة عبد الفتاح البرهان على بعض المبادرات الدولية السابقة، بدعوى المساس بالسيادة الوطنية. في المقابل، تحاول حكومة إدريس توسيع دائرة الوسطاء، مستفيدة من إشارات روسية، على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أبدت استعداد موسكو للمساهمة في تيسير الحوار.

اختبار حاسم لمجلس الأمن
تمثل مبادرة كامل إدريس اختبارًا حقيقيًا لجدية المجتمع الدولي، فنجاحها مرهون بانتقال مجلس الأمن من بيانات القلق إلى إجراءات ملموسة، تشمل الضغط على معرقلي السلام، وفرض عقوبات، وتوفير الموارد اللازمة لمراقبة وقف إطلاق النار.

ويقف السودان اليوم عند مفترق طرق تاريخي: إما اغتنام هذه الفرصة للعبور نحو الاستقرار، أو الاستمرار في حرب تستنزف ما تبقى من الدولة، وتدفع البلاد أكثر نحو المجهول.