مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

ترحيب سوداني بـ«إعلان نيروبي».. إقصاء الإخوان نجاح في تشخيص الأزمة

نشر
الأمصار

منذ عام 2023، قد بدءت حرب السودان أو نزاع السودان وهي الحرب الأهلية بين القوات المسلحة السودانية التي يقودها رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وبين قوات الدعم السريع تحت قيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). 

وتركّزت الاشتباكات في يومها الأول في العاصمة الخرطوم وخصوصًا في محيطِ القصر الرئاسي وفي مطار الخرطوم الدولي لكنها امتدَّت في الأيام اللاحقة لمدن وبلدات أخرى تقعُ في ولايات ثانية وتحديدًا الولاية الشمالية و‌ولايات دارفور (الشمال، والجنوب، والشرق، والغرب). 

تسبَّبت هذه الاشتباكات في تفاقم الوضع الإنساني في السودان وفي موجات نزوح كبيرة، وفي لحظة مفصلية من تاريخ السودان الحديث، وفي ظل حرب تُعدّ الأشد كلفة إنسانية وسياسية منذ الاستقلال، خرجت القوى المدنية السودانية المناهضة للحرب ببيان من العاصمة الكينية نيروبي، معلنة التوافق على "إعلان المبادئ السودانية لبناء وطن جديد" وخارطة طريق لإنهاء القتال.

واعتبر خبراء وساسة أن وثيقة "إعلان المبادئ" التي وقّعتها قوى سودانية في نيروبي نجحت في تشخيص الأزمة، بإقصائها الإخوان من مستقبل البلاد.

ولاقت وثيقة "إعلان المبادئ"، التي وقّع عليها طيف واسع من القوى السياسية المدنية والمهنية في السودان، الثلاثاء في نيروبي، ارتياحاً كبيراً لدى قطاعات واسعة من السودانيين.

وثيقة “إعلان المبادئ” الموقعة في نيروبي بشأن الأزمة السودانية

وثيقة “إعلان المبادئ السوداني – الطريق لبناء وطن جديد” هي اتفاق سياسي أولي وقّع عليه طيف واسع من القوى السياسية والمدنية والثورية السودانية في نيروبي يوم الثلاثاء 16 ديسمبر 2025 بهدف تأسيس رؤية مشتركة لإنهاء الحرب وبناء مستقبل سياسي مدني.

جاء توقيع وثيقة إعلان المبادئ في العاصمة الكينية نيروبي في لحظة شديدة التعقيد من تاريخ السودان، حيث تتواصل الحرب بين أطراف عسكرية متنازعة، وتتفاقم الأزمة الإنسانية، بينما تتآكل مؤسسات الدولة وتتراجع فرص الحل السياسي الداخلي. في هذا السياق، تحولت نيروبي خلال الفترة الماضية إلى ساحة بديلة للحوار السوداني–السوداني، في ظل صعوبة انعقاد أي لقاءات جامعة داخل البلاد.

الوثيقة التي وُقّعت يوم الثلاثاء تمثل محاولة سياسية جادة لإعادة بناء مركز مدني موحد، بعد حالة التشظي والانقسام التي أصابت القوى المدنية منذ اندلاع الحرب. وهي لا تُعد اتفاقًا نهائيًا أو تسوية سياسية مكتملة، بل تُصنف كوثيقة تأسيسية تهدف إلى وضع إطار مرجعي للمبادئ الحاكمة لأي عملية سياسية مستقبلية تتعلق بإنهاء الحرب وبناء الدولة السودانية من جديد.

إعلان المبادئ ينطلق من تشخيص واضح لطبيعة الأزمة السودانية، حيث يؤكد أن جذور الصراع ليست آنية أو مرتبطة فقط بالحرب الحالية، بل تعود إلى تاريخ طويل من عسكرة السياسة، وتغوّل المؤسسات العسكرية والأمنية، وإقصاء القوى المدنية، إضافة إلى إرث نظام الحركة الإسلامية الذي حكم البلاد لثلاثة عقود وأسهم – وفق ما ورد في الوثيقة – في تفكيك الدولة وإضعاف مؤسساتها وإشعال النزاعات المسلحة.

الوثيقة تضع مسألة وقف الحرب في صدارة أولوياتها، وتتعامل معها باعتبارها شرطًا مسبقًا لأي عملية سياسية ذات مصداقية. وتؤكد أن استمرار القتال لا يخدم سوى أطراف الحرب، بينما يدفع المدنيون الثمن الأكبر من أرواحهم وأرزاقهم ومستقبلهم. لذلك تشدد على ضرورة التوصل إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، يبدأ بترتيبات إنسانية عاجلة تضمن حماية المدنيين وفتح الممرات الآمنة لإيصال الغذاء والدواء، ثم يتطور لاحقًا إلى وقف دائم للعمليات العسكرية.

وفي هذا الإطار، تطرح الوثيقة رؤية تعتبر أن الحل العسكري أثبت فشله الكامل، وأن أي محاولة لحسم الصراع بالقوة لن تؤدي إلا إلى تفكك السودان وتحوله إلى دولة فاشلة. ومن ثم، فإن الطريق الوحيد للخروج من الأزمة يتمثل في حل سياسي شامل تقوده قوى مدنية، ويستند إلى توافق وطني واسع، بعيدًا عن منطق الغلبة والسلاح.

كما تولي الوثيقة اهتمامًا خاصًا بقضية حماية المدنيين، وتصفها بأنها واجب أخلاقي ووطني لا يقبل المساومة. وتدين الانتهاكات التي تعرض لها السكان في مناطق القتال، بما في ذلك القتل خارج القانون، والتهجير القسري، وتدمير البنية التحتية، واستخدام الحصار والتجويع كسلاح. وتؤكد أن أي سلطة مستقبلية تفشل في حماية مواطنيها تفقد شرعيتها السياسية والأخلاقية.

فيما يتعلق بشكل الدولة، يطرح إعلان المبادئ تصورًا واضحًا لدولة سودانية جديدة تقوم على أسس مدنية ديمقراطية، يكون فيها المواطن هو أساس الحقوق والواجبات دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو الجهة. وتدعو الوثيقة إلى فصل الدين عن السياسة، وإقامة دولة قانون تحكمها مؤسسات مستقلة وقضاء نزيه، مع ضمان الحريات العامة وحقوق الإنسان.

وتخصص الوثيقة جزءًا مهمًا لمعالجة قضية العسكرة وإصلاح القطاع الأمني، معتبرة أن بناء دولة مدنية حقيقية يستحيل في ظل تعدد الجيوش والمليشيات. لذلك تدعو إلى تفكيك التشكيلات المسلحة خارج إطار الدولة، وإعادة بناء جيش وطني مهني واحد بعقيدة جديدة، يخضع للسلطة المدنية ويبتعد عن العمل السياسي والاقتصادي، بما يضمن عدم تكرار الانقلابات العسكرية التي عطلت مسار التحول الديمقراطي لعقود.

ومن أكثر البنود إثارة للجدل في الوثيقة موقفها الصريح من الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني وواجهاتهما. إذ تنص الوثيقة على استبعاد هذه القوى من أي عملية سياسية مستقبلية، وتحملها مسؤولية تاريخية عن تقويض الديمقراطية وإشعال الحروب وإضعاف مؤسسات الدولة. كما تدعو إلى اتخاذ إجراءات قانونية بحقها، بما في ذلك تفكيك بنيتها التنظيمية والاقتصادية، ومنع عودتها إلى السلطة بأشكال جديدة.

الوثيقة لم تأتِ منفردة، بل رافقها التوافق على وثائق أخرى مكملة، من بينها خارطة طريق لوقف وإنهاء الحرب، ومذكرات سياسية وقانونية تتعلق بتفكيك إرث النظام السابق، إضافة إلى إطار للتحرك الإقليمي والدولي بهدف كسب الدعم للمسار المدني المطروح.

ردود الفعل على إعلان المبادئ جاءت متباينة. فالقوى الموقعة اعتبرته خطوة مفصلية نحو توحيد الصف المدني، وبداية لبناء بديل سياسي حقيقي في مواجهة الحرب والعسكرة. في المقابل، رفضت الحكومة السودانية مخرجات اجتماعات نيروبي، واعتبرتها تدخلًا خارجيًا ومحاولة لتأسيس شرعية سياسية موازية، وهو ما يعكس عمق الانقسام السياسي القائم في البلاد.

وسياسيا، يمكن القول إن وثيقة إعلان المبادئ تمثل اختراقًا على مستوى الخطاب والرؤية، لكنها لا تزال تفتقر إلى أدوات التنفيذ على الأرض، في ظل غياب الأطراف العسكرية المتحاربة عن التوقيع. ومع ذلك، فإن أهميتها تكمن في كونها تؤسس لمرجعية سياسية وأخلاقية يمكن أن تشكل أساسًا لأي تسوية مستقبلية، كما تمنح القوى المدنية منصة موحدة للتخاطب مع المجتمعين الإقليمي والدولي.

والخلاصة أن وثيقة إعلان المبادئ لا تقدم حلًا فوريًا للأزمة السودانية، لكنها تضع تصورًا متكاملًا لسودان ما بعد الحرب، وتعبّر عن محاولة جادة لاستعادة الدور المدني في لحظة تاريخية تتحدد فيها ملامح الدولة السودانية القادمة.