شلل سياسي يعطّل موازنة فرنسا 2026 ويعمّق القلق الاقتصادي والمالي
فشل المشرّعون الفرنسيون، يوم الجمعة، في التوصّل إلى مشروع قانون توافقي لموازنة عام 2026، في تطور جديد يعكس عمق الانقسامات السياسية داخل البرلمان الفرنسي.
ويجعل هذا الإخفاق من المرجّح أن تضطر الحكومة إلى اللجوء إلى تشريع طارئ يسمح بتمديد حدود الإنفاق العام مؤقتاً، إلى حين إعداد موازنة كاملة يتم التصويت عليها لاحقاً.
ويأتي هذا الفشل في وقت حساس للاقتصاد الفرنسي، وسط ضغوط متزايدة من الأسواق المالية ووكالات التصنيف الائتماني، التي تراقب عن كثب قدرة باريس على ضبط ماليتها العامة والحد من تفاقم العجز.
انهيار سريع للمحادثات البرلمانية
انهارت محادثات اللجنة المشتركة، التي تضم ممثلين عن الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، بعد أقل من ساعة من بدء المناقشات. ولم يتمكّن أعضاء اللجنة من الاتفاق على نص موحّد لمشروع الموازنة، وفق ما أفادت به وكالة «رويترز»، ما شكّل ضربة جديدة لمحاولات الحكومة التوفيق بين مطالب الكتل السياسية المتباينة.
وأبرز هذا الانهيار حجم الخلافات حول قضايا أساسية، في مقدمتها حجم العجز المستهدف، ومستوى الضرائب، وتمويل نظام الضمان الاجتماعي، إضافة إلى أولويات الإنفاق العام، خصوصاً في مجالات الدفاع والخدمات الاجتماعية.

مشاورات حكومية وخيارات محدودة
عقب فشل المحادثات، أعلن رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو أنه سيجري، يوم الاثنين، مشاورات مع كبار القادة السياسيين لتحديد الخطوات المقبلة. وأقرّ لوكورنو بأن البرلمان لن يكون قادراً على التصويت على الموازنة قبل نهاية العام، وهو ما يفتح الباب أمام سيناريوهات استثنائية.
ومن المرجّح أن تجد الحكومة نفسها مضطرة لإصدار تشريع طارئ يتيح مواصلة الإنفاق العام، وتحصيل الضرائب، والاقتراض مع بداية العام الجديد. غير أن هذا الخيار يُعد حلاً مؤقتاً لا يعالج جذور الأزمة المالية، ولا يوفّر رؤية واضحة للسياسات الاقتصادية على المدى المتوسط.
البنك المركزي يحذّر من تداعيات التشريع الطارئ
حذّر محافظ البنك المركزي الفرنسي، فرنسوا فيليروي دي غالو، من الاعتماد المفرط على التشريع الطارئ، معتبراً أنه لا يقدّم «خيارات حقيقية» للاقتصاد الفرنسي. وأوضح، في تصريح لإذاعة «فرانس إنتر»، أن مثل هذا القانون لا يتضمن إجراءات لخفض التكاليف أو إصلاحات ضريبية، ما يؤدي تلقائياً إلى عجز مالي أعلى من المستوى المطلوب.
وأشار فيليروي إلى أن هناك احتياجات ملحّة لزيادة الإنفاق في بعض القطاعات، مثل الدفاع، وهو ما يصعب تلبيته في ظل غياب موازنة شاملة ومتوازنة. كما لفت إلى أن حالة عدم اليقين المحيطة بالموازنة تُكبّد الاقتصاد الفرنسي نحو 0.2 نقطة مئوية من النمو.

إصرار حكومي على خفض العجز
تُصرّ حكومة الأقلية على ضرورة إبقاء العجز المالي دون مستوى 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2026. ويأتي هذا الموقف بعد أن تخلّت الحكومة عن هدفها الأصلي البالغ 4.7 في المائة، في محاولة لكسب دعم النواب الاشتراكيين.
وبلغ العجز هذا العام 5.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الأعلى في منطقة اليورو، ما يزيد من حساسية الوضع المالي الفرنسي.
وكان مجلس الشيوخ قد صادق، يوم الاثنين، على نسخة من موازنة 2026 بعجز 5.3 في المائة، بعدما عرقل المحافظون مقترحات لزيادة الضرائب تهدف إلى سد العجز في موازنة الضمان الاجتماعي التي أقرها مجلس النواب.
برلمان منقسم وعدم استقرار سياسي
تعاني حكومة لوكورنو من هامش مناورة ضيّق داخل برلمان منقسم، في ظل غياب أغلبية واضحة. وقد تسبّبت الخلافات المتكررة حول الموازنة في سقوط ثلاث حكومات منذ أن فقد الرئيس إيمانويل ماكرون أغلبيته البرلمانية عقب الانتخابات المبكرة عام 2024.
هذا الانقسام السياسي المستمر يفاقم حالة عدم اليقين، ويؤثر سلباً في ثقة المستثمرين وفي القرارات الاقتصادية طويلة الأجل.
توقعات نمو متواضع رغم التحديات
في سياق متصل، أعلن البنك المركزي الفرنسي، في تحديث لتوقعاته طويلة الأجل، أن الاقتصاد الفرنسي مرشّح لتحقيق نمو متواضع لكنه مستدام خلال السنوات المقبلة، رغم استمرار الضبابية السياسية.
وتوقع «بنك فرنسا» أن يسجّل الاقتصاد نمواً بنسبة 0.9 في المائة في عام 2025، مدعوماً بأداء أفضل من المتوقع في النصف الثاني من العام، خاصة بفضل صادرات قطاع الطيران والاستثمارات المؤسسية. كما يُتوقع أن يبلغ النمو 1 في المائة خلال عامَي 2026 و2027، قبل أن يرتفع إلى 1.1 في المائة في عام 2028.
التضخم والإنفاق في الأفق
أشار البنك المركزي إلى أن الإنفاق الأسري مرشّح للانتعاش في العام المقبل، مدعوماً بارتفاع الأجور الحقيقية، رغم ضعف سوق العمل. كما يُتوقع تحسّن الاستثمار التجاري خلال عامَي 2026 و2027، بشرط عدم تفاقم حالة عدم اليقين السياسي والمالي قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2027.
أما التضخم، فمن المتوقع أن يظل دون هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 في المائة خلال السنوات الثلاث المقبلة، إذ سيرتفع تدريجياً من 0.9 في المائة هذا العام إلى 1.8 في المائة بحلول عام 2028.