رفع قانون قيصر عن سوريا.. نهاية حقبة العقوبات وبداية فصل جديد
بعد أكثر من ست سنوات من الحرب والدمار، دخلت العلاقات بين سوريا والولايات المتحدة الأمريكية في مرحلة تاريخية جديدة في 2025، مع إعلان الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب عن خطوات عملية نحو رفع العقوبات المفروضة على سوريا، ومن بينها قانون “قيصر” الذي شكل لسنوات أحد أهم أدوات الضغط الأمريكي على دمشق.
ما هو قانون قيصر؟
قانون قيصر (Caesar Syria Civilian Protection Act) هو تشريع أمريكي أُقرّ لأول مرة في ديسمبر 2019 بهدف معاقبة الحكومة السورية السابقة (خلال عهد بشار الأسد) وأركانها، بعد توثيق واسع لانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم حرب خلال الحرب السورية. القانون سُميّ تيمّناً باسم “قيصر” (Caesar)، وهو اسم مستعار لمصور عسكري سوري سابق انشقّ عن النظام، وحمل معه آلاف الصور التي تُظهر التعذيب والقتل الجماعي في سجون النظام السوري.
ينص القانون على فرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة ضد دمشق وأي جهة أو دولة تتعامل معها، بما في ذلك حظر الاستثمارات، وقف المعاملات التجارية، وتجميد الأصول، في محاولة لتقييد موارد النظام السابق ومنع إعمار ما دُمر من دون تحقيق مكاسب سياسية أو إنسانية.
الغرض من العقوبات وأثرها على سوريا
كان الهدف المعلن من قانون قيصر هو حماية المدنيين السوريين وتشجيع تسوية سياسية عادلة. لكن العقوبات طالت الاقتصاد السوري كله، وأثرت على قطاعات حيوية مثل النفط، المصارف، الصناعة، وحتى الخدمات الأساسية، مما انعكس سلبًا على حياة السوريين وساهم في تفاقم الأوضاع الإنسانية. كما أثّرت العقوبات على دول وشركات أجنبية ترددت في الاستثمار في سوريا خشية المساءلة القانونية الأمريكية.
التحوّل في السياسة الأمريكية تجاه سوريا في 2025
في عام 2025، ومع تغير الواقع السياسي في سوريا وسقوط النظام السابق بقيادة بشار الأسد، أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب عن تحوّل جذري في نهجها تجاه دمشق. في 13 مايو 2025، أعلن ترامب في الرياض تعهده برفع العقوبات عن سوريا، في خطوة مفاجئة أثارت اهتمامًا واسعًا في المنطقة والعالم.
في 30 يونيو 2025، وقع ترامب أمرًا تنفيذيًا بإنهاء برنامج العقوبات المتعلقة بسوريا، مما أتاح للولايات المتحدة البدء في إزالة القيود الاقتصادية والتجارية المفروضة منذ سنوات. ويشمل هذا الإجراء رفع قيود التصدير على السلع المدنية، وإسقاط بعض العقوبات التي كانت تمنع التعامل مع مؤسسات حكومية سورية، مع الإبقاء على عقوبات ضد الأفراد المرتبطين بالإرهاب أو الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.
التعليق الجزئي لقانون قيصر والإجراءات التنفيذية
في نوفمبر 2025، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية تعليق تنفيذ قانون قيصر جزئيًا لمدة 180 يومًا، مع الإبقاء على بعض القيود المتعلقة بالمعاملات مع روسيا وإيران، بعد زيارة رسمية لقائد سوريا الجديد إلى البيت الأبيض. هذا التعليق لم يكن إلغاءً نهائيًا، بل خطوة تمهيدية نحو تخفيف شامل للعقوبات.
الخطوة الأمريكية هذه سمحت للسوريين والشركات الأجنبية بالبدء في التعامل التجاري والاستثماري بشكل أوسع مع السوق السوري، وأشارت إلى رغبة واشنطن في دعم استقرار سوريا وإعادة بنائها اقتصاديًا.
الكونجرس الأمريكي والتحرك القانوني لإلغاء القانون نهائيًا
بينما اتخذت السلطة التنفيذية الأمريكية خطوات نحو التخفيف من التداعيات الاقتصادية لعقوبات قيصر، كانت السلطة التشريعية (الكونغرس) تعمل على إلغاء القانون نفسه من جذوره. في أواخر نوفمبر – ديسمبر 2025، أقرّ مجلس الشيوخ الأمريكي في مشروع قانون الموازنة الدفاعية إدراج بند يقضي بـ إلغاء قانون قيصر نهائيًا. وبعد ذلك، صوّت مجلس النواب الأمريكي بالموافقة، وتم إرسال المشروع للرئيس ترامب للتوقيع عليه.
بمجرد توقيعه، من المتوقع أن يدخل إلغاء القانون حيز التنفيذ اعتبارًا من 1 يناير 2026.
هذه الخطوة تمثل تحوّلًا جوهريًا في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، إذ تنتقل العقوبات من كونها أداة ضغط طويلة الأمد إلى وسيلة تدرّج نحو الانفتاح والدبلوماسية البنّاءة.
تأثير رفع العقوبات على سوريا والمنطقة
يرى محللون اقتصاديون وسياسيون أن إلغاء قانون قيصر ورفع العقوبات سيسهم في تنشيط الاقتصاد السوري بعد سنوات من الركود، وسيشجع الاستثمارات الأجنبية في قطاعات البنية التحتية والطاقة والبنوك. كما قد يساعد هذا التحول في عودة اللاجئين وتحسين الظروف المعيشية للسكان.
لكن بعض الخبراء يشيرون إلى أن الطريق لا يزال طويلاً، وأن التحسن الاقتصادي الحقيقي يعتمد على استقرار سياسي داخلي، وسياسات إصلاح اقتصادي فعالة، إضافة إلى دعم دولي أوسع. ومع ذلك، فإن تحولات 2025 تمثل بلا شك مرحلة تاريخية في العلاقات السورية–الأمريكية.
بعد سنوات من العقوبات التي أثّرت بشكل مباشر على الاقتصاد والمجتمع السوري، يبدو أن العلاقات بين سوريا والولايات المتحدة تتجه نحو فصل جديد يقوم على الانفتاح والتعاون. إلغاء قانون قيصر ورفع العقوبات يمثلان انقلابًا جذريًا في السياسة الأمريكية ويمنحان سوريا فرصة لإعادة بناء اقتصادها في إطار من الاستقرار والدبلوماسية الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب.