اجتماع رباعي في توقيت بالغ الحساسية
ثلاث أولويات في «اجتماع باريس» لدعم الجيش اللبناني وسط مخاوف من التصعيد
في ظل تصاعد المخاوف من انزلاق الأوضاع الأمنية على الحدود اللبنانية–الإسرائيلية نحو مواجهة عسكرية جديدة، تحتضن العاصمة الفرنسية باريس، اليوم الخميس، اجتماعًا رباعيًا يضم ممثلين عن فرنسا والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية ولبنان، لمناقشة سبل دعم الجيش اللبناني وتعزيز استقرار البلاد، في وقت تتزايد فيه التهديدات الإسرائيلية بالعودة إلى الحرب، بما قد يطيح باتفاق وقف الأعمال العدائية القائم منذ أشهر.
ويأتي هذا الاجتماع في توقيت بالغ الحساسية، إذ يشهد الجنوب اللبناني توترًا متصاعدًا، في ظل خروقات متكررة وتهديدات إسرائيلية علنية، يقابلها قلق دولي متزايد من انهيار التفاهمات الهشة التي جنّبت المنطقة حتى الآن مواجهة شاملة.
قلق فرنسي وتحرك دبلوماسي عاجل
تفيد مصادر فرنسية مطلعة بأن باريس ترى أن لبنان يقف على حافة خطر داهم، في ظل هشاشة الوضع الداخلي سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، ما دفعها إلى تكثيف تحركاتها الدبلوماسية، بالتنسيق مع شركائها الإقليميين والدوليين، لتفادي الأسوأ.
وتؤكد هذه المصادر أن فرنسا تعتبر الجيش اللبناني الركيزة الأساسية للاستقرار في البلاد، وترى أن دعمه سياسيًا وماليًا وعسكريًا بات أولوية لا تحتمل التأجيل، ليس فقط لحماية لبنان، بل أيضًا للحيلولة دون توسّع رقعة الصراع في المنطقة.
الأولوية الأولى: تقييم «آلية المراقبة» وتطويرها
تتمحور الأولوية الأولى لاجتماع باريس حول تقييم عمل آلية المراقبة المعروفة بـ«الميكانيزم»، المكلّفة بمتابعة تنفيذ وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل ولبنان، والنظر في سبل تطويرها وجعلها أكثر فاعلية.
وتشير المصادر إلى وجود ملاحظات دولية بشأن محدودية قدرة هذه الآلية على الردع ومنع الخروقات، ما يستدعي إعادة النظر في صلاحياتها، وتعزيز التنسيق بينها وبين الجيش اللبناني وقوات «اليونيفيل»، لضمان ضبط الوضع الميداني ومنع أي تصعيد غير محسوب.
الأولوية الثانية: لجم التصعيد الإسرائيلي ودعم حصرية السلاح
أما الأولوية الثانية فتتعلق بشكل مباشر بـمحاولة لجم التصعيد الإسرائيلي ومنع انزلاق الأوضاع نحو حرب شاملة، وهو ما يشكل هاجسًا مشتركًا للدول المشاركة في الاجتماع.
وفي هذا الإطار، يشارك في الاجتماع قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل، الذي سيقدم عرضًا مفصلًا حول الجهود التي يبذلها الجيش اللبناني في الجنوب، ولا سيما ما يتعلق بتعزيز انتشاره، وضبط الحدود، والعمل على حصر السلاح بيد الدولة وفق ما تسمح به الإمكانات المتاحة والظروف السياسية والأمنية المعقدة.
وتعتبر باريس أن دعم الجيش اللبناني في هذا المسار يمثل عنصرًا أساسيًا لإقناع المجتمع الدولي بجدية الدولة اللبنانية في استعادة سيادتها الأمنية، وفي الوقت نفسه يشكل رسالة ردع غير مباشرة لإسرائيل.
الأولوية الثالثة: الموقف الأميركي وخريطة الطريق المقبلة
الأولوية الثالثة لاجتماع باريس تتصل بما ستطرحه الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس بشأن الرؤية الأميركية للمرحلة المقبلة في لبنان، وخطط واشنطن لدعم المؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية.
ومن المتوقع أن يتطرق النقاش إلى حجم ونوعية الدعم الأميركي، إضافة إلى الشروط السياسية والأمنية المرتبطة به، في ظل إصرار واشنطن على ربط أي مساعدات بخطوات عملية على صعيد الإصلاحات وحصرية السلاح.
رهان على الجيش لتفادي الأسوأ
في المحصلة، يعكس اجتماع باريس إدراكًا دوليًا متزايدًا لخطورة المرحلة التي يمر بها لبنان، ومحاولة استباق أي انفجار عسكري قد تكون تداعياته كارثية على الداخل اللبناني والمنطقة بأسرها.
ويبدو أن الرهان المشترك للدول المشاركة ينصبّ على تعزيز دور الجيش اللبناني كصمام أمان، مع السعي في الوقت ذاته إلى احتواء التصعيد الإسرائيلي، وتوفير مظلة سياسية وأمنية تحول دون انهيار وقف النار، في انتظار حلول أوسع للأزمة اللبنانية المزمنة.